رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


د. أشرف الشرقاوي: «اقتصاد إسرائيل» ينزف و«السياحة» تسجل «صفر أرباح»

12-1-2025 | 18:01


د. أشرف الشرقاوي

حوار أجرته: دعاء رفعت
عام من الحرب منذ أحداث السابع من أكتوبر 2023، أو ما يُعرف باسم «طوفان الأقصى». شنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة الذي تحول إلى مقبرة لنحو 50 ألف شهيد فلسطيني من بينهم 17 ألف طفل، وغيرت ملامح المنطقة: إذ تصاعدت المواجهات بين إسرائيل والعديد من جبهات المقاومة. الدكتور أشرف الشرقاوي، أستاذ الدراسات الإسرائيلية، تحدث لـ «المصور» حول تداعيات الحرب على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في دولة الاحتلال الصهيونى على مدار عام كامل، وقدم تحليلا شاملا لفاتورة الحرب التى تتكبدها «تل أبيب» والذين يقفون فى صفها، وكان الحوار التالي: بعد عام كامل من الحرب، كيف أثرت أحداث السابع من أكتوبر على الخريطة السياسية في إسرائيل، وهل سنشهد تغييرات كبيرة بالمشهد السياسي المستقبلي؟ لا يمكن أن نعتبر أن هناك تغييرا حدث في المشهد السياسي والحزبي في إسرائيل نتيجة للحرب، فالواقع يفيد بأن المجتمع الإسرائيلي يتجه إلى التطرف بشكل متزايد منذ عام 1977، ولكن ما يوحى بوجود انقسام في المجتمع الإسرائيلى هو مشكلة وجود أسرى إسرائيليين لدى حماس وحركات المقاومة في غزة، ونتيجة لهذا نشأت مجموعة تمثل الأغلبية ترى أن الأسرى لا يجب أن يكونوا عائقا أمام المصلحة القومية، بل ويرى قطاع منها، وعلى رأسه القادة السياسيون والعسكريون، أنه من المفضل قتل الأسرى الإسرائيليين تجنبا لتقديم تنازلات في المفاوضات بخصوصهم، وهذا القطاع يضم جميع الأحزاب المشاركة في الحكومة، ولو كان أحد هذه الأحزاب يعارض هذا التوجه الذي يقوده رئيس الوزراء ووزير الدفاع، لكان انسحب من الحكومة على الأقل تجاوبا مع القطاع الذي يؤيده من الجمهور الإسرائيلي. أما القطاع الثانى، وتقوده أسر الأسرى مع تضامن جزئى - من أحزاب المعارضة، فيرى أنه يجب التوصل لصفقة لإعادة - الأسرى الإسرائيليين، ثم يمكن استئناف الحرب بعد ذلك بأي - ذريعة، ويتفق الطرفان على الهدف الذي أعلنه رئيس الوزراء - بنيامين نتنياهو، وهو طرد الفلسطينيين من غزة إلى سيناء لتوسيع رقعة إسرائيل واستيطان غزة بالكامل، وربما كان أبلغ دليل على هذا هو صمت هذه الأسر فى مواجهة الهجمات الدموية على غزة في بداية الحرب، ظنا منهم أنها ستسبب ضغطا عسكريا يتسبب فى إطلاق سراح الأسرى والاستسلام غير المشروط. غير أنه في ضوء الفشل الظاهر حتى الآن في تحقيق أي من أهداف الحرب، ونظرا لما أسفر عنها من تأكل قدرة إسرائيل على الردع وعلى حجم المعارك، ولا سيما في مواجهة مجموعات مسلحة محدودة القوة وليس لديها قوات جوية ولا دفاع جوى، وبعد أن استنفدت إسرائيل كل ما لديها من قدرة على استخدام القوة وبدعم من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وكندا وأستراليا والهند بأسلحة كثيرة وقوات، فربما نشهد في الفترة التالية لانتهاء الحرب إعادة صياغة للمشهد السياسي لا يبتعد فيه اليمين كثيرا عن السيطرة على مقاليد الحكم في إسرائيل، حيث إن المرشح الأبرز ليحل محل رئيس الوزراء هو في الغالب وزير الخارجية الأسبق أفيجدور ليبرمان الذي ينتمى إلى حزب «إسرائيل بيتنا»، والذى يشتبه البعض فى انتمائه إلى المافيا الروسية في إسرائيل، وامتنع ليبرمان»، عن المشاركة في حكومات الحرب الإسرائيلية التي دعا مرارا للمشاركة فيها، ربما إدراكا منه أنه في اللحظة التي سيطلب الجمهور فيها التغيير سيريد مرشدًا لم يتورط فيما يعتبره إذلالا عسكريا لإسرائيل في مواجهة إيران ومحور المقاومة والحركات الجهادية الصغيرة. ما مدى تأثير حرب عام كامل على الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية، وهل تغيرت العقيدة العسكرية الإسرائيلية في التعامل مع الفصائل الفلسطينية؟ رغم مرور عام على الحرب، فإنه يبدو أن العقيدة العسكرية للجيش الإسرائيلي خلال هذه الفترة لم تشهد تغييرا ملحوظا، ربما نظرا للهدف الرئيسى الذى تحدد للحرب، فلا يزال الجيش الإسرائيلي يعتمد على إمكانية الضغط على حركات المقاومة عن طريق القصف المكثف والقتل المتعمد للمدنيين وتدمير البنية الأساسية للزراعة والصناعة والتجارة وتدمير المرافق الحيوية من مياه وكهرباء ومستشفيات ومؤسسات تعليمية وأكاديمية، وربما كان سبب استمرار هذه الاستراتيجية هو أن هدف الحرب المعلن حسبما حدده نتنياهو، في أول كلمة له قبل بداية حرب غزة، هو الترحيل الجماعى للفلسطينيين إلى سيناء وبالتالى فإن الجيش الإسرائيلى يحاول إرهاب الفلسطينيين المدنيين وإجبارهم على الهروب في اتجاه سيناء، ودليل هذا هو استمرار القوات الجوية الإسرائيلية في مهاجمة جموع الفلسطينيين في المخيمات التى يتجمعون فيها ومهاجمة التجمعات التي تنتظر للحصول على بضع زجاجات مياه أو بعض الطعام ومهاجمة أماكن تعتبر تجمعات للأطفال. هل هناك إحصائية بحجم الخسائر الاقتصادية التي تكبدتها إسرائيل بسبب حرب غزة 2023، وكم يبلغ حجم الإنفاق العسكرى خلال وبعد الحرب؟ يبلغ حجم الإنفاق العسكرى على الحرب منذ بدايتها حتى اليوم مليار شيكل يوميا فى المتوسط، هذا بخلاف المساعدات العسكرية الأمريكية التي بلغ متوسطها حمولة ثلاث سفن شحن كل يومين، بالإضافة إلى عشرات المليارات التي أقرها الكونجرس وغيرها من المساعدات التي ترسلها وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) بتعليمات مباشرة من وزير الدفاع بعيدا عن تصديق الكونجرس، ويضاف إلى هذا مشاركة القوات الجوية الألمانية مشاركة فعلية في قصف غزة ومشاركة الطيران العسكري البريطاني بطائرات استطلاع حسب مواقع الملاحة الجوية الدولية، ومشاركة حاملتى طائرات أمريكيتين وسفن حربية من كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا والدعم من كندا واستراليا. أما عن الخسائر الاقتصادية الناتجة عن الحرب، فيصعب تقديرها بشكل نهائى الآن، لكن يكفى على سبيل المثال أن نعرف أن الاقتصاد الإسرائيلي كان يفترض به أن يحقق معدل نمو خلال العام المنصرم يقدر بحوالى 4 في المائة حسبما كان مخططا له، وانتهى به الأمر إلى تراجع بنسبة 2 في المائة حسب تقديرات الخبراء، ومن المنتظر أن تؤثر الحرب على نسب النمو التي كان مخططا لها للسنوات الثلاث القادمة حيث ستتراجع هذه النسب في العام الأول بمقدار النصف، وفي العامين التاليين بمقدار الربع حسب التقديرات النظرية لوزارة الاقتصاد الإسرائيلية، وإن كنت أعتقد أن نسبة التراجع ستزيد على هذا كثيرا وليس فقط في السنوات الثلاث الأولى، بل ولمدة عقد كامل. بالطبع هناك خسائر مباشرة واضحة تماما الآن من بينها على سبيل المثال انهيار قطاع الزراعة بشكل كامل، حيث كان هذا القطاع قائما على العمال الأجانب الذين نزح أغلبهم من إسرائيل فرارا بحياته بسبب الحرب، وكانت النتيجة أن إسرائيل تستورد الآن نسبة تصل إلى 95 في المائة من طعامها، ولا يقتصر الأمر على قطاع الزراعة فقد تلقى قطاع السياحة ضربة قاصمة، فبعد أن وصل عدد السياح في إسرائيل عام 2022 2023 إلى 10 ملايين سائح انخفض في أشهر الحرب ليصل إلى «صفر»، وأغلقت أغلب شركات السياحة التي تعمل في جلب السياح أبوابها، وفصلت موظفيها. كذلك قطاع الهجرة الذي كان يسهم في ازدهار الاقتصاد الإسرائيلي عانى هو الآخر الكثير، وكان هذا القطاع يوفر 2.1 فرصة عمل مقابل كل مهاجر يصل إلى إسرائيل، وفي فترة الحرب توقفت الهجرة إلى إسرائيل تماما وبدأ ميزان الهجرة العكسية يزيد، حيث نزح من إسرائيل فى فترة الحرب نحو 550 ألف يهودي إلى أوربا والولايات المتحدة وأغلبهم لا ينوى العودة، ولم يكن قطاع الإلكترونيات بمنأى عن الخسائر وهذا القطاع كان معروفا بأن إسرائيل تحتل مكان الريادة فيه بصادرات تتجاوز الخمسين مليار دولار، غير أن الحرب واستدعاء بضع مئات الآلاف من جنود الاحتياط للخدمة في الجيش تسببا في عدم قدرة الشركات الإسرائيلية على الوفاء بالتزاماتها، وبالتالى خسرت عقودا باهظة الثمن حلت محلها فيها في أغلب الأحوال شركات هندية، ولا يكاد يكون هناك مجال من المجالات لم تحدث فيه خسائر، وخسر الكثيرون وظائفهم بسبب تزايد أيام الخدمة في الاحتياط فزادت البطالة وزاد عدد من يصرف لهم إعانات بطالة، مما أدى الزيادة حجم العجز في ميزانية الدولة. وقد سبب سوء أداء الاقتصاد الإسرائيلي والحرب في تخفيض التصنيف الائتماني لإسرائيل خلال فترة الحرب وحدها ثلاث مرات، كان آخرها بدرجتين مرة واحدة عقب قصف إسرائيل بالصواريخ الإيرانية، ومن المنتظر بالطبع أن تستمر الخسائر فى الاقتصاد حتى بعد الحرب، حيث يقدر الخبراء عدد المنشآت التي تم تدميرها كليا أو جزئيا خلال فترة الحرب حتى الآن بنحو عشرة آلاف منشأة ستحتاج إلى ترميم أو إزالة وإعادة بناء. ويكفى أن نعرف أنه فى حرب 2006 أمام حزب الله التي دامت أقل من شهرين بلغت تكلفة إعادة الإعمار في إسرئيل 30 مليار دولار، خطط لها الإسرائيليون بخطة خمسية. كيف أثرت المشاركة المتزايدة لجبهات متعددة مثل حزب الله في الشمال والضفة الغربية على سير المعركة وتوازن القوى؟ كانت مشاركة حزب الله فى الحرب رمزية في البداية، لكن بعد أن تبين أبعاد الكارثة التى تدبر لها إسرائيل في غزة زادت وتيرة المشاركة وزاد عدد الصواريخ والمسيرات التي يستخدمها حزب الله في قصف إسرائيل إلى الحد الذي أدى إلى نزوح حوالى نصف مليون من سكان شمال إسرائيل من مستوطنات الشمال، ووطنت الحكومة بعضهم في الفنادق التي خلت نتيجة لتوقف السياحة، ثم اضطرت إلى عمل مخيمات للباقين، ولا شك أن هذا فى حد ذاته شكل عبئا على الحكومة الإسرائيلية التي كانت تعتقد أن الحرب مع غزة ستكون بمثابة نزهة لا تستغرق سوى بضعة أسابيع، لكن المفاجأة كانت في صمود المقاومة في غزة لمدة عام. كما أن انضمام حزب الله وجماعة أنصار الله الحوثيين في اليمن والمقاومة في الضفة الغربية - التي تشهد فعليا انتفاضة ثالثة وقمعا وحشيا من جانب إسرائيل، وصل إلى حد قصف طولكرم بالطيران وهذا الدعم للغزاويين في حرب الإبادة الشرسة التي يتعرضون لها شغل القوات الأمريكية والبريطانية عن المشاركة الفعالة في الحرب ضد غزة على النحو الذي حدث فى الأشهر الأولى، لتتجه أغلب جهودهم للتعامل مع الحوثيين. أما الحوثيون، فقد تسبب نشاطهم في إغلاق كامل لميناء إيلات وفصل نسبة كبيرة من العمال فيه نظرا لعدم وجود أي عمل فى الميناء، وتسببوا أيضا فى خسائر اقتصادية لإسرائيل والدول التي تدعمها من خلال قصف السفن التي تخالف الحظر وتحاول الوصول إلى إيلات، ولا شك أن جبهات الإسناد كلها لها أهميتها المادية وإن كانت أهميتها المعنوية أكبر بكثير فكأنها تقول للغزاوية إنكم لستم وحدكم وإن تضحياتكم مقدرة، وإننا الآن في نفس المركب معكم وبإرادتنا الكاملة». كيف تقيم إسرائيل الأداء الاستخباراتي والأمني في توقع ومنع هذه الأحداث، وهل سيتم تطوير استراتيجيات جديدة لمواجهة التهديدات في المستقبل؟ في التقييم الإسرائيلي المعلن هناك إخفاق استخباراتي كامل حدث فيما يتعلق بغزة. لكن الواقع هو أن هناك إخفاقا سياسيا في المقام الأول، فهناك عدة تحذيرات مخابراتية وردت إلى القيادة السياسية الإسرائيلية ولم تأخذها على محمل الجد، ربما لأنها كانت تخطط أصلا لغزو غزة سعيا للاستيلاء على احتياطى الغاز في البئر المقابلة لغزة التي تقدر بنحو 1.4 تريليون قدم مكعب والاحتياطي في بئر أكبر تحت غزة نفسها، وربما يشهد على هذا قيام الحكومة الإسرائيلية بعد بداية الحرب بثلاثة أسابيع بنشر مناقصة لاستخراج الغاز من ثمانية مواقع ساحلية منها ثلاثة أمام شاطئ غزة والخلاصة أن الإخفاق هنا سياسى - سواء بقصد أو بغير قصد قبل أن يكون مخابراتيا، وأعتقد أن هناك دراسة تجرى لهذا الإخفاق لتجنب تكراره في المستقبل. كيف أثرت هذه الأحداث على العلاقات الإسرائيلية مع الدول الأخرى، خاصة تلك التي كانت تعمل على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وما مقدار المكسب الذي حصلت عليه المقاومة في دعم القضية الفلسطينية؟ لا شك أن الحرب أثرت بشدة على علاقات إسرائيل الدولية وزادت من العزلة الإسرائيلية فى العالم، ولا سيما على ضوء حرب الإبادة الجماعية التي تشنها ضد الفلسطينيين. والأهم من كل هذا الزخم الذي حظيت به القضية الفلسطينية التي عادت للحياة مرة أخرى في العالم كله، حيث شهدنا انطلاق مظاهرات في أغلب دول العالم وخاصة في أوربا والولايات المتحدة رغم الحظر الذي تفرضه سلطات بعض هذه الدول.