رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


الموسيقار باسم درويش: أحلم بالعزف فى حفل افتتاح المتحف الكبير

20-1-2025 | 16:14


الموسيقار باسم درويش

حوار يكتبه : محمد رمضان

«تسابيح النغم».. ما بين ترانيم الكنائس وأناشيد الإمام.. حالة من العشق الإلهى فى ديار المتصوفين والرهبان تبثها داخل النفوس كل عام فرقة «كايرو ستبس» بدار الأوبرا لمؤسسها أحد الطيور المهاجرة لألمانيا منذ ثلاثين عاماً الموسيقار العالمى الكبير باسم درويش الذى تربى منذ صغره على سماع أناشيد جيرانه المسلمين فى بنى مزار بالمنيا، فتحايل على رفض أبيه تعلمه الموسيقى بذهابه إلى الكنيسة لكى يتعلم على يد القس «ديفيد» سحر العزف على الأكورديون فيقع فى أسر هوى أنين الناى والعود.

مستلهمًا من إيقاع خطوات قدميه أثناء عودته من ستديو صديقه نصر محروس بمصر الجديدة إلى بيته فى الزيتون فكرة تأسيسه لفرقته «كايرو ستبس».

يروى «درويش» فى حواره مع «المصوّر» قصة عمله مع الريس متقال فى لندن والنجم محمد منير ويكشف لأول مرة سر أغنية «نعناع الجنينة» واكتسابه العديد من الخبرات خلال سنوات «المرمطة» بالعزف داخل الفنادق والملاهى الليلية ووصوله إلى العالمية وحصوله على أرفع جائزة موسيقية «جيرمان جاز أوورد» مرتين.

ورغم دعم وتشجيع الرئيس عبدالفتاح السيسى لباسم درويش أثناء مجيئه ضمن الوفد المرافق لزيارة الرئيس الألمانى للقاهرة منذ ثلاثة أشهر إلا أن «درويش» أعلن منذ أيام خلال حفلته بدار الأوبرا أنها قد تكون الأخيرة له بالقاهرة، ما أحزن جمهوره ووصفوها بأنها «حفلة الوداع» بسبب تعنت نقابة الموسيقيين مع أعضاء فرقته من العازفين الألمان بتحصيلها ألف دولار عن كل واحد منهم فى مقابل منحهم تصريحًا بالعمل فى كل حفلة ومطالبته من قبل الضرائب بدفع 45 فى المائة من إيرادات حفلاته.

السطور القادمة تنزف كلماتها علامات من الشجن والحنين الذى يسكن قلب «درويش» بعد رحيل زوجته وإصراره على استعادته دفء ذكرياته بمصر بتناوله الفول بالزيت الحار على عربة فول فى الشارع وطبق الكشرى بالدقة والشطة والشاى بالنعناع على مقهى بلدى وتجوله مع نائب السفير الألمانى بـ«التوك توك فى شوارع المحروسة».

 

 

هل يجوز أن نصف مشوارك الفنى بأنه «أشغال شاقة»، خاصة أنك كنت تعيش حالةً من الصراع ما بين حبك للموسيقى ورفض عائلتك الصعيدية أن تتعلمها؟

بلا شك أن الطفل الذى لديه غريزة حب الموسيقى بالفطرة يبحث عنها فى كل مكان، ولكننى واجهت صعوبة فى تعلم الموسيقى بسبب الأعراف التى تحكم المجتمع الصعيدى، حيث أنتمى إلى أسرة تقطن فى «بنى مزار» بمحافظة المنيا، وكان حلم والدى مثل أى أب داخل المجتمع الصعيدى أن يرى ابنه دكتورًا أو مهندسًا أو خريج كلية إعلام أو ألسن، وبالفعل والدى كان يرغب فى أن أصبح مهندسًا وكانت لدى أيضًا الرغبة فى أن أكون مهندسًا معماريًا، إلا أننى تعلمت الموسيقى داخل الكنيسة، حيث كان عمرى وقتذاك حوالى ست أو سبع سنوات وبدأت أعزف عندما بلغت العاشرة من عمرى، وكان القس داخل الكنيسة «ديفيد» مدرسى الذى علمنى العزف فى البداية على آلة الأكورديون والجيتار ثم فصّل لى أول آلة عود فى حياتى لدى أحد النجارين بالمنيا، لأنه شعر بمدى حبى لهذه الآلة، وحتى الآن مازلت أتواصل معه وأُرسل إليه بعض الأوتار للآلات الموسيقية الوترية داخل الكنيسة بالمنيا وتزامنًا مع إتقانى العزف على آلة العود ذاع صيتى فاستعان بى قصر ثقافة المنيا حيث كان يُنقب عن المواهب الجديدة فى عهد المخرج المسرحى المعروف حمدى طلبة مدير هذا القصر الذى سمح لى بأن أصطحب معى آلة الأوكرديون داخل منزلنا لكى أُتقن العزف عليه، فكان لقصر ثقافة المنيا دور مهم جدًا فى حياتى لأنهم كانوا يهتمون بالآلات الموسيقية وكانوا خلال الإجازة الصيفية يصطحبوننا إلى معسكر الشباب بـ«أبوقير» بالإسكندرية الذى تعرفت داخله بكل موسيقيي مصر، وكنا نعزف الموسيقى داخله حتى مطلع الصباح، وكانوا يدرسون لنا موسيقى غربى وشرقى للمؤلف الموسيقى الألمانى «برامز» والمؤلف الموسيقى الروسى تشايكوفسكى وأول ما تعلمت عزفه هى معزوفة الرقصة المجرية «HUNGARIAN DANCE» وكان عمرى آنذاك حوالى اثنا عشر عامًا ودخلت من مرحلة الطفولة والبراءة داخل الكنيسة إلى مرحلة الاحتراف بعد التحاقى بقصر الثقافة، وسبب ابتعادى عن العزف على آلة الأكورديون لأننى كنت أتمنى أن أصبح عازفًا لآلة العود.

ثم حصلت على مجموع فى الثانوية العامة كان يؤهلنى للالتحاق بكلية هندسة أسيوط، إلا أننى كنت أحلم بالدراسة بالقاهرة من أجل أن أحقق حلم حياتى بدراسة الموسيقى والعمل بها، وشاءت الأقدار أن والدتى عرفت عدم رغبتى فى الذهاب إلى أسيوط وأننى أحلم بالدراسة فى القاهرة، فاقترحت على والدى أن أدرس أدب وثقافة فالتحقت بكلية الألسن جامعة القاهرة، واخترت دراسة اللغة الألمانية، علمًا بأننى لم أكن أعرف أى شيء عن اللغة الألمانية إلا من خلال اطلاعى على مجلات «بوردا» الألمانية المتخصصة فى مجال الموضة والتفصيل التى كانت تشتريها والدتى زمان، فكنت أراها من باب العلم بالشيء وأفرح بالموضة الألمانية ولغتهم وعندما التحقت بالقسم الألمانى تزاملت مع طلبة من أصول ألمانية وكنت أجلس بينهم فى بادئ الأمر داخل قاعة المحاضرات مثل «الأطرش فى الزفة».

يقال إن نشأتك داخل بيت كان يسكنه منشدون هو سبب حبك للموسيقى؟

كان يسكن فى الشقة التى تقع تحت شقتنا فى المنيا منشدون دينيون، فكنت استمع يوميًا طوال النهار لأناشيدهم وكانوا يقيمون الليالى والاحتفالات الدينية مثل الاحتفال بالمولد النبوى ومن المواقف الطريفة التى حدثت لى خلال مرحلة الطفولة أننى توهت أثناء ذهابى لشراء الخبز وبحث عنى أهلى وأبلغوا الشرطة التى وجدتنى أجلس داخل إحدى حلقات الذكر وسط مشايخ بلدنا لأننى كنت مولعًا بمواكب هذه الاحتفالات الصوفية، بسبب أن هذه الطرق «الحامدية الشاذلية والإبراهيمية» وغيرها من الطرق الصوفية الأخرى كانت تسير فى موكب مهيب بالبيارق ويمتطى شيخها حصانًا ويحيطه مريدو طريقته بالأعلام وبملابسهم خضراء اللون، فكنت أتعامل مع كل هذه المظاهر على كونها زفة تحتفى بشيخ كل طريقة، وهذا المشهد الذى عايشته منذ صغرى مع احتفالات الطرق الصوفية استمد منه حتى الآن روح ألحانى وأعمالى، فكل هذا المخزون أثر فى شخصيتى الفنية، ولذلك كل موسيقاى أقدمها بشكلها الأصلى فى حفلاتى داخل الأوبرا التى تحمل عنوان «المولد والميلاد» أو كما أصفها أقدمها بـ«بعبلها».

كيف بدأت صداقتك بالملحن «وجيه عزيز» الذى لعب دورًا كبيرًا فى احترافك داخل الوسط الموسيقى؟

تعرفت على الملحن المشهور «وجيه عزيز» أثناء زيارته لأقاربه فى المنيا علمًا بأن أصوله تنحدر من محافظة بنى سويف وهو الذى لحن حينذاك لمحمد منير أغنية «من أول لمسة» ولحن لسيمون، ولأحمد زكى أغانيه فى فيلم «هيستريا».

وعندما التحقت بكلية الألسن بالقاهرة ذهبت إليه فاتفق معى أن أُقيم معه داخل منزله لكى نعمل سويًا وذهبنا إلى مسرح الطليعة وعرفنى على المخرج سميرالعصفورى وعملت معه فى مسرحية «العسل عسل والبصل وبصل» للمخرج على سعد، ثم عملت مع الفنان الراحل ماهر سليم داخل أحد العروض المسرحية، حيث كنت أعزف ثم جاء مهرجان المسرح التجريبى فى دورته الأولى وعملت به وكنت حينذاك مجندًا فى الخدمة العسكرية، وبعد ذلك بدأ وجيه عزيز يصطحبنى معه للعمل داخل قصور الثقافة وتعرفت فى هذه الفترة على النجم محمد منير فى الأقصر الذى عرف أننى أتحدث الألمانية فبدأت علاقتى تتوطد به وعملت معه فى ألمانيا ومصر وبحكم أدائى للخدمة العسكرية داخل أسوان تعلمت اللغة النوبية وأصبحت تربطنى صداقة قوية بأصدقائى النوبيين من أهالى جزيرة «هيصة» التى أحرص على قضائى بها عدة أيام أثناء زيارتى للقاهرة، وقد سبق لى أثناء أدائى للخدمة العسكرية أننى أرسلت للنجم محمد منير تسجيلاً بصوت أحد مطربى مدينة إسنا من «عرب البشارية» أغنية «نعناع الجنينة» التى تنتمى للتراث النوبى وسجلتها له على شريط كاسيت وأرسلتها له من مطار أسوان للقاهرة لكى يغنيها وأنتجها المنتج نصر محروس وعملت بعد ذلك مع النوبيين والسودانيين فى مجال الموسيقى والغناء.

لماذا عملت مع الريس متقال وما سر تحولك من منطقة الإنشاد الدينى للغناء الشعبى؟!

كنت أرى أن الغناء الشعبى له قاعدة جماهيرية كبيرة بالإضافة إلى أنه مجال مألوف بالنسبة لى وأعتاد العمل به وتعرفت على موسيقيين كثيرين يعملون فى هذا المجال، أما بالنسبة لقصة عملى مع الريس متقال فجاءت بمحض المصادفة وكان عمرى وقتذاك ثمانية عشر عامًا، حيث تعذر سفر أحد العازفين معه إلى لندن لعدم حصوله على تأشيرة دخول بريطانيا لإحياء حفل هناك، وكان لدى فرصة للحصول على هذه التأشيرة أثناء تواجدى داخل ألمانيا، فسافرت إلى لندن وعملت مع الريس متقال ثم ذهبت معه لباريس وألمانيا وعزفت معه أغنية «الفراولة» واكتسبت منه خبرة الوقوف على المسرح لأنه لديه حضور طاغٍ ورغم أنه يرتجل إلا أنه يتحكم فى المسرح وله هيبة على المسرح يتشارك معه فيها أيضًا النجم محمد منير وتعلمى من «متقال» كل هذه الخبرات انعكس على أدائى فى حفلاتى على المسرح وأسلوب استثارتى للجمهور لكى يتجاوب معى كما أننى عملت أيضًا مع المطرب النوبى الراحل على كوبان واشتغلت فى الأفراح النوبية مع المطربة سلمى عبدالراضى والراحل سيدالسمان وسجلت وغنيت وعزفت على العود مع سلمى أغانى باللهجة السودانية، ومنها أغنية «الزول العسل ده»، سجلناها فى برلين، وظللت أعمل مع «متقال» لمدة خمس سنوات واشتركت معه فى ألبوم الفراولة الذى جمعه مع سلمى عبدالراضى، وهذا التنوع فى عملى أثرى شخصيتى الموسيقية كملحن ومؤلف موسيقى وعازف للعود، وجعلنى أظهر الحس المصرى فى كل أعمالى.

هناك من يرى أن ترددك على «ستديو المنتج نصر محروس» فى مصر الجديدة كان وراء حلم تأسيسك لفرقتك «كايرو ستبس» التى استلهمت اسمها أثناء عودتك من شارع الميرغني إلى منزلك بالزيتون؟

محمد منير هو سبب معرفتى بنصر محروس وتطورت علاقتى بأسرته وتعرفت على والدته ووالده وكانوا أصحاب فضل كبير علىّ وأثناء تواجدى بالاستديو الخاص به، كنت استمع للألبومات التى تُقدم فى هذه الفترة الزمنية، فكنت أشعر بأنه بداخلى رغبة قوية لتقديم أعمال مختلفة عن التى أستمع إليها، وكنت أعمل فى تلك الأثناء مع عازف القانون المتميز الراحل حسام شاكر والفنان فتحى سلامة الذى يمتلك فكر ورؤية فى موسيقى الجاز يجعلها تمتزج بالحس الشرقى الجميل وأثناء تواجدى عند نصر محروس داخل الاستديو كانت إيقاعات موسيقى حسام شاكر وفتحى تسكن فى أذنى.. فقررت أن أعود كل يوم من استديو نصر محروس فى مصر الجديدة إلى منزلى بالزيتون سيرًا على الأقدام، فاستلهمت من إيقاعات خطواتى ما بين هذه المسافة من شارع الميرغنى إلى الزيتون حلم تأسيسى لفرقة أُطلق عليها اسم «كايرو ستبس» وكنت أرى «اللوجو» الخاص بها أمام عينى قبل أن أشرع فى تأسيس هذه الفرقة، حيث كنت أراه مصممًا على شكله باللون الذهبى لكى ينير للألمان فرصة الاطلاع على موسيقانا وثقافتنا وكنت مؤمنًا بتحقيقى لهذا الحلم لأننى أشعر بأن هناك فجوة موسيقية لم تُملأ بعد، كما أننى دخلت فى تحدٍ بعد استماعى لموسيقى الفنان اليونانى «ينى» حيث تساءلت ماذا ينقصنا عن موسيقى «ينى»، بل بالعكس أنه بإمكاننا أن نقدم موسيقى أجمل من موسيقاه باستخدام آلاتنا الموسيقية مع الجاز والكلاسيك، فإيجاد مثل هذا التنوع الموسيقى أو تلك «الخلطة» تتطلب أن يقدمها موسيقى على دراية بها ويكون «إتمرمط» بالعمل فى الملاهى الليلية والشوارع والكباريهات، لذلك فإننى فخور بأن كل هذه التجارب الفنية أصقلت فكرى الموسيقى وأكسبتنى خبرة كبيرة بعيدًا عن شكل وتكنيك موسيقى «ينى».

ولماذا هاجرت إلى ألمانيا منذ 30 عامًا.. ولماذا اخترت دراسة علم المصريات وعلوم الإسلام داخل الجامعات الألمانية؟

هاجرت إلى ألمانيا من أجل استكمال دراستى هناك بعد تخرجى فى كلية الألسن بتقدير عام جيد جدًا واخترت دراسة هذين العلمين المصريات وعلوم الإسلام، لأن الألمان مشهورون فيهما ومهتمون بهما، وبالمناسبة الهولنديون والألمان من أكثر الشعوب التى تهتم بدراسة العلوم الإسلامية التى لا تقتصر على العلوم الدينية ولكنها تختص بعلوم اللغة العربية والثقافة الإسلامية والفقه المقارن والتراث الإسلامى، إلى جانب أننى حصلت على درجة الماجستير فى علم المصريات ثم درست علم الإدارة فى مجال الطيران المدنى، لأننى أعمل فى إحدى شركات الطيران الألمانية وممارستى للموسيقى لم تتعارض مع عملى، لأنها كانت أشبه بالتريض لكى أستطيع أن أعيش حياتى بشكل صحيح، لكن فى الوقت نفسه دخلى الشهرى ليس من الموسيقى، ولذلك قررت أن أقدم الموسيقى التى أحبها، علمًا بأننى أقيم خمسة وعشرين حفلة داخل ألمانيا وأوروبا سنويًا.

وكيف كونت فرقتك وكم عدد العازفين بها.. ولماذا تحرص على اشتراك موسيقيين مصريين فى حفلاتك بالقاهرة؟

تتكون فرقتى من ست عازفين أساسيين من الألمان يعزفون على الآلات الموسيقية «البيانو وساكسفون والدودوك وهى آلة أرمينية تراثية ذات حس روحانى والبيزجيتار والبركشن والعود وفى مصر يزيد عدد الآلات بالقانون والأوكرديون والوتريات الكمان والتشيللو والرق والناى.

ويرجع سبب حرصى على اشتراك عازفين مصريين فى حفلاتى بالقاهرة، لأن الغرب يرى مصر عبارة عن ثلاثة أهرامات وجمل..!

وهذه الصورة المغلوطة تتنافى مع محيط الثقافة الموسيقية الذى نمتلكه، ولذلك كان تأسيسى لفرقة «كايرو ستبس» بهدف تصحيح هذه الصورة المغلوطة لدى الغرب وتوضيح الصورة الحقيقية أمامهم بأن المصريين يمتلكون رصيدًا موسيقيًا فجعلتهم عندما يستمعون لموسيقانا ينبهرون بل إننى قدمت موسيقاهم المتمثلة فى لحن المؤلف الموسيقى الفرنسى «إريك ساتيه»، حيث أخذت من موسيقاه الكلاسيك إحدى الجمل اللحنية والتى تُسمى بلغة الموسيقيين «الدودة» التى تتعلق بأذن المستمع المصرى أو البصمة التى تتناسب مع روح ووجدان الشرق ومصرتها إيقاعًا ولحنًا، وأدخلت عليها الروح المصرية بما يتماشى مع كلمات الإمام الشافعى «يا مالكا قدرى» التى غناها الشيخ إيهاب يونس، وهدفى من ذلك إيجاد جسراً من التواصل ما بين ثقافتى الشرق والغرب والوصول بالحضارة الغربية إلى رجل الشارع المصرى البسيط، فى حين أننى أجد بعد كل حفلة أقيمها فى أوروبا الكثير من الجمهور يقول لى إن لديهم الرغبة فى زيارة مصر والجمهور الأوروبى يتفاعل مع الحالة الوجدانية والتجلى التى يبثها بداخلهم الشيخ «يونس» أثناء غنائه أشعار الإمام الشافعى، بالرغم من أنهم ليسوا على دراية باللغة العربية، لكننى أترجم لهم ما يقوله «يونس» بالإنجليزية أو الألمانية على شاشة عرض داخل المسرح أو فى كتيب الحفل.

البعض يرى أن الحافز وراء تلحينك لقصائد الإمام الشافعى هو أنكما تقاسمتما مشاعر الغربة؟

بالفعل عاش الإمام الشافعى الشعور بالغربة طوال حياته لكنه استقر فى مصر لمدة تجاوزت الأربع سنوات إلى أن رحل.

وبلا شك أن ديوان قصائد الإمام الشافعى صعب جدًا، وقد جاءت إلىّ الفرصة للاشتراك فى مسلسل «الإمام» الذى قام ببطولته الفنان خالدالنبوى وطلب منى مخرج المسلسل أن أقوم بتلحين قصائد الإمام وتحمست لأننى درست فكر ومذهب الإمام الشافعى أثناء دراستى للعلوم الإسلامية، وما جذبنى إلى تلحين هذا الديوان هو أنه عبارة عن رسائل إنسانية وليست دينية تصلح لجميع العصور ولكل الأجناس ولكل الأديان، بالإضافة إلى أن فلسفة الإمام الشافعى ومنهجه الفكرى تغير عندما أتى إلى مصر، حيث أعاد من جديد صياغة كل أفكاره، وهذا سبب تأليفه لهذا الديوان الذى يستعرض أفكاره وفلسفته فى الحب والتسامح، وهناك حكم كثيرة لا نعرف أحيانًا أنها للإمام الشافعى ومنها قصيدة «دع الأيام تفعل ما تشاء»، وبالفعل بدأت ألحن بعض القصائد، إلا أننى فوجئت بأن مخرج المسلسل يتعجلنى فى الانتهاء من تلحينها، وكنت قد لحنت خمس قصائد فاعتذرت لضيق الوقت، لأنها تستغرق وقتًا طويلًا ورفضت أنى «أكروت» عمل يحمل اسمى عن قامة كبيرة مثل الإمام الشافعى، لأننى أرى أن اسمى سيقترن بهذا العمل طوال العمر، إلى جانب أن المخرج طلب منى عمل توزيع أوركسترالى لهذه الألحان، وهذا لا يتناسب مع المدة الزمنية المتاحة لى لكى أنتهى من تلحين هذه القصائد، بالإضافة إلى أن الميزانية المخصصة لهذه الألحان وتنفيذها من خلال الأوركسترا لا تسمح بذلك.

لكننى لحنت بعد ذلك اثنتا عشرة قصيدة من قصائد الإمام الشافعى ومنهم قصيدة «الإمام» التى غناها النجم هانى عادل فى حفلاتى الماضية بالأوبرا ثم لحنت الدويتو الغنائى ما بين الشيخ إيهاب يونس وهانى عادل بعنوان «لما قسى قلبى»، وقررت أن أقدم لجمهورى فى كل حفلة قصيدة جديدة من قصائد الإمام الشافعى.

من خلال اطلاعى على برنامج حفلاتك لمست أن عناوين مقطوعاتك الموسيقية تعبر عن حنينك للوطن وإخلاصك لزوجتك الراحلة خاصة أن ما دعم هذا الشعور لدى هو حرصك على اشتراك آلة الربابة فى حفلاتك بالأوبرا؟

بلا شك أن كل مؤلفاتى تعبر عن مدى حنينى وحبى لهذا الوطن، حيث ألفت مقطوعة «عنبر» الموسيقية يمتزج فيها الحس الشرقى مع الغربى لراقصة استعراضية فرنسية، وبعد انتهائى من تأليفها احتفظت بها لكى أعزفها فى حفلاتى ومقطوعة «سيوه» ألفتها بعد قضائى بها ثلاثة أسابيع، حيث تأثرت بالمكان ومعزوفة «كافيه جروبى» ألفتها كنوع من التأريخ الموسيقى لما حدث من تغيرات فى نوعية الجمهور المتردد على حديقة جروبى بشارع عدلى والتى كان يتردد عليها صفوة المجتمع من جواهرجية ودبلوماسيين وموظفى البنوك، حيث إنهم كانوا يعقدون اجتماعاتهم هناك ويتناقشون فى السياسة الاقتصادية للبلد وكان يوجد بهذا المقهى كل يوم خميس عازفون من أوروبا يعزفون على آلة البيانو لكن بعد الحرب العالمية الثانية بدأ يتردد عليها تجار الخردة الذين تكبسوا من هذه الحرب وغيرهم من تجار تلك المرحلة التاريخية لكى يتشبهوا بعلية القوم الذين كانوا يترددون على هذا المقهى الثقافى من قبل واستبدل هذا الجمهور الجديد العزف على البيانو بإحضار راقصة ترقص لهم شرقى ولذلك سيجد المستمع لهذه المعزوفة أننى بدأتها بالعزف على آلة البيانو ثم عزفت بها موسيقى شرقية وعدت مرة أخرى إلى الموسيقى الغربية، وقد حصلت بسبب عزفى لها فى عام 2021 على الجائزة الذهبية الألمانية لموسيقى الجاز «جيرمان جاز أوورد» للمرة الثانية، حيث سبق حصولى عليها من قبل فى عام 2018 عن ألبوم «البساط السحرى» كما أننى ألفت مقطوعة بعنوان «إنفراج» تعبيرًا عن أملى فى شفاء زوجتى من مرض السرطان، حيث عانت منه لمدة عامين إلا أن القدر حال دون ذلك فرحلت عن الدنيا بعد اثنين وثلاثين عامًا من العشرة الطيبة بيننا.

لذلك يلمس جمهورى فى كل مؤلفاتى الموسيقية أنها تعبر عن حنينى للوطن، وسر إصرارى على مشاركة آلة الربابة فى حفلاتى تعبيرًا عن أصالة موسيقانا أمام الغرب وكنت أحرص أيضاً أن يعمل معى عازف المزمار المتميز سيد الحسينى.

لماذا أعلنت أثناء حفلتك الماضية بالأوبرا أمام الجمهور أنها ستكون حفلتك الأخيرة بها ما جعل البعض يصفها بأنها «حفلة الوداع»؟!

ليست هذه الحفلة هى «حفلة الوداع» كما يصفها البعض ولكنها نقطة ومن أول السطر، لأننى لن أستطيع أن أدفع لموسيقيي فرقتى أجورهم مرة أخرى، لأن الموسيقى ليست عملاً ترفيهيًا ولكن هناك التزامات على هؤلاء الموسيقيين فى حين أن أجر فرقتى منذ تولى الدكتور عبدالمنعم كامل رئاسة الأوبرا لم يتغير حتى الآن ومن ثم فإننى أتحمل أجورهم من جيبى الخاص، وكذلك تكلفة تذاكر الطيران الخاصة بهم كما أننى وافقت المسئولين بالأوبرا على أن نقيم حفلًا داخل أوبرا إسكندرية مجانًا دون أن نتقاضى أى مبلغ مالى عنها ووافقت على ذلك حبًا فى جمهورى بالإسكندرية الذى لم يرنى لمدة ست سنوات مضت، وسعدت جدًا برد فعل الجمهور السكندرى المتذوق لفننا والذى عوضنى خيرًا عن كل هذه الخسائر التى أتكبدها فى كل مرة أتى فيها لمصر، لأننى أمارس بها فنى لكى أقوم بدورى تجاه بلدى فى رفع مستوى الوعى الموسيقى لدى أبنائها، علمًا بأننى أتكبد أيضًا نفقات تأجير أجهزة الصوت الخاصة بكل حفلة لى داخل الأوبرا لكى أضمن جودة الصوت موسيقانا، كما أننى أستعين من خارج الأوبرا بأحد الفنيين لضبط آلة البيانو علمًا بأن ثمن تأجير أجهزة الصوت فقط يتراوح ما بين ثمانين إلى تسعين ألف جنيه فى الحفلة الواحدة فى حين أن مهندس الصوت يجاملنى بحكم صداقتنا، ولذلك قلت لجمهورى خلال الحفلتين الماضيتين إننى لن أستطيع أن أتى إلى مصر مرة أخرى بسبب كل هذه الأمور، ومشكلتى الكبرى ليست مع الأوبرا لأننى موافق أنى أعمل فيها حفلاتى بعشرة صاغ، لكن فى الوقت نفسه لابد أنهم يقفوا بجانبى عند إقامتى لأية حفلة، خاصة لكى أستطيع أن أدفع أجور عازفى فرقتى، وأتمنى أن يوفروا لى مظلة وحماية من قبل وزارة الثقافة للعمل خارج الأوبرا، حيث فوجئت بأن نقابة الموسيقيين تطالب العازفين الألمان بفرقتى عندما شرعنا فى إقامة حفلة خاصة بأن يدفع كلٌ منهم ألف دولار لكى يتم منحهم تصاريح للعمل داخل الحفلة الواحدة.

أتمنى أن تساعدنا الدولة فى تخفيف هذه الأعباء المالية عن كاهل فرقتنا بتوفير حماية لحفلاتنا الخاصة على غرار البروتوكول المبرم بين الأوبرا نقابة الموسيقيين الذى يعفيها من تحمل دفع رسوم تصاريح العمل للعازفين الأجانب فى حال إحيائنا حفلات بها.. لأن فرض كل هذه الرسوم الباهظة علينا اضطرنى إلى تخفيض عدد العازفين الأجانب معى عند مجيئى إلى مصر، لذا ألتمس من الشاعر الكبير الفنان مصطفى كامل نقيب الموسيقيين أن ينظر إلى فرقتنا وكافة الفرق الأخرى المماثلة لنا بعين الرأفة، لأننا لا نستهدف التربح من الفن الذى نقدمه، وإعادة النظر فى هذه الرسوم التى تفرض على العازفين الأجانب لأن فرقتنا تعد جسرًا للتواصل ما بين الثقافات الغربية والشرقية، وأتمنى ألا تؤخذ كلماتى فى هذا الموضوع بمحمل أننى أهاجم أحداً لكن كل مايهمنى هو الصالح العام، كما أتمنى من الدولة أن تصدر قرارًا يلزم كل الفرق الأجنبية التى ترغب فى إحياء حفلاتها فى مصر أن يتم تحصيل نسبة 5 فى المائة من قيمة عقد كل حفلة تحصل لصالح نقابة الموسيقيين والرقابة على المصنفات الفنية والضرائب ممثلة فى خزينة الدولة بدلًا من كل هذه الرسوم التى تتكبدها هذه الفرق، وقد سعدت جدًا عندما تقابلت مع الدكتور أحمد هنو وزير الثقافة، حيث لمست فيه أنه شخصية دءوبة ويدير وزارته بفكر أوروبى مستنير، فتقدمت إليه بمذكرة فى هذا الشأن ووعدنى أن يحاول إيجاد حلول لجميع هذه المشكلات التى تواجهنا خارج أسوار الأوبرا، خاصة أنه تم إلغاء حفل لفرقتى كان من المقرر أن تحييه خلال الشهر الماضى، وهناك حفل آخر خلال هذا العام من المفترض أن نقيمه داخل مصر ومازال مهددًا هو الآخر بالإلغاء بسبب كل هذه الرسوم المبالغ فيها، كما أن وزير الثقافة عرض علىّ أن أُقيم حفلات من خلال هيئة قصور الثقافة داخل ربوع وقرى مصر بالوجه القبلى والوجه البحرى فرحبت بذلك جدًا.

المتصفح لصفحتك على الفيس بوك يجد صورة لك مع الرئيس السيسى فما مناسبة هذا اللقاء؟! وما الحوار الذى دار بينكما؟

فوجئت برسالة جاءتنى على البريد الإلكترونى الخاص بى من الرئيس الألمانى، حيث وقع اختياره علىّ لكى أكون ضمن الوفد الرسمى المرافق له أثناء زيارته لمصر والتى تعد الزيارة الأولى لرئيس ألمانيا بعد خمسة وعشرين عامًا، ظننت فى بادئ الأمر أن أحدًا يمزح معى فحذفت هذه الرسالة من بريدى الإلكترونى ولم أرد عليها، إلا أننى وجدت السفير الألمانى بالقاهرة يطلب منى الرد على رسالة الرئيس الألمانى لكى يصطحبنى ضمن الوفد الرسمى المرافق له بالقاهرة والذى ضم رجال الأعمال الألمان والصحافة والإعلام والفنانين الألمان المؤثرين داخل المجتمع الألمانى وينحدرون من أصول مصرية، فتم اختيارى ومغنية الأوبرا فاطمة سعيد ومغنى البوب عادل الطويل الذى ظهر فى دويتو غنائى مع «منير» بعنوان «عالم واحد».

وبالفعل تمت هذه الزيارة فى 11 سبتمبر الماضى كأول زيارة لرئيس ألمانيا منذ خمسة وعشرين عامًا، وهذا له دلالاته أمام العالم كله عن مكانة مصر السياسية والإقليمية والعربية، وركبت معه طائرة الرئاسة الألمانية من مطار برلين الحربى كعضو ضمن الوفد الرسمى الألمانى بوصفى مواطنًا ألمانيًا من أصل مصرى وحضرت كل الاجتماعات واللقاءات، ودُعينا إلى مأدبة غداء فى قصر الاتحادية وأثناء مصافحتى للرئيس السيسى قدمنى له الرئيس الألمانى بأننى من أهم الموسيقيين المصريين داخل ألمانيا وكان من المفترض أننى أقف عند مسافة معينة أثناء مصافحتى للرئيس السيسى، إلا أننى فوجئت به يقترب منى ويرحب بى بكل ود وحب.

وسألنى عن عملى بألمانيا، فقلت للرئيس السيسى إننى عبارة عن نصفين مصرى وألمانى فوجدته يقول لى «أنا عايز النصين دول هنا»، وطلب منى أن أقوم بزيارة المسارح داخل العاصمة الإدارية الجديدة لكى أُقيم حفلات فى مصر وشجعنى جدًا وقال لى إننا فخورون بك، وبالفعل تمت دعوتى لزيارة العاصمة الإدارية وقد انبهرت وشعرت بالفخر أثناء زيارتى لمدينة الثقافة والفنون بالعاصمة الإدارية الجديد حيث زورت الأوبرا الجديدة بمسارحها الثلاثة الكبير والصغير والمكشوف وانبهرت من حجم الإمكانيات والأجهزة والآلات الموسيقية الحديثة الموجودة بها وأجهزة الصوت والإضاءة التى جعلتنى أشعر بأن هذا الصرح الفنى الثقافى يُعد أكبر من كافة مسارح أوبرات العالم الكبرى فى هامبورج وبرلين ودبى وفرنسا وغيرها، فكل هذه المسارح تُعد ثروة فنية وقومية بالإضافة إلى زيارتى إلى متحف داخل العاصمة الإدارية الجديدة.

ولماذا تحرص فى كل مرة تأتى فيها إلى مصر بأن تقيم داخل شقتك بالزيتون وتتناول الأكلات الشعبية مثل الفول بالزيت الحار والكشرى وتجلس على المقهى وتركب التوك توك؟! وهل بالفعل اصطحبت نائب وزير الخارجية الألمانى أثناء ركوبك التوك توك داخل شوارع القاهرة؟!

حرصى على معايشة كل هذه الأمور عندما آتى إلى القاهرة لأننى أستلهم منها موسيقاى المصرية، فلو لم أعش داخل شقتى فى الزيتون وآكل الفول والطعمية والكشرى وأجلس على مقهى شعبى وأركب التوك توك مثل جموع المصريين فإننى سوف أشعر بوجود فجوة بينى وبين ما أألفه من موسيقى أستوحيها من الواقع المصرى، فهذه هى طقوسى التى أمارسها فى كل زياراتى لمصر لكى أستلهم منها الحس المصرى داخل مؤلفاتى الموسيقية، كما أننى حريص على الذهاب إلى الأسواق لشراء متطلبات بيتى لكى ألمس من خلال احتكاكى بالبسطاء ما أستطيع التعبير به عنهم موسيقيًا.

وبالفعل اصطحبت فى إحدى المرات نائب السفير الألمانى أثناء ركوبى التوك توك، حيث كنا نتواجد فى إحدى الورش لتصنيع العود بمنطقة حدائق القبة وكان لدينا موعد مهم، وكنا نرغب فى تناول الغداء، فقلت له إن فى ظل وجود زحام ببعض الشوارع لن نستطيع أن نتحرك إلا من خلال ركوبنا التوك توك، فلقت له إيه رأيك تجرب؟!

فأخبرنى بأنه لم يخض هذه التجربة من قبل، وبالفعل ركبنا التوك توك واستمتع جدًا بهذه التجربة وحكى عنها داخل وزارة الخارجية فى ألمانيا.

وما أحلامك الفنية خلال الفترة القادمة

أهم أحلامى تتلخص فى أملى أن أرى مصر أحسن بلد على مستوى العالم بها ثقافة موسيقية راقية، كما أن حلم حياتى أن أعزف فى حفل افتتاح المتحف المصرى الكبير، حتى لو كنت سأعزف به لمدة خمس دقائق لأن مشاركتى بحفل افتتاحه ستكون أفضل محطة فنية حدثت فى حياتى لأننى دارس مصريات، ومن الممكن أن أقدم معزوفة خاصة بهذا الحفل، علمًا بأننى أعزف ضمن برنامج فرقتى «كايرو ستبس» مقطوعة بعنوان «سانكتوم» مستوحاة من تاريخنا الفرعونى.