نجمٌ يتلألأ في سماء الموسيقى الشرقية، وواحدٌ من أعظم ملحني العصر الذهبي للطرب العربي، .أحد عمالقة الموسيقى العربية، منحه الله موهبةٍ ربانية وصوتٍ شجيّ، وكان ملحنًا ثائرًا على القيود، دمج بين الأصالة والابتكار، فحوّل الكلمات إلى ألحان تعيش في وجدان الأجيال، ومثلما كان صوته نقيًا، كانت ألحانه ترجمة لمشاعر الأمة وأحلامها، وكان من أشد الموسيقيين العرب تعصبا لعروبة موسيقاه وأوضحهم فى انتمائه المصرى الأصيل، ولكن تألقه الأكبر كان مع عظماء الغناء، مثل أم كلثوم، التي شكّلت شراكتهما ثنائيًا لا يُنسى، وهو من أهدى الطرب العربي روائع خالدة كـ «هو صحيح الهوى غلاب» و«الأطلال»، إنه «شيخ الملحنين».. زكريا أحمد.

سيظل زكريا أحمد،  أحد عمالقة الموسيقى العربية وأغزرهم تلحينًا، إذا قدر عدد الأغنيات التى لحنها بنحو ألف وأربعمائة أغنية، وهو أيضا من رواد تلحين الموشحات والقصائد،و هو أنبغ ملحنى عصره.. وأحد صناع التراث الموسيقى وثالث  الخمسة الكبار سيد درويش، محمد القصبجى، زكريا أحمد، رياض السنباطي، محمد عبدالوهاب.

الميلاد والنشأة

وُلد زكريا أحمد في 6 يناير 1896، في سنورس بالفيوم، وهو الابن الحادى  والعشرون للسيد أحمد صقر مرزبان والسيدة فاطمة التركية الذى ولد بعد وفاة أحد عشر ولدًا، وكان منذ نعومة أظافره عاشقًا للموسيقى والإنشاد الديني وكان أبيه من حفظة القرآن الكريم، ويحب سماع التواشيح الدينية، وهذا جعل زكريا يكتسب الحسّ الموسيقي منذ صغره.

نشأة موسيقية

دخل زكريا صغيرا، الكتّاب، ثم درس بالأزهرالشريف، وذاع صيته بين زملائه قارئًا ومنشدًا، يملك صوت حسَن،  ودرس زكريا الموسيقى على يد شيخه درويش الحريري وكان من حظ الشيخ زكريا أن التقى بالموسيقار الشيخ درويش الحريري، ولاحظ الحريري، حب الشيخ الصغير للفن وحرصه الشديد على التعلم كما قدر فيه حاسته الموسيقية وحسن استماعه وحفظه السريع، فقرر أن يهب تلميذه مما وهبه الله من علم بالفنون وأسرارها ودرس الشيخ زكريا على يديه العلوم الموسيقية، وكان أول ما درس ألحان المولد النبوي وفنونها من مقامات وأوزان فحفظها وأجاد أدائها. 

ألحق الشيخ الحريري تلميذه زكريا أحمد،  ببطانة الشيخ علي محمود الذي كان خبيرا بالعلوم الموسيقية وفن التلاوة، فكان يحضر معه التسابيح التي تتلى قبل الفجر بساحة مسجد الحسين بالقاهرة، كانت تلك التسابيح تؤدى من مقامات موسيقية مختلفة على مدى أيام الأسبوع، وتعلم منها الشيخ زكريا الكثير.

وتلقى زكريا أحمد  أصول علم المقامات والأوزان وكيفيات التلحين من الشيخ علي المغربي،  وعن الشيخ محمود عبد الرحيم المسلوب، وهو أستاذ من أساتذة سيد درويش، وقد أخذ عنه الموشحات العربية كما تتلمذ زكريا أحمد على يد عبده الحامولي: المطرب الأول حتى نهاية القرن 19، ومحمد عثمان: ملحن الأدوار الفـذ حتى بداية القرن العشرين، إبراهيم القباني، وهو ملحن الأدوار المعروف في بداية القرن العشرين.

بداية التلحين

 بدأ زكرياأحمد، رحلته كمنشدٍ في الموالد والمناسبات الدينية، وبدأ زكريا أحمد في عام 1919 رحلته كملحن بعد أن اكتملت لديه معرفة الموسيقى وتفاصيلها، حيث قدَّمه الشيخ علي محمود والشيخ الحريري إلى إحدى شركات الأسطوانات.

وبدأ التلحين للـمسرح الغنائي، في 1924، ولحَّن للكثير من الفِرَق الشهيرة حينذاك من بينها« فرقة علي الكسَّار»، وفرقة نجيب الريحاني»، و«زكي عكاشة»، و«منيرة المهدية»،  وبلغ عدد المسرحيات من موسيقاه إلى 65 مسرحية، و لحَّن فيها أكثر من 500 لحن،  وأُعيد تقديم أعماله المسرحية سنة 1970م إحياءً لذكرى هذا العملاق، 1970 م في سيدي منجد وعزيزة ويونس.

رائد الطقطوقة

ويُعَدُّ الشيخ زكريا أحمد من روّاد فن الطقطوقة حيث ارتقى به إلى مكانة راقية، وعظيمة في الموسيقى العربية، كما كانت ألحانه  تملأها معاني العروبة ، وعشق الوطن، والأصالة التي تفرد به عن أقرانه  في الموسيقى، وكان من أهم وأشهر الأغنيات لزكريا أحمد: «حبيبي يسعد أوقاته، أنا في انتظارك، والآهات، الأولة في الغرام».

زكريا أحمد مع كوكب الشرق

وفي عام 1931 بدأ التلحين لأم كلثوم، حيث لحن لها تسعة أدوار أوَّلُها «هو ده يخلص من الله» بعام1931، ودور«عادت ليالي الهنا» سنة 1939 كما لحَّن لأم كلثوم الكثير من أغاني أفلامها مثل «الورد جميل»، «غني لي شوي شوي»، ساجعات الطيور»، « قولي لطيفك».
وقدم الشيخ للسينما ألحانه في جميع أفلام أم كلثوم، كما قدم العديد من الألحان في أفلام أخرى، ويذكر له أنه كان من أبرع الملحنين في تلحين الأغاني البدوية التي كان يصيغ معظمها بيرم التونسي، وحققت له نجاحًا خاصًا في البلاد العربية التي كانت تقبل على اللهجة البدوية في الأغاني.

ولحن الشيخ زكريا أحمد في الأربعينيات، من القرن الماضي، عددًا من الأغاني الكلاسيكية الطويلة التي صارت علامات فارقة في تاريخ أم كلثوم: مثل « الآهات، أنا في انتظارك، الأمل، حبيبي يسعد أوقاته، الحلم».

 واختلف مع كوكب الشرق في عام 1947 حتى عام 1960، وبعدها تصالحا ولحن لها آخر روائعه الموسيقية «هو صحيح الهوى غلاب».

أغاني العشاق

ورحل زكريا أحمد بعد ذلك، في العام الذي يليه، وكان بعد مرور 40 يومًا فقط على وفاة بيرم التونسي صديق روحه ورحلته الفنية، وغادر جسد شيخ الملحنين زكريا أحمد الحياة، لكنه ظل خالدًا، لأيامنا وفي كل الأزمنة، لكل الأجيال، بما قدم وأثرى المكتبة الموسيقية المصرية والعربية.

رحل زكريا أحمد  فيي 14 فبراير عام 1961، ورغم رحيل شيخ الملحنين عن عالمنا  إلا أن ألحانه بقيت نبضًا حيًا في ذاكرة الطرب العربي، ودليلًا على أن الموسيقى هي لغة الأرواح الخالدة.