شهد عام 2024 الكثير من الأحداث والتداعيات والأزمات والتحديات، والتي تطلبت وجودا وموقفا مهما من المؤسسات وعلى رأسها الأزهر الشريف، والذي كان حاضرًا بقطاعاته، وكان لفضيلة الإمام أحمد الطيب شيخ الأزهر مواقف خالدة، ونشاط مكثف لتوضيح دور الأزهر وجهوده في خدمة الإسلام والمسلمين.
وفي هذا الإطار وانطلاقا من عالمية الأزهر، فتحت المشيخة أبوابها خلال 2024 لتستقبل ملوك وزعماء العالم، كما طرق الإمام الطيب عددا من أبواب عواصم العالم ليلتقي بملوكها ورؤسائها؛ ليقول الطيب قوله، ويوصل رسالة الأزهر للعالم حيث استقبل والتقى 16 ملكا ورئيسا خلال العام الجاري، ليؤكد موقفه في العديد من القضايا التي باتت تؤرق العالم والإنسانية جمعاء.
ففي شهر مارس الماضي، استقبل فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، بمقر مشيخة الأزهر، "نيكول باشينيان"، رئيس وزراء أرمينيا، وبحثا سبل تعزيز العلاقات والتعاون المشترك، وخلال اللقاء أكَّد فضيلة الإمام الأكبر عمق العلاقات التي تربط الأزهر بأرمينيا، كما التقى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، و"فيليب لازاريني" مفوض عام وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"؛ وناقش الطرفان مستجدات الأوضاع في غزة، وأشاد الإمام الأكبر بمواقف أنطونيو جوتيريش الشجاعة في نصرة الحق الفلسطيني ودعم العدالة وحقوق الإنسان في غزة ومواقفه الواضحة لتحذير العالم من مخاطر هذا العدوان، وما قامت به منظمة الأونروا التابعة للأمم المتحدة من جهودٍ كبيرةٍ تجاه اللاجئين والفارين من نيران العدوان.
وفي شهر أبريل استقبل فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب بمشيخة الأزهر، دينيس بشيروفيتش رئيس البوسنة والهرسك؛ وناقشا أبرز القضايا والتَّحديات التي تواجه عالمنا الإسلامي، وأكد الإمام الأكبر أنَّ الإبادة الجماعية التي يرتكبها الصهاينة في حق إخواننا في غزة، والتي تُعدُّ وصمة عار على جبين الإنسانية، لتذكِّرنا بما تعرض له مسلمو البوشناق في البوسنة والهرسك من جرائم إبادة جماعية، وتذكرنا نحن المسلمين بضرورة اتحادنا، وأنه هو الحل والسبيل الأوحد للخروج بالأمة من تلك الأزمات المتلاحقة.
وفي (يونيو 2024) استقبل الطيب بمشيخة الأزهر الرئيس إلهام علييف، رئيس جمهورية أذربيجان، وبحثا سبل تعزيز العلاقات بين أذربيجان والأزهر، ووجَّه الرئيس الأذربيجاني دعوة رسمية لشيخ الأزهر لزيارة البلاد، والمشاركة في قمتي الأمم المتحدة من أجل المناخ COP29، وقمة قادة الأديان من أجل المناخ؛ حيث رحب فضيلة الإمام الأكبر بالدعوة.
أما في (يوليو 2024)، فقد زار فضيلة الإمام الأكبر ماليزيا، حيث استقبله ملك ماليزيا إبراهيم بن السلطان إسكندر، في القصر الملكي بالعاصمة الماليزية كوالالمبور، وناقشا سُبُل استفادة ماليزيا من خبرات الأزهر في مجالات مكافحة التطرف، وذلك بعدما أوقف زيارته المقررة إلى ولاية جوهور خصيصًا للقاء شيخ الأزهر.
فيما افتتح فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، و داتؤ سري أنور إبراهيم، رئيس وزراء ماليزيا، مجلسًا خاصًّا لعلماء وشباب الباحثين الماليزيين؛ للتناقش والحوار حول وسطية الإسلام وسماحته، والمنهج الإسلامي في تعزيز الأخوَّة والوئام في المجتمعات. كما ألقى الإمام الأكبر محاضرة في الجامعة الإسلامية العالمية، تناولت سبل مواجهة التحديات المعاصرة التي تعصف بالعالم الإسلامي.
وفي ذات الشهر، زار الإمام الأكبر مملكة تايلاند والتقى الملك ماها فاجيرا لونجكورن وقرينته، حيث دار بينهما حديث عميق حول أهمية تعزيز قيم التسامح الديني والتعايش السلمي في المجتمعات التي تتميز بتعدد الثقافات، كما اجتمع شيخ الأزهر برئيس الوزراء التايلاندي، سريتا تافيسين، وبحثا سبل توثيق التعاون بين الأزهر وتايلاند في مجالات التعليم والتدريب الديني.
ولأول مرة تاريخياً، شيخ الأزهر يزور «البرلمان التَّايلاندي» ويلتقي رئيس البرلمان وعددًا من النواب، ورحَّب رئيس البرلمان التايلاندي بشيخ الأزهر، مؤكدًا أنَّ زيارة فضيلة الإمام الأكبر للبرلمان التايلاندي هي صفحة تاريخيّة مضيئة في سجلات البرلمان التايلاندي، معربا عن فخره وامتنانه لكون هذه الزيارة هي أول زيارة لشيخ من شيوخ الأزهر للبرلمان التايلاندي، وهو أمر سيتذكره التايلانديون، وسيظل محفورًا في ذاكرة البرلمان التايلاندي.
كما زار الطيب، إندونيسيا خلال الفترة من 8 إلى 11 يوليو الماضي وشهدت الزيارة جدولاً حافلاً بالفعاليات واللقاءات أكدت على الدور المحوري للأزهر الشريف في تعزيز الوسطية والتعاون الإسلامي.
وخلال الزيارة، التقى شيخ الأزهر بالرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو في القصر الرئاسي، وناقشا سبل تعزيز التعاون بين الأزهر وإندونيسيا في مجال التعليم، وتوسيع برامج المنح الدراسية للطلاب الإندونيسيين بالأزهر، إضافة إلى توقيع بروتوكولات تعاون مع جامعة الأزهر، ورحَّب الرئيس الإندونيسي بشيخ الأزهر في إندونيسيا، مؤكدًا أهمية هذه الزيارة الملهمة والمهمة للشعب الإندونيسي، وذلك لما يحظَى به شيخ الأزهر من محبَّة واحترام كبيرين في نفوس الإندونيسيين، فالأزهر الشريف هو المرجعيَّة الأولى لمسلمي إندونيسيا في العلوم الشرعية والعربيَّة، وهو الحصن المنيع الذي يساعد على حماية بلاده وشبابها من الأفكار المتطرفة.
وفي شهر نوفمبر زار شيخ الأزهر أذربيجان بدعوة رسمية من الرئيس إلهام علييف، رئيس جمهورية أذربيجان، للمشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي (COP29) وحملت الزيارة رسالة واضحة تؤكد التزام الأزهر الشريف بالقضايا البيئية والإنسانية التي تمثل تحديات مشتركة للعالم أجمع.
وخلال المشاركة، ناقش الإمام الأكبر مع الرئيس الأذربيجاني تعزيز التعاون الثنائي ودعم القضايا الإنسانية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والعدوان الذي تشنه إسرائيل على المدنيين في غزة ولبنان، فيما صرح الرئيس الأذربيجاني أن مشاركة شيخ الأزهر في COP29 هو تشريف لأذربيجان.
كما التقى شيخ الأزهر رئيس الحكومة في بنجلاديش وناقشا سُبُل تعزيز التعاون الدعوي والعلمي، فيما صرح رئيس الحكومة البنجلاديشي بأن فتوى الأزهر بشأن "بنك الفقراء" أنقذت فقراء بنجلاديش، داعيًا شيخ الأزهر لزيارة البلاد، كما ناقش شيخ الأزهر ورئيس طاجكستان سُبُل تعزيز العلاقات المشتركة، فيما دعا رئيس طاجكستان شيخ الأزهر لزيارة البلاد مؤكدًا تطلع الشعب الطاجاكي إلى هذه الزيارة.
كما استقبل فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، أنور إبراهيم، رئيس وزراء ماليزيا، ورحب فضيلة الإمام الأكبر برئيس الوزراء الماليزي والوفد المرافق له في رحاب الأزهر الشريف، مؤكدًا متانة العلاقة التي تربط الأزهر بماليزيا وخصوصيتها، والتي لعب الطلاب الماليزيون الوافدون للدراسة في الأزهر دورًا محوريًّا في تعزيزها وتقدمها، واتفق شيخ الأزهر ورئيس الوزراء الماليزي على تعزيز التعاون بين الأزهر ودول جنوب شرق آسيا، بما يخدم التعريف بمواقف الأزهر من مختلف القضايا في هذه الدول، وتعزيز التبادل العلمي والثقافي، والاستفادة من صوت الأزهر لنقل تجارب هذه الدول الرائدة في مجالات الاقتصاد والتطور التكنولوجي بما يخدم تقدم الشعوب الإسلامية ولمّ شمل الأمة ووحدتها.
أما فيما يتعلق بزياراته العربية، فقد زار شيخ الأزهر الإمارات في (سبتمبر 2024)، والتقى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، وبحث الجانبان تعزيز التَّعاون بين الجهات المعنية في دولة الإمارات العربية المتحدة وكل من الأزهر الشريف ومجلس حكماء المسلمين لترسيخ القيم الإنسانيَّة المشتركة وتأصيل ثقافة التَّعايش والحوار الحضاري والسِّلم بين مختلف الثقافات والشعوب في العالم، وذلك انطلاقًا من مبادئ وثيقة "الأخوة الإنسانية" التي وقَّعها شيخ الأزهر والبابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكيَّة خلال شهر فبراير عام 2019م في أبوظبي.
كما التقى شيخ الأزهر الرئيس العراقي في أذربيجان وأكدا ضرورة وحدة الصف الإسلامي والعربي لوقف العدوان على غزة ولبنان، كما التقى شيخ الأزهر الشيخ محمد بن زايد وناقشا سبل التعاون في مجال تعزيز الحوار والتَّفاهم على المستويين الإقليمي والدولي.
وأوروبيا، التقى شيخ الأزهر رئيس المجلس الأوروبي وناقشا المآسي الإنسانية المعاصرة، وأكد لرئيس المجلس الأوروبي أن من صمت على اعتداءات إسرائيل ، ستصيبه بعض منها غدًا أو بعد غد.
كما استقبل فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف بمشيخة الأزهر، ألار كاريس رئيس جمهورية إستونيا، وبحثا سبل تعزيز التعاون المشترك، وأعرب شيخ الأزهر عن تقديره لموقف إستونيا من إدانة العدوان الإسرائيلي على غزة، وتصويتها لصالح قرار منح العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة، مؤكدًا أن هذا الموقف يعكس التزام إستونيا بالمبادئ الإنسانية والعدالة الدولية، ويعزز الأمل في دعم المجتمع الدولي للحقوق الفلسطينية المشروعة، مشيرًا إلى أهمية مثل هذه المواقف في تسليط الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني.
أما فيما يتعلق بنشاط أكاديمية الأزهر التي أنشأها الأزهر الشريف لتدريب الأئمة والوعاظ وباحثي الفتوى وأعضاء لجان الفتوى، فضلًا عن تدريب الأئمة والدعاة الوافدين من جميع أنحاء العالم ومبتعثي الأزهر الشريف، لتنمية مهاراتهم البحثية والفكرية من خلال نماذج عملية وتطبيقية تتواكب مع تطورات العصر، وضبط الفتاوى من الفوضى التي لحقت بها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فقد نفذت العديد من الأنشطة المكثفة والمتنوعة خلال عام 2024م؛ بما يخدم تطلعات المؤسسة الأزهرية في التجديد وتحصين الفكر وإيصال كل ما هو نافع للأمة، وتعزيز التواصل الثقافي بين الأئمة والدعاة من مختلف الدول ، فاستهدفت الأكاديمة الأئمة الوافدين من مختلف دول العالم وذلك من خلال وضع برامج تدريبية لهم لتطوير مهاراتهم الدعوية والشرعية واللغوية.
كما سعت في عام 2024 إلى وضع برامج تدريبية لوعاظ الأزهر الشريف و تطوير مهاراتهم من خلال تقديم دورات تدريبية متنوعة في مجالات متعددة، أبرزها: (برنامج تنمية المهارات اللغوية والأداء الخطابي) و(برنامج القدس والقضية الفلسطينية) و(برنامج مكافحة الفساد الإداري) و(دورة إعداد وتأهيل أعضاء لجنة مراجعة المصحف الجدد).
كما قدمت أكاديمية الأزهر في عام 2024 برامج تدريبية لخريجي الأزهر تهدف إلى تجهيزهم للالتحاق بسوق العمل في المجال الدعوي.
وخلال لقاءات وجولات فضيلة الإمام الأكبر في عام2024م برؤساء ووزراء عدد من الدول حول العالم، من دول (أوزباكستان وإندونيسيا وماليزيا وتركيا وأذربيجان وطاجكستان وبيرو ومالي وجيبوتي وبوركينا فاسو)، حرص الإمام الأكبر على نفع الدعاة والمسلمين بما تقدمه أكاديمية الأزهر، فأبدى استعداد أكاديمية الأزهر العالمية لتدريب الأئمة والوعَّاظ، وذلك لصقل مهارات الأئمة في مكافحة الفكر المتطرف، وتفنيد الحجج التي ترتكز عليها الجماعات الإرهابية في استقطاب الشباب والتأثير عليهم، والتعريف بموقف الإسلام الصحيح من مختلف القضايا المعاصرة، وتعزيز فهمهم لقضايا التعايش وقبول الآخر في الإسلام، وإعادة تشكيل الوعي الصحيح لجماهير الأمة.
أما فيما يتعلق بنشاط «مجمع البحوث الإسلامية» في 2024 .. فقد شهد نشاطًا دعويًّا متميزًا؛ إذْ واصل المجمع جهوده في نَشْر القِيَم الإسلامية السمحة، وتعزيز مفاهيم الوسطية والاعتدال؛ لمواجهة التحديات الفكرية والاجتماعية في وقتنا المعاصر.
وواصل المجمع تقديم رسالته الدعوية من خلال 139,247 خطبة جمعة؛ و تناولت هذه الخُطَب موضوعاتٍ مهمَّةً ركَّزت على التحديات الراهنة وعَلاقتها بالمفاهيم الإسلامية الأصيلة؛ ما أسهم في توعية الجمهور وتعميق فهمه للقيم الدينية.
إضافة إلى ذلك، أُقيم 308,341 درسًا دينيًّا في المساجد على مستوى الجمهورية؛ ممَّا أسهم في إثراء الفكر الديني وتبسيط المفاهيم الشرعية للمصلِّين.
وفي سياق متصل، أطلق مجمع البحوث الإسلامية 180 قافلة دعوية متحركة استهدفت المناطق النائية، إضافة إلى 156 قافلة ثابتة في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية؛ لنشر القيم الإسلامية وتعزيز الوعي الديني، كما أطلق المجمع 125 قافلة مشتركة بالتعاون مع وزارة الأوقاف ودار الإفتاء، في إطار تكاملي يهدف إلى تعزيز الوحدة بين المؤسسات الدينية. وعمل المجمع على التواصل المستمر مع جميع فئات المجتمع من خلال عدد من اللقاءات الميدانية المتنوعة التي شملت 25,307 لقاءات في دُور الرعاية الاجتماعية، و15,890 لقاءً في مراكز الشرطة، إلى جانب تنظيم 3,268 لقاءً داخل السجون، تم خلالها إلقاء الضوء على أهمية الإصلاح النفسي والتوجيه الأخلاقي للنُّزلاء، هذا بالإضافة إلى 17746 زيارة للمستشفيات، وعَقْد نحو 50 ألف لقاء بالمدارس والمعاهد والشركات والمصانع. وحرص المجمع على إشراك الشباب في الأنشطة الثقافية والدينية؛ إذْ تم تنظيم 69,348 حلقة نقاشية في مراكز الشباب، و12,071 حلقة في قصور الثقافة، بالإضافة إلى 21,571 لقاءً في المقاهي الثقافية، التي شكَّلت منصَّة حوارية مبتكرة لطرح القضايا الفكرية والدينية.
وفي مجال دعم المرأة والأسرة في إطار حرص المجمع على تعزيز دور المرأة في المجتمع، تم تقديم 50,722 درسًا دينيًّا موجهًا للنساء، وركزت هذه الدروس على القيم الأسرية والاجتماعية، كما أُقيمت 42,205 أمسية دِينية، تناولت قضايا الحياة اليومية وكيفية التعامل معها وَفقًا لتعاليم الدين الإسلامي، مع تأكيد دَور المرأة المحوري في بناء الأسرة والمجتمع.
أما عن المبادرات النوعيَّة، أطلق مجمع البحوث الإسلامية عدة مبادرات نوعيَّة؛ أبرزها: مبادرة (بناء الإنسان)، التي شهدت 18,336 لقاءً؛ وذلك لتحسين وعي الأفراد بأهمية بناء الذات وَفقًا للقيم الإسلامية.
كما أُقيم 67,534 لقاءً في إطار (التأصيل الأخلاقي)؛ لتعزيز القيم الأخلاقية والاجتماعية في المجتمع، بالإضافة إلى 56,816 لقاءً ضمن برنامج (المنبر الثابت)، الذي استمر في نشر العِلم الشرعي وتعميق الفهم الصحيح للمفاهيم الدينية.