لمحة الحزن التي تكسوك لم تعد بعد تكتم سرك، بل إنها راحت تخبر الجميع بما يدور في داخلك، أنينك المكتوم علا ضجيجه وارتفع أكثر في لحظة بعثرت حيرتك الطاغية فيها كل ما تملكه من مخزون هدوء نفسك، إنها حاصرتك من كل اتجاه حتى جعلتك تعتقد تمامًا في استحالة عثورك على حقيقتك، فمشهدك الذي غطاه التشويش أمسى يوجه إنذاراته المتتالية إليك.
يحذرك من قدرته الهائلة على التمدد والتجدد، يرهق تفكيرك محاولًا بهذا إثنائك عن مواصلة سيرك، يقطع الطريق عليك في كل مرة تقرر فيها مواصلة رحلتك نحو تحقيق حلمك.
باتت النصائح الطيبة تزعجك، حتى وإن بعثت إليك بنورها مرارًا عساها أن تضيء لك به بعضًا من ظلام نفسك، لكنك مع الأسف لم تعد تعتقد فيها، بل رحت وبكل عناد تشحذ همتك ضدها وتعترف خفية وجهرًا بعدم أهميتها ونفعها، بعدم جدواها سواء لك أو حتى لغيرك.
مرآة الأمل المكسورة بداخلك لم تعد تعكس صورتك التي عهدتها بقدر ما أصبحت تشوهك وتبدد ملامحك، تجرحك وتسبب ألمك، مأساتك تتكرر كلما اجتهدت وأفصحت عن مشاعرك النبيلة، عن موقعها وعن موطنها حتى صارت سلاحًا موجهًا ضدك، سرًا من أسرار ضعفك، طيبة قلبك الزائدة أنهكت قواك فما عدت تملك من ورائها إلا زيادة في عدد مرات إخفاقك! بعد أن تلقفتها كل أيادي العابثين، المستكثرين نعم الله عليك.
أراك أدركت الحقيقة الآن؛ فلم تعد حائرًا مهمومًا لا تدري إلى أين ومتى ستتوجه؟ بل إنك تحاول السعي مستغلًا إيمانك وعلاقتك القوية بربك. تغرس آمالك مجتهدًا راجيًا منه -جل وعلا- أن يمنحها الحياة لكي تنمو وتكبر، لم تعد تأبه بأفعال هؤلاء وبأقوالهم بعد أن وضعت ثقتك كلها في إلهك الذي خلقك، إنه ملجأك، تمام حمايتك ونصرك، محوت بهذا الإيمان الحق تذبذبًا كاد أن يطيح بك وينتزعك حتى من نفسك.