رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


مصر فى حاجة إلى خطط استباقية عاجلة بـ«شرق وغرب المتوسط»

25-1-2025 | 20:23


صورة أرشيفية

بقلم: غالي محمد

لا خلاف على أن وقف الحروب فى المنطقة، وتحديدا فى غزة ولبنان من جانب إسرائيل، والاتجاه إلى إعادة الإعمار فى غزة، واستقرار لبنان، وانتهاء عصر الميليشيات، ثم التوقعات باتجاه سوريا إلى الاستقرار أيضا، وانحسار الدور الإيرانى وربما الروسى أيضا؛ سوف يؤدى إلى الكثير من المتغيرات السياسية والاقتصادية فى المنطقة، خاصة مع تولى الرئيس الأمريكى ترامب حكم الولايات المتحدة الأمريكية هذا الأسبوع والذى أعلن عن سياسة أمريكية جديدة لإنتاج الزيت الخام والغاز الطبيعى وتكثيف الاستشكاف والحفر فى الولايات المتحدة الأمريكية لتكون أكبر مُصدر فى العالم.

وهذا يعنى أن تتجه هذه الدول إلى إعداد المزيد من الخطط والتنمية الاقتصادية بما فيها إسرائيل التى سوف تسعى إلى تعويض الكثير من الخسائر والعمل على النهوض بالاقتصاد الإسرائيلى وإعادته إلى حالة الأمان، واستعادة المهاجرين الذين تركوا إسرائيل وقت الحرب.

 

وسوف يأتى فى مقدمة هذه الخطط، العمل على الكشف البحثى والاستكشاف للبترول والغاز الطبيعى، خاصة أن كلها تقع على منطقة شرق المتوسط الغنية باحتمالات كبيرة بالغاز الطبيعى، ومعها مصر.

 

وعندما أقول إنه بمجرد أن تهدأ المدافع سوف تنطلق الحفارات العملاقة، إلى منطقة شرق المتوسط، لحفر الكثير من الآبار فى المياه العميقة بشرق المتوسط، والتى توقفت بسبب الحرب منذ 7 أكتوبر 2023.

 

وبالطبع، لن تقف تركيا فى موقف المتفرج؛ ومن ثم جاءت صدمة تصريحات الرئيس التركى أردوغان، قبل بدء تنفيذ وقف إطلاق النار فى غزة بيوم واحد، ليعلن أنه على استعداد للعمل مع إسرائيل للبحث عن البترول والغاز الطبيعى فى شرق المتوسط، إضافة إلى استعداده لزيارة إسرائيل، شريطة أن يقوم رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو بزيارة أنقرة أولا.

 

تلك التطورات، تشير إلى أن لبنان الذى يمتلك احتياطيات قوية للغاز الطبيعى فى المياه الاقتصادية اللبنانية فى شرق المتوسط سوف يدعو عاجلا الشركات العالمية لاستئناف عمليات الحفر لتحقيق اكتشافات من الغاز الطبيعى، رغم أنه سبق أن تم الحفر قبل الحرب، وكانت النتائج سلبية.

 

كذلك سوف تفعل سوريا، التى تمتلك احتياطيات كبيرة أيضا فى المياه الاقتصادية لها بشرق المتوسط، سواء بمعرفة شركات عالمية أو شركات روسية، وإن كانت سوريا تمتلك احتياطيات أكبر من الزيت الخام والغاز الطبيعى فى المواقع البرية، مثل العراق تماما.

 

أما إسرائيل، فلن تنتظر لتحقيق المزيد من الاكتشافات الكبيرة للغاز الطبيعى فى شرق المتوسط بمعرفة الشركات الأمريكية، دون انتظار للتصريحات السياسية للرئيس التركى أردوغان، الذى أطلق هذا التصريح، بأنه على استعداد للعمل مع إسرائيل فى البحث عن الغاز الطبيعى فى شرق المتوسط، والذى أعتقد أن هذا التصريح ما هو إلى رسائل إلى قبرص، بأن تركيا لن تغيب بأى شكل من الأشكال عن شرق المتوسط، حتى لو لم يتم حسم مشكلة ترسيم الحدود فى شرق المتوسط مع قبرص واليونان، ولا سيما أن الأيام القادمة سوف تشهد عمليات حفر كبيرة للبحث عن الغاز الطبيعى فى المياه الاقتصادية القبرصية، بمعرفة الحفار العملاق الذى كان يعمل فى المياه الاقتصادية المصرية بشرق المتوسط، والذى حقق كشفًا مهمًا بمعرفة شركة إكسون الأمريكية فى حقل «نفرتارى»، ومن المتوقع بعد تقييمه أن يحقق كشفًا تصل احتياطياته إلى ما بين 5.4 تريليون كأول كشف مصرى عن الغاز الطبيعى فى هذه المنطقة، وهناك توقعات محدودة أن تحقق قبرص كشفًا كبيرًا لديها بمعرفة شركة إكسون الأمريكية أيضا.

 

لكن ماذا يعنى كل هذا بالنسبة لمصر؟

 

الأمر المؤكد أن هذا يحتم على الدولة المصرية أن تستعد لتلك المتغيرات بخطط استباقية ودون انتظار لتكثيف البحث والحفر فى منطقة شرق المتوسط بصفة خاصة، بخلاف الخطط التقليدية التى تعمل بها وزارة البترول لأننا إزاء متغيرات قوية سوف تحدث فى منطقة شرق المتوسط ذات الاحتمالات القوية جدا من الغاز الطبيعى، ولا يكون الهدف صغيرا، عند حدود استئناف شركة «إينى» الإيطالية فى حفر بئرين فى حقل ظهر، خلال شهر يناير الذى أوشك على الانتهاء، لإضافة 220 مليون قدم من الغاز يوميا.

 

لا يكفى ذلك، لأننا إزاء متغيرات جسيمة، تحتم على الدولة المصرية بكافة أجهزتها، وليس وزارة البترول فقط، لإعداد خطط استباقية وسريعة لجذب أكبر عدد من الشركات العالمية للبحث والاستكشاف عن الغاز الطبيعى فى المياه الاقتصادية المصرية بشرق المتوسط تحديدا، وكذلك غرب المتوسط، وإزالة كافة العقبات من أمام الشركاء الأجانب الذين قد يذهبون للبحث والاستكشاف لدى دول أخرى، تشاركنا فى شرق المتوسط، دون انتظار لمشكلة سداد مستحقات الشركاء الأجانب، التى أرى ألا تتكرر مرة ثانية بأى شكل من الأشكال.

 

نؤكد على أهمية أن تسارع الدولة المصرية، وليس وزارة البترول فقط، إلى إعداد خطط استباقية، ليس فى عمليات البحث والاستكشاف فى منطقة شرق المتوسط فقط، ولكن برؤية استراتيجية واسعة النطاق لقضية الطاقة والمتغيرات السياسية التى تشهدها المنطقة، والتى تتجه نحو الاستقرار.

 

وإن كنت أعتقد أن تكون أول خطوة هى العمل بأقصى سرعة لكسر الجمود الذى أصاب منتدى دول غاز شرق المتوسط بسبب الحرب، لأن هذا يؤكد أهمية الدور المصرى الاستراتيجى فى منطقة شرق المتوسط، ولا سيما أنه قد يجذب إليه دولا جديدة بالمنطقة.

 

ويرتبط بذلك، إعداد رؤية جديدة لكى تكون مصر مركزًا إقليميًا للطاقة وتجارة الغاز، رؤية تعتمد على التحرير لتجارة واستيراد الغاز الطبيعى، سواء المسال أو عبر الأنابيب.

 

وهنا لابد أن يتم الفتح فى هذا المجال للشركات العالمية ليس بهدف توفير الغاز الطبيعى لمحطات الكهرباء التى تحصل عليه بالسعر المدعم أو لغاز المنازل ومحطات تموين السيارات بالغاز الطبيعى، وإنما بهدف توفير الغاز الطبيعى لإقامة مشروعات صناعية عملاقة، اعتمادًا على الموقع الاستراتيجى لمصر، وجذب الشركات العالمية للاستثمار فى مصر.

 

ويمكن أن يجذب ذلك الشركاء الأجانب وغيرهم للمشاركة فى هذه المشروعات التى تنبغى دراستها بدقة.

 

وهذا يحتم أن نطلب من الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء أن يشكّل العديد من اللجان التى تشارك فيها كافة أجهزة الدولة لإعداد الخطط الاستباقية وسط هذه المتغيرات السياسية والعمل على إعداد رؤية جديدة لكى تكون مصر مركزا إقليميا للطاقة وتجارة الغاز من منظور الاعتماد على المشروعات التى تعتمد على تحرير تجارة واستيراد الغاز الطبيعى.

 

وعندما نخاطب رئيس الوزراء فى ذلك لأننا نقرأ الرسائل جيدًا التى وجهها مؤخرا بعد اجتماعه بالمهندس كريم بدوى وزير البترول والثروة المعدنية، والتى يؤكد فيها على أهمية قطاع البترول كقطاع واعد فى توفير الطاقة.

 

لكن أرى أن الأمر فى ضوء هذه المتغيرات السياسية الآن وقبل غد يتجاوز الأرقام التى أعلنها وزير البترول عما تحقق فى ستة أشهر فى إنتاج الزيت الخام والغاز الطبيعى ويؤدى إلى توفير 1.5 مليار دولار، كانت ستذهب للاستيراد.

 

الأمر أكبر من ذلك الآن، لأننا إذا لم تبادر كافة أجهزة الدولة إلى إعداد الخطط الاستباقية لجذب الاستثمارات العالمية فى الطاقة إلى مصر خاصة فى شرق المتوسط سوف تظل الأهداف صغيرة، فى حين سوف يكون السباق خطيرا من كافة الدول التى تقع فى شرق المتوسط فيما بعد وفقًا الحرب فى غزة ولبنان وانحسار الدور الإيراني.

 

وإذا ما تحقق كشف غازى كبير فى قبرص، فقد تعيد قبرص النظر فى الاتفاق مع مصر بشأن نقل الغاز القبرصى إلى محطات الإسالة فى مصر لإعادة التصدير إلى أوربا، وفى هذه الحالة سوف تقوم بالتصدير مباشرة إلى أوروبا، سواء إنشاء محطات لتصدير الغاز مسالا، أو عبر مد أنبوب بحرى.

 

وإذا كنت لن أتوقف كثيرا عما أُثير مؤخرا بشأن إعادة بحث فكرة إنشاء أنبوب من قطر إلى أوروبا عبر تركيا، بعد وقف تصدير الغاز الروسى إلى أوروبا، فهذا ليس بعيدًا مع الاتجاه لاستقرار سوريا، وتنفيذ خطط أمريكا لحصار روسيا اقتصاديًا.

 

وإذا تم هذا الخط مستقبلا، فلا بد أن ندرس آثاره الإيجابية والسلبية على قضية الطاقة وتوفير الغاز الطبيعى مستقبلا فى مصر.

 

ولا أريد أن أتوقف عند هذه النقطة كثيرا لمقال آخر، لأن تلك المتغيرات السياسية ووقف إطلاق النار وتوقع سيادة الاستقرار فى دول شرق المتوسط وعودة الصراع على الغاز فى شرق المتوسط والذى أشار إليه الرئيس أردوغان باستعداده للعمل مع إسرائيل للبحث عن الغاز الطبيعى فى شرق المتوسط؛ سوف يعيد الصراع مرة أخرى على الغاز الطبيعى، وما يتبع ذلك من الصراع على ترسيم الحدود خاصة بين بعض دول المنطقة، والتى ستكون تركيا هى البطل فيها.

 

لا ننكر أهمية الحراك الذى يقوم به المهندس كريم بدوى وزير البترول والثروة المعدنية لتحفيز الشركاء الأجانب على البحث والاستكشاف، سواء من خلال الانتظام فى سداد مستحقات الشركاء الأجانب أو الحوافز وبدء زيادة معدلات الإنتاج، رغم أنه لم يعلن حتى الآن الأرقام الحقيقية لإنتاج الزيت والغاز الطبيعي، لكن هذا لا يمنع أن وزير البترول يتحرك بكثافة فيما نطلق عليه بالدبلوماسية البترولية، ليس مع الشركاء الأجانب فى دفع العمل فى البحث والاستكشاف وأعمال التنمية، ولكن بالعمل على جذب الاستثمارات فى كافة المجالات.

 

وقد وضح ذلك فى المؤتمر الذى شارك فيه بالسعودية للتعدين بتوقيع العديد من الاتفاقيات لجذب بعض الشركات السعودية للعمل مع شركات تنمية للبترول وبتروجيت وإنبي، وهذه الاتفاقيات سوف تؤدى إلى المزيد من المشروعات سواء فى مصر أو خارجها.

 

ورغم تلك الدبلوماسية البترولية، فلا بد أن تتغير أهدافها بأقصى سرعة للتفاعل مع التحديات التى سوف تواجه العمل فى شرق المتوسط، بعد المتغيرات السياسية الأخيرة التى سوف تشهدها المنطقة بعد وقف الحرب والاستعداد لحرب الحفارات وحرب البحث واستكشاف الغاز الطبيعى.