مصطفى إسماعيل.. كوكب التلاوة الدُرّي
ينهل من نفحات السماء، ويتجلّى مرتلًا بآيات الذكر الحكيم، يُطرب صوته المريدين، فتتنزل على مجالسهم السكينة والخشوع، وتحفهم الملائكة، ينتقل بين المقامات ببراعة ويسر، ويتسلل إلى القلوب بغير جهد وتعب، فلم يعرف العالم العربي والإسلامي قارئ مثل الشيخ مصطفى إسماعيل، أحد أعلام دولة التلاوة منذ أربعينيات القرن الماضي.
مزج الشيخ مصطفى إسماعيل بين القراءات وأحكام التلاوة وعلوم التجويد، ليحجز لنفسه مكانًا مضمونًا في الإذاعة المصرية منذ بواكير تدشينها لإذاعة القرآن الكريم، ينطلق الشيخ الكبير والقارئ المتميز، ليملأ صوته بذكر آيات الله مشارق الأرض ومغاربها.
لم يدخل الشيخ مصطفى إسماعيل إلى الإذاعة المصرية مثل غيره من القراء الذين مروا بتجارب الأداء، وجلسوا أمام لجان الاستماع، ولكنّه دخلها من باب الكبار دون سابق اختبار، ليختاره الملك فاروق بعدها قارئًا مُعتمدًا في المناسبات الخاصة بالقصر الملكي تكريمًا لجدارته وعلوّ مكانته في العالم الإسلامي.
في الجمهورية المصرية، لقي الشيخ مصطفى إسماعيل تكريمًا كبيرًا على يد الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، بينما أختاره الرئيس الراحل أنور السادات ليرافقه خلال زيارته الشهيرة لمدينة القدس، إقرارًا بقيمته، وتقديرًا لمكانته، وعرفانًا بفضله، وما قدمه لخدمة القرآن الكريم.
ولد الشيخ مصطفى إسماعيل في 17 يونيو من عام 1905م، في قرية ميت غزال، مركز السنطة، بمحافظة الغربية، تلقى تعليمه المبكر في كُتّاب القرية مثل أقرانه، وأتم حفظ القرآن الكريم وهو دون الثانية عشرة، قبل أن يلتحق بالدراسة بالمعهد الأحمدي بطنطا، وهناك تلقى أحكام التلاوة وتجويد القرآن الكريم على يد أكابر المشايخ والعلماء ومنهم شيخه، الشيخ إدريس فاخر.
كانت الانطلاقة الحقيقية للشيخ مصطفى إسماعيل من مدينة طنطا، حينما قرأ في عزاء أحد أعيان المدينة، وكان عمره آنذاك لم يتجاوز السادسة عشرة، واستمع إليه أعيان القاهرة والإسكندرية ومختلف مديريات مصر الذين انبهروا بتلاوته، وقدموه في العديد من المناسبات التي لمع معها نجمه، وبدأ انطلاقته الحقيقية، ليصبح واحدًا ومن أبرز وأشهر حبات مسبحة المقرأة المصرية المُضيئة.
تلقى الشيخ مصطفى إسماعيل عددًا من التكريمات خلال حياته، ولعل أبرزها حصوله على وسام الاستحقاق من الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، ووسام الأرز من لبنان، كما حصل على وسام الاستحقاق من سوريا، وحصل على أعلى وسام من ماليزيا تقديرًا وعرفانًا بدوره في خدمة القرآن الكريم، كما كانت الكثير من الدعوات التي ترد إليه من مختلف بلدان العالم للزيارة والتلاوة في عواصم تلك البلدان، من أكبر التكريمات التي تلقاها الشيخ مصطفى إسماعيل.
وفي مثل هذا اليوم 26 ديسمبر 1978، أصيب الشيخ إسماعيل بأزمة صحية شديدة، نقل على إثرها إلى إحدى مستشفيات الإسكندرية، لتفيض هناك روحه الطاهرة إلى بارئها، ورغم رحيل الجسد يتبقى رصيده في قلوب محبيه، ويبقى صوته يصدح بآيات الله البينات آناء الليل وأطراف النهار.