إيمان رسلان تكتب.. ماذا حدث بمؤتمر «الصحفيين»؟
على مدار ثلاثة أيام متتالية الأسبوع الماضى، عقدت نقابة الصحفيين مؤتمرها السادس فى تاريخها وبجلسات ثلاث على التوالى فى كل عنوان يخص المهنة، من الوضع الاقتصادى للصحفيين والصحف، إلى وضع المؤسسات الصحفية، إلى أزمات العمل والتعيينات، وسيطرة التكنولوجيا وأدواتها، إلى وضع كليات الإعلام فى تخريج طلاب الصحافة. والأهم كان الحديث عن مستقبل الصحافة فى ظل تطورات الذكاء الاصطناعى والتكنولوجيا وتدهور وغياب ميثاق شرف وأخلاقيات العمل الصحفى، لكن يظل الأبرز فى الجلسات كان استعراض نتائج الاستبيان العلمى عن أوضاع الصحافة والصحفيين وكانت مفأجاة، وهذه هى أبرز العناوين وإليكم التفاصيل.
مؤتمر «الصحفيين»، شارك به أغلب ألوان الطيف الاجتماعى والاقتصادى والسياسى من الصحفيين لأنه غير صحيح أن هناك حيادا صحفيا، وإنما هناك مهنية فى العرض، وهذه المهنية تنعكس تعبيرا عن وجهات النظر المختلفة وبأعمار سنية مختلفة أيضا.
وكان من أهم أعماله، ليس جمع الصحفيين فقط لحوار ونقاش حان وقته وأهميته، وإنما عبر استخدام أدوات العلم الحديث فى دراسة الواقع لتشخيصه من واستخدام أداة تشخيصية ومنظار على الجسد الصحفى، وتمثلت فى الحوار وإجراء استبيان علمى عن الأحوال، ربما تكون قراءته بعناية وفهم الدلالات لهدف يمثل تلخيصًا لأوضاع المهنة حاليا ومستقبلا.
بدأ الموتمر وكأنه عرس وامتلأت أدوار النقابة بالصحفيين فى غير أوقات الانتخابات، وهى دلالة لها معنى واحد ووحيد هو أن نقابة الصحفيين هى البيت الآمن والملاذ والمظلة لكل صحفى، رئيسًا كان أو مرؤوسًا.
وشعرنا جميعا بالامتنان لمدى الجهد الذى بذله نقيب الصحفيين خالد البلشى للتحضير للمؤتمر وجذب الصحفيين له، حتى إنه مر على المؤسسات الصحفية ليستعرض جدول أعماله وقضاياه، وهو مجهود مشكور للغاية ومعه فريق أطلقت عليه ليس خلية النحل فقط، وإنما خلية التفكير، وفتح المنافذ مسبقًا من خلال جلسات استماع من أمانة المؤتمر برئاسة د. وحيد عبد المجيد وعضوية عبدالله عبدالسلام ومحمود الحضرى ومحمد بصل، يعاونهم سكرتير عام النقابة جمال عبدالرحيم وأعضاء من مجلس النقابة، ليخرج المؤتمر بشكل حوار علمى ونقابى ومهنى، تمثل أولا فى اختيار عناوين موضوعاته وجلساته وإدارتها والمتحدثين، كلٌّ فى تخصصه، أى أنهم كانوا على قراءة كاملة ودراية دقيقة بأدوات وملف الصحفيين وتخصصاتهم وبشكل تنظيمى باهر-ليت جهات كثيرة تفعل مثلنا- حتى أستطيع أن اقول إن الصحافة أنتجت مؤتمرًا ناجحًا لم تستثنِ منه أشخاصًا أو فصائل فكرية، اللهم إلا تيار الإخوان الإرهابى بتعريف القوانين المصرية.
جاء حفل الافتتاح ليحمل كل المحبة والدعم والتصفيق والمعاونة والحضور الطاغى لاسم فلسطين التى حملها شعار المؤتمر السادس وبتقديم غاية فى الإبداع والابتكار، بل النكتة من المبدع جمال الشاعر، بجانب عرض عدة أفلام عن تاريخ المؤتمرات السابقة، ودور المرأة الصحفية، وكلمات من بعض النقباء السابقين، ويختتمها بأغانٍ وعزف موسيقى فلسطينية.
لقاء ومؤتمر الصحفيين ليس مؤتمرًا عابرًا كما العشرات التى تُعقد يوميا فى مصر، ويسيطر عليها السادة الوزراء والمسئولون أو المنظّمون فقط، يعنى يستوى فى ذلك الحكومة والمعارضة فى تنظيم المؤتمرات المختار شخصياتها.
أما عندنا وفى دارنا بالنقابة، فالكل متساوون من المحرر إلى رئيس التحرير، وإن كان بعضهم لم يحضر، فيمكن أن ترى نقباء سابقين ورؤساء تحرير أيضا بل وصحفيين مشاهير فى برامجهم أصرّوا على الحضور والمشاركة، ويجلسون يديرون الندوات ويتلقون أحيانا الهجوم أو الأسئلة المحرجة، وما أكثرها فى وسطنا الصحفى، ولكن الخبرة والحرفية جعلت الجميع يخرجون سعداء وبسلام بعيدا عن فئة عواجيز الفرح، التى مهمتها فى الحياة الهجوم على المؤتمر للفت الانتباه والأنظار.
الجميع يرد ويتكلم بصدق شديد عن رأيه والواقع الحالى والتجربة خاصة حتى فى سقف حرية الرأى أيضا، فلم تكن هناك خطوط حمراء داخل البيت الصحفى الواحد فالكل يعلم عن الكل، أى بيوتنا جميعا من زجاج شفاف.
وجدنا ذلك فى كلمات صريحة من خيرى رمضان، ومجدى الجلاد، ولميس الحديدى، وعمرو خفاجى، ومحمد على خير، وحمدى رزق، وهى وجوه إعلامية بجانب الصحافة.
كان من أهم الأعمال بالمؤتمر هو العمل بشكل علمى وأكاديمى، وتجسد ذلك فى الاستبيان الخاص الذى أعدّته النقابة بالتعاون مع أساتذة جامعات متخصصين، ووزعته قبل أسابيع من المؤتمر، وأهميته أنه استبيان يرصد الأحوال والأولويات، ولذلك يأتى تحليل الاستبيان ونتائجه كخطوة هامة لمعرفة الواقع على الأرض لاستشراف المستقبل الذى هو ابن الحاضر.
فقد كشف الاستبيان الذى أجاب به ما يقرب من 1600 صحفى وصحفية، وإن كانت الأخيرة هى الأقل مشاركة به، وبنسبة 29.1 فى المائة فقط مقابل 70.9 فى المائة للرجال، وكان المحررون الصحفيون هم النسبة الأعلى ويمثلون الثلث أى 33 فى المائة، يليهم مديرو التحرير بنسبة 24 فى المائة، ثم رؤساء الأقسام 21.6 فى المائة، ورؤساء التحرير 6 فى المائة، وحاز الشباب بخبرة من 10 إلى 20 سنة على ما يقرب من 50 فى المائة من المشاركات، وبلغت نسبة مشاركة صحفيى المؤسسات القومية 43.2 فى المائة، تليها الصحف الخاصة بنسبة 40.6 فى المائة، ثم الصحف الحزبية، والأقل هى الصحفى الحر.
من أهم نتائج الاستبيان أن نسبة 60.5 فى المائة أوضحوا عدم الالتزام بحصولهم على الحد الأدنى للأجور مقابل 27.9 فى المائة فقط من المؤسسات تلتزم به ما يعنى عدم التزام بتطبيق قوانين العمل. أما أم المشاكل التى يعرفها القاصى والدانى فى مهنتنا، فهى قضية الأجور المتدنية فـ13.7 فى المائة لا يحصلون على أجر، و32.7 فى المائة يحصلون على أجر أقل من 6 آلاف شهريا و18.9 فى المائة يحصلون على أقل من 3 آلاف جنيه، وبحسبة بسيطة سنجد أن 71.8 فى المائة من الصحفيين يعيشون على أقل من الحد الأدنى للأجور بالدولة، وهو 6 آلاف جنيه والبقية تلامس الحد الأدنى، أى أنها مهنة فقراء ما انعكس ذلك فى نسبة أن الأغلبية المطلقة أى 79 فى المائة من الصحفيين عبّروا عن عدم رضاهم على الأجر وهذا منطقى جدا، ولذلك كشف الاستبيان عن أن نسبة 40 فى المائة من الصحفيين يعملون بعمل ثانٍ إضافى بشكل دائم، و24.4 فى المائة أحيانا أى ثلثى الصحفيين يعملون عملا إضافيا، أغلبه فى أعمال صحفية وإعلامية بنسبة 70.4 فى المائة، بينما الباقى فى أعمال غير صحفية وإعلامية، والغريب أنه فى ظل هذا الوضع الاقتصادى المتردى لا يحصل الصحفيون على بدل بطالة بنسبة 5.92 فى المائة.
لذلك جاء على رأس المطلوب من النقابة ودورها هو قضية الأجور والمعاشات ثم الإعداد المهنى والتدريبى، ثم قضية الحريات، وكلاهما جاء بنسبة متساوية، التدريب والحريات، وهى نقطة جديرة بالتأمل، وتعكس أن الصحفى يشعر بأنه يحتاج إلى التدريب والإعداد المهنى الجيد، وهذا ينقلنى لجلسة ربما تعقد لأول مرة بالنقابة، وهى دور كليات الإعلام فى الإعداد المهنى للخريجين وعمل الصحافة، ولأنى من المؤمنين وبعد تاريخ بالمهنة وبالتعليم وبالدراسة لهما بالخارج أيضا، فأقول إن كليات الإعلام هى أضعف مكون فى درجات السلم الصحفى، ورغم الجهود الجبارة التى يقوم بها الأساتذة خاصة بإعلام القاهرة الكلية الأم، فإن الوضع به أزمة؛ وذلك لوجود عيب خلقى أساسا فى النظرة للعمل الصحفى، وهى أن الصحفى يحتاج فى إعداده لتكوين ثقافى واجتماعى وفلسفى وعلمى وتاريخى، وقبلها باللغة العربية واللغات الأجنبية، فهذه معارف ليست رفاهية الصحفى وليست دراسة كيف يكتب الخبر فقط، فتلك مهارة تُكتسب ربما فى أيام وأسابيع كما ذكر نبيل عمر عندما تحدثنا عن الرحلة التدريبية بكلية الإعلام ببوسطن، وهى منحة كانت مخصصة إلى النقابة، وكيف أجدنا جميعا الكمبيوتر واستعماله فى أسبوع، وكان ذلك منتصف التسعينيات ولم تكن التكنولوجيا نعلم عنها شيئا، أى أن طالب الصحافة يحتاج إلى المعرفة والدراسة عن المجتمع الذى سيكتب عنه يليه التخصص الصحفى، وكم أتمنى أن يدرس طلاب السنة الأولى التمهيدية بكلية الآداب أو يتم توزيع الساعات المعتمدة على مختلف تخصصات الآداب، وأن يتم إسناد التخصص إلى مَن سبق دراسته وتخصصه، بمعنى المحرر والصحفى العلمى يكون من خريجى الدراسات العلمية، حتى يوصل المعلومة للقارئ، وأن يغطى بكفاءة قضايا العلم والتكنولوجيا والزراعة مثلا، فعلى سبيل المثال أنجح مَن يقدمون الإعلام الآن هما باسم يوسف، وأحمد الغندور صاحب برنامج «الدحيح»، وكلاهما ليس من خريجى الإعلام وإنما من «الطب» أو «العلوم» كـ«الدحيح»، فتخصص الكشكول الصحفى فى عالمنا الإعلامى المعاصر والشديد التنوع الدقيق يحتاج إلى عمل متخصص أيضا، كذلك زيادة جرعة التدريب الصحفى للطلاب، لأن مهنتنا مهنة عملية وليست نظرية، وأذكر أن عميد كلية الإعلام ببوسطن التى درست بها، كان رئيس تحرير وكاتب عمود بأكبر صحف أمريكا، وليس طالبا متفوقا حصل على أعلى الدرجات بالكلية، فأصبح أستاذا بالإعلام، وهنا لا بد من زيادة الوزن النسبى للتدريب المهنى والمتخصص بالكلية.
تتبقى قضية أخلاقيات المهنة وعلاقات العمل، وهى قضية بالغة الأهمية والخطورة، لأن عمل الصحافة والإعلام ليس فرديًا وإنما عمل جماعى حتى لو تضمن التميز الفردى لذلك فعلاقات العمل هامة وملحة، وهو ما كشف عنه الاستبيان وبأغلبية ساحقة بنسبة 88.5 فى المائة فى حالة عدم الرضا الواضح عن آلية اختيار القيادات الصحفية التى ترأس العمل، ماذا تعنى دلالة هذه النسبة؟ تعنى أن أهل البيت غير مرحبين، وكشف الاستبيان عن عدة أسباب لذلك، وتتمثل فى غياب آلية واضحة لاختيار ذوى الكفاءة والخبرة بنسبة 9.77 فى المائة، وأعرب 5.64 فى المائة أن الاختيارات تتم بالمجاملات الشخصية، وأعرب ما يقرب من نصف العينة أن الطريقة الحالية تقضى على الطموح للعاملين ما يؤثر سلبا على أداء المؤسسات، وكشفت الإجابات عن وجود مصطلحات الشللية والمحسوبية واستبعاد الكفاءات وتفضيل مندوبى الإعلانات، وهو ما انعكس أيضا فى أن نسبة 7.53 فى المائة غير راضين عن عنصر الإدارات بالمؤسسات الصحفية، كما برز وجود عنف فى بيئة العمل على رأسها العنف النفسى 42.5 فى المائة، يليه العنف اللفظى 31.1 فى المائة، والجسدى هو الأقل حوالى 14 فى المائة وهى نسبة غير قليلة أيضًا، وعبّر الصحفيون عن رأيهم فى أهم التحديات التى تهدد مصداقية العمل الصحفى، يأتى على رأسها عدم التعبير عن قضايا القراء وبنفس النسبة تقريبا، والاعتماد على البيانات الرسمية التى يرسلها المسئولون إلكترونيًا.
كما كشف الاستبيان عن ما يقرب من 60 فى المائة من الصحفيين يعتمدون على التقنيات الرقمية الحديثة، وأن 82.4 فى المائة منهم اعتمد فى تحصيلهم وتدريبهم على المجهود الفردى منهم فى تعلمها.
أما عن المستقبل، فقد كانت هناك نظرة تشاؤمية لدى الصحفيين حول المستقبل بسبب منافسة وسائل الإعلام الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعى لها وبنسبة 67.5 فى المائة أعربوا عن ذلك القلق، بينما الثلث تقريبا 32.4 فى المائة فى مرحلة غير القلق، وعن الاقتراحات المستقبلية التى تواجه المهنة جاء على رأسها وبالتساوى تقريبا إقرار قانون حرية تداول المعلومات، وإلغاء عقوبات الحبس والسالبة للحريات وتقديم الدعم المادى للمؤسسات الصحفية بجانب مستلزمات الإنتاج.
وأحسب أخيرا أن نتائج جلسات المؤتمر والاستبيان لا بد من دراستها بدقة، لأنها توضح وتعكس أن إمكانات الحل حتى فى الحدود الحالية للبيئة العمل والحريات هى قضية ممكنة وليست مستحيلة أو مستعصية، وأنه يمكن الإصلاح وبأدوات حقيقية، وربما مشاركة الهيئة الوطنية للصحافة (الجهة التى تملك الإشراف) تصلح الأحوال، وذلك من خلال وضع آليات بسيطة فى تحسين مناخ العمل الداخلى وتطوير المحتوى والمحاسبة عليه ورفع الأجور، وهى قضية ملحة للغاية.
بينما على النقابة أن تلعب دورًا فى تدريب مهنى متخصص وأخلاقى جدى للصحفيين كشرط للقيد بها، وأنه آن الأوان لكثير من اللوائح البالية أن تتم إحالتها للاستيداع، ومنها شروط القيد والتصويت، وبعضها تم إقراره منذ أكثر من
50 سنة، وربما منذ عهد عبدالناصر.