المراهنات الإلكترونية.. «فخ الثراء السريع»
«المراهنات الإلكترونية»، مصطلح طفا على سطح الأحداث خلال الأيام القليلة الماضية، لا سيما بعدما تحول مشاهير إلى «سبونسر» للترويج لمنصات المراهنات الإلكترونية، آخرهم محمد زيدان لاعب منتخب مصر السابق، الذى نشر ترويجًا لأحد هذه المواقع، التى تعمل فى مجال المراهنات.
«شأنها شأن المقامرة بشكل عام»، عبارة بدأ بها الدكتور محمد حمزة، المحاضر فى مكافحة جرائم المعلومات والأمن السيبرانى، حديثه، قبل أن يضيف: «يضم قانون العقوبات المصرى، مادة تجرّم المقامرة بشكلها التقليدى، الذى يختلف عن النسخة الإلكترونية الحالية، وذلك تأثرًا بالتطور التقنى الكبير، الذى انعكس على كافة أشكال الحياة مؤخرًا، لذا أصبحت المقامرة تُمارس إلكترونيًا، عبر العديد من التطبيقات الرائجة بين الشباب هذه الأيام».
«حمزة» أوضح أن بداية تلك التطبيقات، كانت تتمثل فى مراهنات على نتائج مباريات كرة القدم، قبل أن يقوم مطورو هذه المنصات بجعل الرهان على هوية مَن يسجل الأهداف، وكم عددها، وذلك لجذب عدد أكبر من الشباب والجمهور، الذين يشاركون بمبالغ كبيرة، نظير مكاسب أضخم، يفوز بها صاحب التوقع الصحيح، بإجمالى أموال تفوق ما راهن عليه، وهو ما جعل الشباب يتسارعون من أجل الدخول لهذه التطبيقات غير الشرعية.
وأشار إلى أن شكل المقامرة الإلكترونية استمر فى التطور السريع، بأشكال وأنماط مختلفة، ليستهدف شرائح أكبر من المستخدمين، خاصة الشباب الساعين لتحقيق أرباح مادية سريعة، وعادة ما تقوم تلك التطبيقات بتوفير مكاسب أولية للمستخدمين الجدد، بهدف جذب الانتباه وتشجيعهم على الاستمرار فى المشاركة، وأيضًا جذب شرائح أخرى جديدة، بفضل الدعاية المجانية التى يروّج لها أصحاب تلك المكاسب بين أقرانهم وزملائهم، مؤكدًا أن الخطوة التالية، هى بدء نزيف الخسائر المتلاحقة، وبمبالغ مادية كبيرة، أكثر بكثير مما حققوه من إيرادات وهمية.
وأضاف: تلك المقامرات الإلكترونية تدفع صاحبها للإصابة بالإدمان، خاصه بعد تعرضه لخسارات متتالية، وبالتالى لا يرى بديلًا أمامه، سوى الإقبال بشكل مبالغ فيه على المشاركة، من أجل الفوز وجنى الأموال وتعويض خسائره، الأمر الذى يجعل من هذا الشخص مدمنًا على اللعب ما يعرضه للعديد من التحديات الأسرية والمشاكل النفسية، التى قد تجعله يقبل على الانتحار، خاصة فى حالة الإفلاس المالي.
وبحسب «حمزة» فإن المراهنات الإلكترونية لا تشهد فقط تطويرًا على مستوى أسلوب تطبيق تلك المراهنات، ولكن تجاوز ذلك، لتصبح هناك بعض التطبيقات تعتمد على التعاملات المادية من خلال العملات الرقمية المشفرة، خاصة «البيتكوين»، وذلك لأن هذا النوع من العملات لا يخضع لأى رقابة أمنية أو مصرفية، موضحًا أن تلك العملات الرقمية تعتمد على مبدأ الند بالند، حيث يقوم الأفراد بالتداول المباشر فيما بينهم، دون الحاجة لأى قنوات بنكية أو مصرفية شرعية، كما أنها توفر السرية لكل الأطراف، فضلًا عن التشفير العالى الذى تتمتع به تلك النوعية من العملات، فى ظل تحقيقها قيمة قياسية حاليًّا، بعد إعلان دونالد ترامب، دعم هذا القطاع الرقمي، عقب فوزه فى الانتخابات الأمريكية الأخيرة.
كما كشف أن الحصول على العملات الرقمية المشفرة مثل البيتكوين يحتاج إلى «تعدين»، ولا يمكن إجراء التعدين للعملات المشفرة من أجهزة كومبيوتر عادية، بل تحتاج إلى أجهزة ذات مواصفات خاصة، تستطيع تنفيذ الخوارزميات المتعلقة بهذه العمليات، بالإضافة إلى أن هناك بعض الحالات التى يتم تقديم فيها «البيتكوين» مقابل بعض الخدمات التقنية المختلفة، والبنك المركزى المصري قد حظر التعامل بالعملات الرقمية المشفرة داخل مصر، وذلك لكثرة التعرض للنصب من خلالها.
«د. حمزة»، شدد على أن المروّجين للمراهنات الإلكترونية، يقومون بالاعتماد على العديد من المؤثرين وصُناع المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي، مستغلين فى ذلك، قدرتهم على التأثير، لجمهورهم من المتابعين لهم، مؤكدًا أن رغبة الشباب فى تحقيق الثراء السريع دون بذل جهد أو عمل، هى الدافع الأساسى للوقوع فى فخّ المراهنات الإلكترونية بسهولة.
وتابع: المراهنات الإلكترونية فى نظر القانون المصري، هى منصات وتطبيقات غير شرعية، على الرغم من عدم وجود تشريع ينصّ على ذلك صراحة، إلا أنه يتم قياسها نسبة إلى المقامرة التقليدية التى يجرمها القانون المحلي، ولهذا من الواجب العمل على إصدار تشريع ونص واضح يجرم هذه الألعاب الإلكترونية الضارة بالمجتمع، على أن يشمل التشريع أيضًا، مختلف تطبيقات المراهنات وتعدين العملات الرقمية المشفرة، خاصة أن التطور التكنولوجى السريع على مستوى العالم دائما ما يسبق تدشين القوانين، لذلك يجب أن يتم الإسراع فى تجريم تلك المراهنات، لحماية أولادنا من التعرض للنصب أو الاستغلال من قِبل مروّجى تلك التطبيقات.
وحول حجم الاستثمارات فى هذه التطبيقات، قال «حمزة»، إن حصر الأموال التى تم إنفاقها من جانب المصريين أمر صعب جدًا، خاصة أن تلك القنوات لا تخضع لدور رقابى من أجهزة الدولة، ولكنها مبالغ تفوق المليارات؛ لأن أعداد مَن يشتركون فى المراهنات ضخمة جدًا، وعادة ما يتم تحديد مبلغ كحد أدنى على سبيل المثال 2000 جنيه نظير الاشتراك فى تلك التطبيقات، الأمر الذى يجعل الحصيلة المجمعة مرتفعة للغاية.
وبشأن سياسة المنع وحجب المواقع فى مصر، أكد «حمزة» أنها مجرد مسكّنات، ولن تقف حائلًا أمام تطوير مواقع جديدة وتطبيقات ملتوية أخرى، فى ظاهرها حميد، وباطنها مراهنات وأعمال نصب إلكتروني، مشددًا على أن الوعى هو الحل والسبيل الوحيد، لتنشئة أجيال مثقفة لا تنجرف وراء أى تيار غير شرعي، أو ممارسات غير مقبولة.
إيهاب سعيد، رئيس شعبة الاتصالات بالاتحاد العام للغرف التجارية أوضح أن الذكاء الاصطناعى أصبح أكثر انتشارًا وتطورًا، بل ويتم استخدامه فى عمل إعلانات مزيّفة لشخصيات مشهورة وذات تأثير فى المجتمع، مستغلين فى ذلك شعبيتهم الكبيرة، محذرًا من عدم الانسياق وراء أى إعلانات أو دعوات تروّج للمراهنات الإلكترونية، أو أى ممارسات منافية لقيم وتقاليد المجتمع المصري.
وأوصى بضرورة تشجيع الشباب على استخدام التقنيات الحديثة بشكل آمن ومفيد، خاصة أن هناك العديد من الفرص الاستثمارية البديلة، والتى يمكن من خلالها جنى أموال كبيرة شرعية.
كما قال المهندس مصطفى أبوجمرة، خبير نظم المعلومات، إن المصريين أنفقوا مليارًا و200 مليون دولار على تطبيقات المراهنات الإلكترونية، حيث تشكل الأخيرة سقطة جديدة للعالم الافتراضى، فهى فصيل من الألعاب الرقمية، تستهدف خوارزميات جديدة، تنجح فى غواية المستخدم حتى يغامر ويراهن بأمواله، وتقوم هذه الألعاب بجمع بيانات المستخدم وطرق ومواعيد ومكان استخدامه لها، وعليه، ترسم صورة نفسية صحيحة تستطيع بها ضمان استمراره فى اللعب والمراهنة، بعد أن تذوق حلاوة الفوز، ثم تأتى الفاجعة، بعد أن يغامر برقم كبير ويخسره كله، وهكذا تدور اللعبة.
وأضاف: أن هذه الألعاب، مرض مجتمعى عالمى، يعانى منه العديد من المجتمعات، مشددًا على أنها تطبيقات محرّمة دينيًا وأخلاقيًا، وأن لاعبيها يحتاجون إلى علاج نفسى مثل إدمان المخدرات، موضحًا أن مَن يدّعى أنه ربح من تطبيقات المراهنات فهو مموَّل منها، ناصحًا بأن مَن يقع فى طىّ إدمانها أن يطلب المساعدة من الأهل أو الأطباء النفسيين.