حداد في كنيسة المهد.. الحرب تفسد احتفالات كريسماس 2025 بفلسطين
بصمت القبور، يحل الكريسماس على شعب فلسطين، في ظل استعداد العالم لاستقباله بفرحة وانتظار وتجمع عائلي وسعادة، بخلاف تلك الأمة التي انتهكت وسلبت ضحكتها وتشتت الأسر وتفرقت، ودوى صراخ الأبرياء بحزن وانكسار بسبب العدوان الاحتلال الإسرائيلي الغاشم.
طالما رنت الأجراس ودق الناقوس احتفالًا بمولد المسيح في ساحة تلك الكنيسة العريقة "المهد" لاستقبال عام جديد، وصاحبها أطفال بريئة تحمل الألعاب ويرن صدى الضحك وامتلأت الكنيسة بأقدام الصغار والكبار وهم يصلون ويحتفلون بذلك المولد العظيم.
ولكن تغير كل ذلك وتبدل بدموع وصراخ وألم مكبوت وقلوب شاعرة بالحزن والفراق وارتوت الدماء على أرضية تلك الكنيسة الطاهرة وهم يحتمون بها من الغدر المحتم، ولكن بروح أبية وشجاعة وبقلوب مدوية يحتفل الشعب بالكريسماس ومولد المسيح على أرض القدس وفي كنيسة المهد العظيمة رغُم كل شيء.
كنيسة المهد
هي أقدام الكنائس في فلسطين بل والعالم أجمع، وتعد من أهم الرموز الدينية، وتقع في مدينة بيت لحم، على بعد نحو 10 كيلومترات جنوب القدس، هي الأولى بين الكنائس الثلاث التي بناها الإمبراطور قسطنطين في مطلع القرن الرابع الميلادي حين أصبحت المسيحية ديانة الدولة الرسمية.
كما تعد الكنيسة بمثابة قوة دينية وتاريخية كبيرة ويعود تاريخ بنائها إلى القرن الرابع الميلادي وشيدها فوق المغارة التي أنجبت فيها السيدة مريم السيد المسيح عليه السلام.
زين قسطنطين ووالدته هيلانه الكنيسة بالرخام والفسيفساء وزخارف منقوشة بطريقة بديعة ومميزة، ولكن لم تصمد أمام الغزوات العديدة ومرت بالعديد من الأحداث الصعبة، حيث كانت تلك الكنيسة شاهدة على ما عانته تلك الأرض المقدسة.
أحرق السامريون الكنيسة قبل هدمها عام 529م، ثم أعاد الإمبراطور البيزنطي جستنيان بناءها عام 534م، كما نجت من الدمار أيام الغزو، وبحلول القرن الحادي عشر رفع الصليبيون راياتهم فوق كنيسة المهد وقاموا بترميمها.
حازت الكنيسة على اهتمام كبير من الصليبيين؛ بعد تتويج الملك بلدوين على المملكة اللاتينية في القدس عام 1101م، وزينوها بالفسيفساء على الجدران وبالرسومات على الأعمدة وبالرخام على الأرضيات.
وفي الفترة المملوكية تعرضت الكنيسة للعديد من الكوارث الطبيعية وفقدت بريقها وجمالها بسبب انتهاء تلك الفترة، كما تعرضت لزلزال عام 1834م وحريق عام 1869م، ورُغم ذلك حافظت على معمارها ومعظم أجزائها وزخارفها، فيما تضررت أرضيتها وسقفها، ولكنها رممت مرة أخرى.
معالم الكنيسة
تحتوي كنيسة المهد على المبنى الأساسي، الذي أنشأه الإمبراطور قسطنطين، وتضم العديد من الأديرة وكنائس لاتينية وأرثوذكسية يونانية وفرنسيسكانية وأرمنية، إضافة لأبراج الجرس والحدائق ذات المدرجات.
كما تضم الكنيسة مغارة المهد، وهي المزار الرئيسي فيها، وتقع تحت صحنها إلى الشرق، حيث شيدت الكنيسة على الطراز البازيلكي، بصحن كبير و5 أجنحة واسعة وقاعتين مستعرضتين، تحتها مغارة المهد، وتتطل على قاعة ممتلئة الأضلاع بسقف مخروطي، و40 عمودا فوقها حائطان ارتفاعهما 10 أمتار وفوقها 11 نافذة تحيطها من كل جهة.
ويوجد بها درجان يؤديان إليها على جانبي مذبح المهد، ووجدت فيها نجمة فضية وكتابة لاتينية، وفيها أيضا 15 قنديلا تمثل الطوائف المسيحية، وعلى جدرانها توجد بقايا الفسيفساء التي كانت تزينها وأرضيتها في القرن الـ 12، والتي تعود للفترة البيزنطية الأولى.
حصار الكنيسة
ظلت الكنيسة فريسة لمطمع الغزو وتعرضت لكوارث ومحطات أليمة وصعبة، وفي 2 أبريل 2002 بدأ حصارها، بعد انتهاء عيد الفصح، من قبل الجيش الإسرائيلي حيث احتل وقتها محافظة بيت لحم وبدأ اقتحامها وسماها عملية الدرع الواقي.
لم تستلم المقاومات الفلسطينية ودارت اشتباكات بينهم وبين قوات الاحتلال الإسرائيلي واتخذت المقاومة الفلسطينية من كنيسة المهد حصنا لهم، ولكم فرضت عليهم القوات الصهيونية حصارا على الكنيسة ومن فيها دام أكثر من 35 يوما.
ولكن لم يتوقف كل ذلك وشهدت الكنيسة مرة أخرى في عام 2024 مجازر بشرية ارتكبها جيش الاحتلال في حق ذلك الشعب الفلسطيني، واستبدلت الفرحة بحزن والضحك بدموع، ومع اقتراب نهاية العام تستقبل ساحة كنيسة المهد الكريسماس والاحتفالات بدماء وأشلاء منثورة وقلوب أنهكها الألم والظلم وتظهر المجسمات وهم يحملون الأكفان تعبيرًا عن ما يحدث في الأرض المقدسة فلسطين.