عاطف .. الطيب البرئ صديق المهمشين
شغلته هموم البسطاء في تلك الحياة، وخاصة في أزقة الحارات، وشوارع المدينة الصاخبة، فنقلت كاميرته، همومهم، وقضاياهم، للجمهور شاركنا معه، في عوالمه الخاصة بالسينما، بوجوه أتعبتها الحياة، في هذا العالم الكبير، حمل بين ضلعوه آلام المهمشين، إنه عاطف.. الطيب صديق المهمشين.
وظلعاطف الطيب يحاول بقوة أن يضئ بفنه عتمة من عاشوا في الظلام، ليعبر عنهم بصدق وإخلاص حقيقين، دون زيف، وينقل معاناتهم بلا تجميل، فقد كان صوت البسطاء والمهمشين، وضميرهم الحي، فأصبح من أهم مخرجي السينما، وخاصة في تيار الواقعية الجديدة، وتميز كرائد لهذا الاتجاه، حارب بأفلامه الفقر وانتصر للضعفاء، وترك لنا أرثا متميزا نحو 21 فيلما للسينما المصرية والتي عكست غالبيتها شخصيات من داخل المجتمع المصري.
سواق الأتوبيس .. المحاصر بين ضغوط الحياة
وفي بداية رحلته السينمائية، قدم عاطف الطيب 1982 سواق الأتوبيس فيلم تدور أحداث الفيلم حول «حسن» وقدم دوره الفنان نور الشريف، الذي يعمل سائقا لحافلة «أتوبيس» نقل عام نهارا وسائقا لسيارة أجرة «تاكسي» ليلا، وهو الأخ الوحيد لخمس بنات، والده «عماد حمدي» يمتلك ورشة نجارة وبسبب إهمال زوج أخته الذي يدير الورشة تحجز الضرائب عليها، وتعرض للبيع في مزاد علني، يحاول حسن إنقاذ الورشة من البيع لأنها تمثل سمعة والده، فيذهب إلى أخواته البنات وأزواجهن ليساعدوه في سد الدين وإنقاذ الورشة لكن الكل يطمع ويستغل الحاجة وحالة الضيق.
ويصور أيضا الفيلم الحالة الاجتماعية لمجتمع ما بعد حرب أكتوبر 1973 من تغيير يطرأ على الشخصية المصرية وحالة الأصدقاء الذين دخلوا في حالة انعزال بعد عودتهم من ميدان القتال و انتصروا في ميادين المعركة ولم يجنوا ثمار انتصارهم في ميدان الحياة العملية، ووجدوا أنهم الذين عبروا وغيرهم من حصدوا باسمهم، ومن جانب آخر زوجته تضغط عليه بمتطلبات مادية ومعنوية، لكنه يعطي كل وقته واهتمامة لأبيه واسرته في محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه
المظهر الاجتماعي الخادع في الحب فوق هضبة الهرم
وفي فيلم «الحب فوق هضبة الهرم» الاجتماعي، والذي قدمه عاطف الطيب 1986م، عن قصة أديب نوبل نجيب محفوظ، ومن بطولة المتميز أحمد زكي، وآثار الحكيم، وأحمد راتب، انتج الفيلم عام 1986، تدور قصتهُ حول مشكلة الشباب في عدم القدرة على الزواج، وقلة الدخل وعدم العثور على عمل مناسب أو السكن.
والفيلم يحكي قصة شاب وفتاة يتزوجان سرا نظرًا لعدم القدرة على تكاليف الحياة الباهظة، وحين حاولا ممارسة الحياة الزوجية الطبيعية لم يجدا أفضل من جدران الأهرامات ساترا لهما حتى وقعا في قبضة بوليس الآداب.
«البريء» إلى عشاق الحرية والعدالة
وفي جرأة شديدة وإبداع قدم عاطف الطيب 1986م فيلم «البريء» يحمل أكثر من فكرة واحدة، ويتحدث الفيلم عن الحرية بمعناها الشامل، وذلك عن طريق إظهار لمحات من الفساد السياسي في مصر بعد سياسة الانفتاح، وبالتحديد خلال فترة ما سمي بانتفاضة 17 و18 يناير 1977، و الفيلم يتحدث عن فكرة تحول الإنسان إلى آلة مبرمجة من أجل خدمة سلطة معينة، ويختصر بعض النقاد فكرة الفيلم بالعبارة قمع الحرية بجهل الأبرياء.
وكتب قصة الفيلم المبدع الراحل وحيد حامد في الإهداء الذي تصدر نص السيناريو المكتوب إهداء إلى عشاق الحرية والعدالة في كل زمان ومكان أهدي هذا الجهد المتواضع. بالرغم من جودة العمل الفني وإبداع الممثلين، انتقد البعض نهاية الفيلم لكونها ، وحسب لبعض آراء النقاد، كررت النغمة الشرقية القديمة للحلول الفردية، والتي تتمثل عادة في التصفيات الجسدية.
«البدرون» لساكني تحت الأرض
وأبدع عن تقديم صور للمعاناة صلحب القلب الطيب، عاطف عندما قدم فيلم البدرون والذي قدم دور العرض المصرية في 28 مايو 1987م الموافق لعيد الفطر 1407 هـ.، كتب القصة والسيناريو والحوار المبدع عبد الحي أديب، الفيلم من بطولة سهير رمزي، ليلى علوي، ممدوح عبدالعليم، سناء جميل، جلال الشرقاوي وأحمد بدير.
تدور الأحداث حول أرملة فقيرة تسعى لرعاية أبنائها وهم يوسف ورقية وعائشة، وتتطلع رقية للثراء، وتستسلم للثري صاحب العمارة، وعندما تنهار إحدى عمارات شركته للإسكان ويتم القبض عليه. تكشف زوجته الحقيقة لأهل رقية، ويصمم يوسف على قتله ولكن أمه تنفذ الجريمة بدلا عنه.
«الهروب» عن سجين «إلكسندر دوماس»
وقدم «الطيب» فيلم «الهروب»عام 1991م، والذي يمثل واحدة من أيقونات السينما المصرية، في التسعينيات من تأليف مصطفى محرم، وإنتاج مدحت الشريف، و بطولة أحمد زكي، وهالة صدقي، وعبد العزيز مخيون، ومحمد وفيق، وأبو بكر عزت، وحسن حسني، وليلى شعير، وعبد الله مشرف.
وتدور الأحداث حول «منتصر» الذي وبعد خروجه من السجن ينتقم ممن تسببوا في تدمير حياته، فيصبح هاربًا مطاردًا من قبل الشرطة.
وفيلم «الهروب» مُقتبس عن الرواية العالمية «الكونت دي مونت كريستو»، للكاتب ألكسندر دوماس، والتي تم تقديمها في الفن المصري والعالمي بأكثر من صياغة وحبكة درامية، وتمثل الرواية من أبرز وأهم الروايات العالمية من الأدبق الفرنسي الفريد.
أسرة متوسطة مصريَّة في «دماء على الأسفلت»
كما قدم عاطف الطيب «ماء على الأسفلت» 1992 تأليف عميد الدراما المصرية أسامة أنور عكاشة، وإنتاج شركة ساجا فيلم، ومن بطولة نور الشريف، وإيمان الطوخي، وحسن حسني، وحنان شوقي، وطارق لطفي.
يُسلِّط الفيلم الضوء على حياة أسرة متوسطة مصريَّة، يقع أفرادها في الانحلال والضياع، حتَّى يعود سناء ليحاول التعرف على الأسباب التي أدَّت إلى ضياع الأسرة، وتساعدة في ذلك ابنة عمِّه سهام، التي كانت تربطه بها علاقة حُب بها.