الروائي جيروم ديفيد سالينجر.. مبدع «الحارس في حقل الشوفان»
كاتب وروائي متميز، وهو أحد أفضل أدباء العصر الحديث، وأكثر ماعرف عنه روايته العالمية «الحارس في حقل الشوفان»، كما عرف عنه إشادته لنقاء وحقيقة الطفل أمام زيف ونفاق البالغين، إنه الأمريكي جيروم ديفيد سالينجر
الميلاد والنشأة
ولد ج .د سالينجر في نيويورك في 1 يناير 1919م، كان والده «سول سالينجر»، بائع جبنة من عائلة ليتوانية الأصل، و حبرا في أبرشية «Adath Jashurun» في «لويسفيل كنتاكي»، وأم «سالينجر.. ماري» ولدت من أصول ألمانية و أيرلندية وسكوتلندية، وغيرت اسمها فيما بعد لمريام بعد زواجها من والد «سالينجر»، ولم يكن لدى «سالينجر»، سوى أخت واحدة أكبر منه، «دوريس» التي ولدت في 1912م و توفيت في 2001م
الدراسة والتعليم
درس «سالينجر» في عدة مدارس غرب مانهاتن في طفولته، ثم في عام 1932 انتقلت العائلة إلى بارك افنيو، وتم إدراج «سالينجر» في مدرسة «Mcburney» ، حيث لم يستطع الاندماج في مدرسته الجديدة، وحتى يستطيع التأقلم بدأ يدعو نفسه «جيري»، و كانت عائلته يدعونه «سوني»
و تمكن «سالينجر» من إتقان المبارزة، وكتب في جريدة المدرسة وظهر في مسرحياتها وأظهر موهبة فطرية في المسرحيات الدرامية، غير أن أباه عارض فكرة أن يصبح ممثلا مما دفع بوالديه أن يسجلوه في أكاديمية Valley forge العسكرية في بنسيلفانيا.
الحياة الشخصية لـ «سالينجر»
تزوج «سالينجر» من سيلفيا ويلتر و أحضرها للولايات المتحدة في أبريل 1946م، غير أن زواجهما انتهى بعد ثمان أشهر وعادت سيلفيا إلى ألمانيا، في فبراير 1955 وحين كان يبلغ من العمر 36 عاما تزوج «سالينجر» من «كلير دوغلاس» إحدى طالبات جامعة رادكليف، والتي كان أباها «روبرت لانغتون دوغلاس» ، ناقدا فنيا، وكان لهما طفلين، هما «مارغريت» المولودة في 1955 و «ماثيو» في 1960، أصرّ «سالينجر» على زوجته «كلير»، لتترك دراستها وتعيش معه ، و فعلت ذلك.
وعرف عن عائلة «سالينجر» عدم الانسجام بعد مولودهم الأول، وفقا لما كتبته ابنته «مارجريت» فيما بعد، حيث أن «كلير» قد شعرت بأن «سالينجر» بات متعلقا بابنته «مارجريت» أكثر منها هي، بالإضافة لأن «مارجريت» كانت تمرض في كثير من الأحيان من غير أن يأخذها أباها إلى الطبيب بسبب معتقداته الدينية.
رحلة ج .د سالينجر الأدبية
بدأ «سالينجر» سنته الأولى عام 1936م في جامعة نيويورك ، وكان يريد دراسة فنون التعليم المميز ، لكن أباه دفعه لدراسة تجارة استيراد اللحوم ، إلا أن سالينجر شعر بالتقزز الشديد حين رؤيته للمسالخ مما جعله يعدل عن دراسة هذه التجارة ، وقد ساهمت ردة فعله من المسالخ بجعله نباتيا فيما بعد
ذهب«سالينجر» للدراسة في جامعة Ursinus في بنسيلفانيا غير أنه تركها بعد مرور فصل واحد والتحق بجامعة Colombian University School Of General Studies، حيث أخذ حصة دراسية عن الكتابة من قبل الكاتب ومعلم الكتابة الأمريكي ويت برنيت
وذكر برنيت فإن «سالينجر» لم يستطع اكتشاف نفسه إلا قبل بضعة أسابيع من نهاية الفصل الثاني، حيث فجأة دبّت به الحياة وكتب ثلاثة قصص نالت ثناء واستحسان معلمه الذي أصبح مرشده فيما بعد، وبقي الاثنان على تواصل للعديد من السنوات
استطاع «سالينجر» اللقاء بالكاتب العالمي أرنست همينغواي، وأعجب بمدى ودّه وتواضعه ، وقد وجده أكثر رقة من الانطباع الذي كان مأخوذا عنه من قبل العامة ، وبالمقابل نال «سالينجر» استحسان همنغواي على كتاباته حيث وصفه بأنه يمتلك موهبة عظيمة
تم تعيين «سالينجر» في وحدة مكافحة التجسس، حيث استطاع الاستفادة من مهاراته في اللغتين الفرنسية والألمانية في استجواب سجناء الحرب، وتأثرت نفسية «سالينجر» بسبب ما عاينه في الحرب، مما أدّى إلى دخوله المستشفى لعدة أسابيع بسبب رد فعل الإجهاد القتالي الذي عانى منه ، حيث أنه قال لابنته فيما بعد ، بأن الإنسان لن يستطيع التخلص من رائحة الجثث المحترقة من أنفه مهما طالت حياته
في عام 1946م وافق «ويت برنيت» على مساعدة «سالينجر» في نشر مجموعة من قصصه القصيرة، إلا أن الأمر باء بالفشل مما جعل «سالينجر» يلقي باللوم على برنيت وبالتالي خصامهما
نشرت قصة «سالينجر» a perfect day for bananafish » (يوم مثالي لسمك البنانافيش) في عدد 31 يناير 1948 في مجلة نيويوركر، و ساهمت بنشر العديد من أعماله فيما بعد.
عمل على رواية «الحارس في حقل الشوفان» خلال مشاركته في الحرب العالمية الثانية، وتم نشر الرواية في 16 يوليو 1951م من قبل شركة ليتل براون، وتناولت الرواية قصة الفتى ذي الستة عشرة عاما في مدينة نيويورك الذي طرد ونبذ من مدرسته بالإضافة لطرده من ثلاث مدارس سابقة، وتمضي أحداث الكتاب على لسان شخصيته الرئيسية «هولدن كولفيلد»، الذي يظهر كراوي ذو نظرة ثاقبة وغير نمطية، ليشرح أهمية الوفاء والإخلاص ومدى الزيف والنفاق الملازمين للبالغين، بالإضافة للازدواجية التي يعاني منها هو بنفسه.
وأقرّ «سالينجر» في إحدى المقابلات لجريد مدرسية بأن روايته، أخذت شكلا يشبه السيرة الذاتية، حيث شرح قائلا بأن حياته ونشأته في صباه تتطابق مع حياة المراهق كولفيلد، واعترف أن إخباره للآخرين بهذا الأمر قد شكّل له راحة كبيرة
وتراوحت الآراء المبدئية مابين إشادة للرواية بوصفها عملا عبقريا منقطع النظير وبين ازدرائها و اعتبارها رتيبة بلغتها غير الأخلاقية والانحراف الظاهر في هولدن الذي يفتري ويقدح في الأديان بالإضافة لمناقشته بحرّية قضية رغبات الإنسان الخاصة.
وبالرغم من ذلك، حصدت الرواية نجاحًا مذهًلا خلال أقل من شهرين من نشرها، وبقيت لمدة 30 أسبوعا في قائمة أفضل مبيعات جريدة نيويورك تايمز، وأصبح الكتاب الذي يواظب على شرائه ولا غنى عنه لدى جميع المراهقين المكتئبين الذين وجدوا به مايعبّر عن استياءهم بطرق مميزة.
تم منع الرواية في عدد من الدول بالإضافة لبعض المدارس في الولايات المتحدة الأمريكية، بسبب مخالفته للتقاليد الكاثوليكية والاستخدام المفرط للشتائم ولغته الفظّة، وخلال تألّق نجاح كتاب «سالينجر»، تلقّى العديد من العروض لتحويل روايته إلى فيلم، إلا أنه رفضها جميعًا.
أثر رواية «الحارس في حقل الشوفان»
أعرب الكثير من المراهقين القرّاء عن تقديرهم للكيفية التي صوّر بها «سالينجر» شخصيته البريئة والمقصية عن المجتمع «هولدن كولفيلد»، ورواية «الحارس في حقل الشوفان» المثيرة للجدل، والتي مازالت حتى الآن تتمتع بشعبية كبيرة بين القرّاء، مازال يباع منها حوالي 250000 نسخة في السنة، ترجمها إلى العربية الكاتب والأديب والروائي الأردني غالب هلسا عام 1978م.
وقاد النجاح الذي لاقته «الحارس في حقل الشوفان» للاستحواذ على انتباه المجتمع ، مما دفع بـ «سالينجر» للتوحّد في حياته التي أصبح مهووسًا بالخصوصية فيها لأكثر من نصف قرن من الزمن.
ونشر «سالينجر» آخر مؤلفاته في 1965 و كانت آخر مقابلة له في 1980م
أشهر أقوال ج .د سالينجر
ومن أقوال «سالينجر» «العالم مليئ بممثلين يتظاهرون أنهم بشر، الناس دائما يصفّقون للأشياء التي لا قيمة لها، باستثناء الأطفال.. الكل مزيّفون، لديّ ندوب في يدي من لمس بعض الناس».
ومن أقواله «إن الكتب التي تثير اهتمامي بالفعل هي تلك التي عندما انتهي من قراءتها أرغب في أن يكون المؤلف صديقا عزيزا و أستطيع أن أحدثه بالتليفون في أيّ وقت».
رحيل «سالينجر»
وأشير في صحيفة نيويورك تايمز أن «سالينجر» أصيب بكسر في الفخذ في مايو 2009، إلا أن حالته الصحية كانت ممتازة حتى حدث له هبوط مفاجئ في العام الذي يليه، ولم يكن فيه أي ألم أو قبل في وقت وفاته، حيث توفي في منزله في قرية كورنيش، نيوهامبشر، الولايات المتحدة الأمريكية 27 يناير 2010 عن عمر 91 سنة».