السد العالي.. حكاية شعب وزعيم ترويها صفحات الهلال
رجل قاد أمة وكان رمزًا للكرامة والشجاعة، وتمتع بروح جسورة وأبية ترفض الانحناء أو الانكسار، تولى حكم البلد في وقت كان يسودها الخراب والدمار مما كانت تعانيه من العدو الظالم والمعتدي، وقام بحركة إصلاحيه كبرى ووجه ضربه قوية للعدوان وقدم خدمة كبيرة لمصر وشعبها باتخاذه قرار بناء السد العالي.
وفي ضوء ذلك نشرت مجلة "الهلال" مقالًا بعنوان " بطل السد العالي يفتتح مرحلته الأولى بعد أيام" في عددها الصادر بتاريخ 1 مايو 1964، لطاهر الطناحي.
9يناير في عام 1960 قبل خمس وستون عاماً، وضع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، الذي يصادف اليوم الذكرى الـ 107 لميلاده، حجر الأساس لمشروع بناء السد العالي، وفي ظروف سياسية واقتصادية صعبة، تمثلت في رفض البنك الدولي والولايات المتحدة وبريطانيا تمويل عملية البناء، وما تعرضت له مصر من عدوان عسكري ثلاثي من دول إنجلترا وفرنسا وإسرائيل عام 1956.
وجدت تلك الدول الثلاث في تلك الخطوة المتمثلة في بناء السد العالي تهديد لهم، بينما يعوثوا خراب وفساد على أرض الوطن، يأتي عبد الناصر ليقود حرب معمارية وإصلاحيه كبرى، ولكن بفضل جهود الزعيم وبسالة الشعب المصري، بنوا السد الذي يعد واحد من أهم تلك المشروعات في تاريخ البلد، وفي عام 1970 اكتمل البناء وتم افتتاحه رسمياً، لتبدأ مرحلة جني الثمار.
وجاء في مقدمة المقال:
الحمد لله، هذا هو السد العالي! .. هذه هي العبارة التي قالها بطل السد العالي الرئيس جمال عبد الناصر حينما وضع الحجر الأول لأكبر سد في العالم يقوم على النيل الخالد في 10 يناير سنة 1960، هتف بها الشعب العربي كله مكررا هذا الحمد لله الذي وفقه لهذا المشروع رغم الصعوبات والعقبات، ونصره في جهاده لتحقيقه. وكان هذا التعبير عظيما للعروبة وللعرب على اعدائهم الذين وضعوا في طريق هذا المشروع الجليل كثيرا من الصخور التي استطاع هذا الزعيم العربي بتأييد شعبه وارادته القوية أن يحطمها، وأن يتغلب عليها بما أولى من عزيمة قوية، وتصميم قاطع وكانت قيمة النصر الكبرى كما قال الرئيس: "وانه ارادة حرة، وطاقة مشتعلة وتصمیم بدانا به قدرتنا على المقاومة والتعرفة، وأننا نستطيع الصمود للعواصف. وتصدينا للعواصف، وعشنا فيها".
وأكمل: "ثم عشنا بعد ما صمدنا للعدوان.. ثم عشنا بعد العدوان لتحقيق الهدف الذي صممنا عليه، وتنبني او طالبة في النصف الثاني من القرن العشرين بوسائل النصف الثاني من القرن العشرين. كانت هذه الإرادة القوية المتقلبة هي القيمة الكبرى في تحقيق هذا المشروع واحد تمت مرحلته الاولى بفضل هذه الإرادة في اقل من المدة".
ومن المقرر أن تتم هذه المرحلة في أخر سنة ١٩٦٤، ولكن سيحتفل بها في منتصف شهر مايو الحالي.
وهذه المرحلة من أهم المراحل الكبرى في السد العالي الذي يشمل على ما يلي:
-جسم السد، ويتكون من السد الجزئي الأمامي والسد الجزئي الخلفي، والسد الرئيسي.
- مجرى تحويل النيل، وهي قناة التحويل.
-محطة توليد الكهرباء ويبلغ ارتفاع السد فوق قاع النهر ١٢٠ اميال وطوله عند القمة ٦٢٠٠ هو، وعرضه عند القاع ۱۸۰ مترا وحدد القمة ٢٠ مترا، اما عرض الطريق فوقه نهر اربعون مترا ويستعمل الحمد الجزئي الأمامي.
-في تخزين مياه النيل حيث حمل ارتفاعه فوق قاع النهر خمسين مترا ولقوله عبر النهر ١٨٠ مترا مما يساعد على توفير مياه اضافية في زراعة الأراضي تبلغ اربعة مليارات متر مكعب سنة ١٩٦٧ .
ومن ثم يمكن القول بأن اتمام بناء هذه المرحلة الأولى يعتبر الخطوة الأولى في تحقيق عدة أهداف منها :
- الحصول على مزايا اقتصادية في مجال التوسع الزراعي تخزين حياه الفيضان التي تذهب إلى البحر المتوسط صدي
- وقاية البلاد من خطر الفيضان العالي
- تحسين الملاحة ووسائل الصرف في الاراضي الزراعي
- مضاعفة الطاقة الكهربائية
- زيادة الثروة السمكية .
- وتهيئة كثير من وسائل الترفيه والسياحة في البحيرة التي ستتكون أمامه.
وسوف يتكون امام السد العالي بحيرة واسعة تعتبر ثاني بحيرات العالم، وتمتد الى مساحة خمسمائة كيلو متر بعرض عشرة كيلو مترات تقريبا ويبلغ اقصى عرض لها عشرين كيلو مترا. وأكبر عمق لها السبعون مترا وتتسع هذه البحيرة لمياه قدرها ( ۱۵۷۰۰۰ متر مكعب ) وستعطى بحيرة السد العالي تصرفا كل عام . ٧٤٠٠٠ مليون متر مكعب، أي بزيادة قدرها حوالي أربعين في المائة من الحاجة المائية لمصر والسودان، وستستعمل هذه الزيادة في التوسع في زراعة نحو مليوني فدان من اراضي الجمهورية العربية المتحدة ونحو ثلاثة ملايين فدان من اراضي جمهورية السودان، وقناة التحويل المكشوفة، هي مجرى عميق يبلغ عمقه ۸۰ مترا.
وفي وقت الفيضان تستطيع هذه القناة تحويل، ۱۱۰۰۰ متر مکعب في الثانية الواحدة أو بعبارة اخرى ما يصل الى ٩٥٠ مليون متر مكعب في اليوم تقريبا، وبذلك تفوق قدرتها قدرة اي قناة صناعية في العالم ويعمل الآن في مشروع السد العالي كله نحو ۳۳ الف مهندس وعامل والى جانب الاعمال الجارية في السد سيسير العمل العلمي بهمة في الابحاث الطوبوغرافية والجيولوجية على مسارات خطوط نقل القوى الكهربائية من محطة السد العالي إلى مختلف انحاء الجمهورية، وقد بدء فعلا في تصميمها.
وتبلغ النفقات الاجمالية لبناء السد العالي كله وانشاء محطة توليد الكهرباء، ومد الخطوط الكهربائية مبلغ ۲۱۳ مليونا من الجنيهات، بما في ذلك تعويضات حلفا وبلاد النوبة واذا اضفنا إلى هذا المبلغ ما تتكفله مشروعات الري واصلاح الأراضي، وانشاء الطرق والمساكن والمرافق العامة بلغت قيمة النفقات النهائية حوالى ٤١٥٠ مليونا من الجنيهات.
ولكن الدخل الذي سيعود على الجمهورية العربية المتحدة من هذا المشروع يبلغ في العام كما یاتی :
- الدخل القومي ٣٣٤ مليون جنيه زيادة على الدخل الأصلي.
- الدخل الحكومي ٢٢ مليون جنيه زيادة على الدخل الأصلي.
وبذلك يغطى المشروع تكاليفه في اقل من سنتين بخلاف ما سيعود على الحكومة من اموال نتيجة لبيعها الأراضي التي سيتم اصلاحها للزراعة.