رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


عاصمة الإبداع المصرى

13-1-2025 | 22:01


صورة أرشيفية

بقلـم: د. أسامة النحاس

تشكل العاصمة الإدارية أحد الأهداف الرئيسية لمصر وهو غزو الصحراء، فمصر على اتساع أراضيها تشكل الصحراء فيها أكثر من 95 فى المائة من إجمالى مسطحها، أى أرض صحراوية يعزز الوجود فيها نهر النيل شريان الحياة، فمصر هبة النيل منذ آلاف السنين، وعلى مر العصور كان غزو الصحراء هو حلم وأمل لحكومات عديدة متعاقبة.

ويحسب للجمهورية الجديدة تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، وبتعليماته ورؤيته المستقبلية، عظيم الدور فى التوجه لغزو الصحراء، وإنشاء عاصمة جديدة تزخر بكافة الأنشطة المتنوعة والتى تدعم إنشاء مجتمعات إنسانية متكاملة فى الصحراء.

 

وعلى مر العصور كان لأبناء مصر الخبرات العظيمة والمتنوعة والتى اكتسبتها عبر إنشاء مجتمعات إنسانية متكاملة منذ أكثر من عشرة آلاف سنة، وتطورت هذه الخبرات عبر العصور، من عصور مصرية قديمة (فرعونية) وما تلاها من عصور إغريقية ورومانية وقبطية وإسلامية حتى العصر الحديث، مما أدى إلى مخزون معرفى إبداعى فى مجال المنشآت المعمارية وما يتصل بها من شتى العلوم والتكنولوجيا.

 

وكانت مصر وما زالت مصدراً هاماً للمعرفة وللإلهام والإبداع المعمارى، فهى مخزون حضارى هام لكل معماري فى محيطها الجغرافي عبر العصور قديما وحديثا، فقديما كان للعمارة المصرية الدور الرئيسي والأكبر فى تأثيرها على العمارة الإغريقية والرومانية والفارسية من خلال تبادل المعرفة والتقنيات، سواء عبر الغزوات أو عبر قوافل التجارة، وطريق الحرير الذى كان وسيلة نقل الأفكار والابتكارات والعلوم بشتى أنواعها، وحديثا كان فى القاهرة الخديوية بمعمارها الرائع والذى كان بوتقة انصهرت وامتزجت فيها الطرز المعمارية الأوربية، مع الطرز المعمارية المصرية الأصيلة من فرعونية وقبطية وإسلامية.

 

وكان لزيارة المعمارى العالمي لكوربوزيه لمصر ولقاهرة المعز على وجه التحديد، التأثير الهام على مسيرته وابتكاراته المعمارية، فأخذ عن معمار الوكالات مثل وكالة الغورى ووكالة بازرعة وقصر المسافر خانة، أساليب وتصميمات الدوبليكس والتريبليكس والتى استفاد منها فى أعماله المعمارية المتميزة.

 

لذلك كان لدى المخطط والمعمارى المصرى الفرصة الذهبية والتى أتاحتها فكرة إنشاء عاصمة جديدة لمصر، وبالفعل تنافست المكاتب الاستشارية المصرية فى تصميماتها الإبداعية والابتكارية، والنابعة من التراث الحضارى المصري، بتوجهاته المتعددة والمعبرة عن الموروث الحضاري الممزوج بعبقرية المكان، بكافة جوانبه وعناصره البيئية، وتكنولوجيا الزمان الذى نعايشه، وهنا تكمن عبقرية المخطط والمعمارى المصرى، والذى استفاد من موروثه الحضارى، فى تحقيق تصميماته الإبداعية والابتكارية فى مشروعات العاصمة الإدارية، مما يجعلنا نقول عن قناعة إنها عاصمة الإبداع المصرى.

 

ويأتي القصر الرئاسي كأحد أعظم الأعمال التخطيطية والمعمارية فى العاصمة الإدارية، والذى تم تصميمه وتنفيذه بأيادٍ مصرية من مهندسين وفنيين من كافة التخصصات وعمالة مدربة على أعلى مستوى وتكنولوجيا عصرية، وعمارة خضراء تحقق الاستدامة، ويكفى أنه فى افتتاح فعاليات القمة الـ11 لمنظمة الدول الثماني النامية للتعاون الاقتصادي، كانت نظرات الإعجاب والانبهار بالقصر الرئاسي وتخطيطه بداية من الخارج وعناصر تنسيق الموقع من ممرات ومياه ونافورات ومناطق خضرة وزهور، إلى الانبهار بتصميماته الإبداعية، وفراغاته المعمارية وتكامل عناصره، وتناغم الخامات والتصميمات الزخرفية بطرزها المصرية الأصيلة مع الآيات القرآنية، والألوان والإضاءة المتلألئة.

 

وإذا كان سليم الأول أخذ أمهر المهندسين والحرفيين فى مصر لبناء وتعمير اسطنبول، فإن مصر تؤكد أنها كانت ولا زالت مصدرا للإبداع بالمهندس والحرفى المصرى، وإذا كانت بعض الأقلام تتحدث عن الأولويات في التنمية، فإن الإبداع والابتكار والإنجاز والقيمة المضافة من خلال تصميمات إبداعية فى الصحراء قد أثرت هذه المنطقة، إضافة إلى أن سرعة الإنجاز فى حد ذاته قيمة مضافة، فما تم إنجازه اليوم له قيمة مضافة مادية ومعنوية وتاريخية فيما بعد.

 

ونظرة إلى مسجد ومدرسة السلطان حسن بالقلعة، والذى قيل وقتها من 750 سنة إن تكلفته كانت كبيرة جداً، لأن تكلفة عقد وقبو إيوان القبلة وهو أكبر من عقد إيوان كسرى فى ذلك الزمان، زادت عن 200 ألف دينار، لدرجة أن السلطان حسن قال إنه لولا خشيته أن يقال إن السلطان عجز عن إنهاء مسجده ما كان أكمله، فى حين أنه الآن يعتبر مسجد ومدرسة السلطان حسن بمثابة الهرم الرابع فى مصر، ويشكل أحد الإبداعات المعمارية الإسلامية عبر التاريخ وعلى مستوى العالم، لذلك فإن مصر والحضارة المصرية اكتسبت اليوم بالقصر الرئاسي وما حوله من مبانٍ فى العاصمة الإدارية عملاً إبداعياً مميزا يشكل إضافة للثروة المعمارية وللمخزون الحضارى لمصر

نا الغالية.