رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


تعادل‭ ‬القوة‭ ‬بين‭ ‬الرجل‭ ‬والمرأة‬‬‬‬

3-3-2017 | 13:30


بقلم : د. عبدالله النجار

ربما لا يلتفت كثير من الناس إلى أن اضطهاد المرأة يعكس قوتها، ولولا تلك القوة التى أعطاها الله للمرأة ما تضافرت تلك الثقافات الإنسانية فى كل زمان مضى قبل نزول الإسلام، وفى معظم أماكن الدنيا إلى التعامل مع المرأة بالحرص على اضطهادها وتكبيل حركتها وشل قوتها حتى لا تفلت من بين يدى الرجل، فلا يجد من يؤنس حياته بعدها، ولا يلقى ما يستمع بحياته عند غيابها، ولهذا تراه شديد الحرص عليها، حتى وهو يضطهدها، لأنه يعلم أن وجودها معه قيمة، وأن حياته بدونها عدم، وقد كان من مقتضى ذلك أن يعاملها بالإحسان وأن يعاشرها بالمعروف كما أوجب الله تعالى، إلا أن تقلب القلوب وميل الهوى قد ينسف أمله فى بقائها حتى ولو عاشرها بالمعروف وأنفق عليها كل ما يملك، وحقق لها رغد العيش ورفه الحياة، وصدق الله العظيم حين أرشد إلى هذا المعنى فى قوله تعالى: "وألف بين قلوبهم، لو أنفقت ما فى الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم، ولكن الله ألف بينهم"، فبين فى هذا القول الكريم أن الحب وتأليف القلوب صناعة إلهية لا يمكن للبشر أن يخلقوها بمهاراتهم أو يشتروها بأموالهم، ومن ثم كان إنفاق الأموال وجمال الأشكال، وحلو المقال وغير ذلك أمور لا تصلح نواتها لجلب القلوب أو ميل النفوس.

ولأن الرجل يعلم ذلك من خلال الممارسة والوقوف على التجارب الإنسانية بالحكايات والأخبار، كان لابد أمامه من إيجاد وسيلة بديلة تكون جاهزة للتعامل مع المرأة عندما يعجز الود عن السيطرة عليها، أو يفشل الرجل فى استيعابها، وهذه الوسيلة لا يمكن أن تتحقق إلا بإظهار الوجه الآخر وجه العنف والاضطهاد، والأذى والعناد، والمعاملة القاسية التى يظن معها أن بإمكان المرأة أن تعفى نفسها منها بالخضوع له والإذعان لمطالبه، بيد أن العناد يولد العناد، والكره لا ينتج إلا الكره، وإذا كان الرجل يضطهد المرأة بإهماله أو ماله أو قوته، فإن بإمكان المرأة أن ترد عليه إهمالا بإهمال، لكن إهمالها وحده سوف يبدد إهماله وماله وقوته ويظهره أمام نفسه، وأمام الناس ذا قدرة ضئيل، وأن قوته ضعف، وما يرجوه منها بتلك الأساليب العنيفة والوسائل القاسية لن يجدى معها، ولن يجنى من ورائه سوى شرودها منه، وخروجها عن طاعته، وربما يصل الأمر إلى حد التطاول عليه والنيل من سمعته وكرامته وهى لن تعدم في ما تدعيه عليه من النقائض الإنسانية, أناس كثيرون سوف يصدقونها ويثقون فى كلامها وسيكون هو أول الخاسرين فى مواجهته معها.

ولهذا كان من أدب الإسلام عندما تستحيل العشرة بين الزوجين، وتصبح الحياة بينهما جحيما لا يطاق، وعذابا ليس له نهاية أن يتفرق كل منهما إلى حال سبيله، وفى هذا يقول الله تعالى: "وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته"، ويقول عز من قائل: "فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان", فوصف التسريح الذى هو الطلاق بأنه يجب أن يكون حسنا طيبا، كما وصفه فى آية أخرى بأن يكون سراحا جميلا، فقال سبحانه مبينا أهمية التسريح الجميل فى حياة الزوجين (المطلقين) والأسرة والمجتمع، "فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا"، أى طلقوهن طلاقا جميلا، فإن هذا الطلاق إذا كان جميلا، فإنه ربما يكون سببا فى المستقبل لإعادة الحال لما كان عليه، أو تهيئة الأسباب أمامهما لإصلاح ما ران حياتهما الزوجية من شقاق وفراق، وما حدث لهما من نفرة وطلاق، وفى هذا يقول الله تعالى: "لا تدرى لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا"، والأمر المقصود هنا هو إعادة العلاقة بينهما واستعادة الحب الذى تبدد من حياتهما، وعموما فإن عودة العلاقة الزوجية إلى ما كانت عليه قبل الطلاق والشقاق أمر مقصود شرعا من مجموعة الأحكام الفقهية التى تنظم العلاقة بين الرجل والمرأة بعد الطلاق.

ومن عجب أمر الناس مع تشريع الله أنهم لا يطبقون تلك المبادئ الشرعية التى تدعوهم إلى أن يكونوا كراما فى حال بقاء الزوجية، بالمعاشرة بالمعروف، وفى حال انتهائها بالتسريح بإحسان، فتراهم يبالغون فى الكيد، ويتفنون فى وجوه الخصومات التى تملأ القلوب غلا، والنفوس حقدا لا يبقى على شىء، حتى الأطفال الذين يفترض توفير الأمن الاجتماعى لهم، حتى لا يتأثروا بالفشل والصراع الذى ابتلى به أبواهم، لا يكونون فى منأى من أن يتطاول إليهم شرر ذلك العنف الأبوى الفظيع.

لقد منح الله المرأة قوة تفوق عضلات الرجل، ويكفى أن ترميه بسهام أنوثتها فتدفعه إلى استجداء رضاها والبقاء معه، وقد يكون ما حباها الله من جمال وأنوثة أعلى عند الرجل من المال وأقوى من السلطة فيضعهما تحت قدميها لترضى عنه ولتظل معه، إن دموعها التى تسكبها أمام عين الرجل قد تكون أقوى عليه من السهام الموجهة، ولو لم يسلم منها لخضع أمام جبروتها، وفى هذا ما يدل على أن ما حبا الله المرأة به من المواهب الأنثوية، وما أودعه فى الرجل من الميل الجبلى إليها ما يعدل كفتى الميزان بينهما، فإذا احتال الرجل عليها بماله وقوته وسلطته، فإنها تسلط عليه جمالها وأنوثتها، فترغمه على التسليم بما تطلبه ومن ثم تتعادل المواهب وتتوازن العطايا الإلهية فى كل منهما، ومهما استعمل الرجل مع المرأة من وسائل العنف والاضطهاد، فإنه لا مفر أمامه من التسليم بما قدره الله وقضى به، وهو الإمساك بمعروف أو التسريح بإحسان، وليس فى الدين مكان للعنف أو الاضطهاد.