يواصل معرض القاهرة الدولي للكتاب، في دورته الـ 56 فعاليات البرنامج الثقافي لليوم الرابع، حيث استضافت القاعة الدولية تحت شعار«الدبلوماسية الثقافية»، ندوتها الخامسة بعنوان «روسيا: استشراف مستقبل العلاقات الدولية».
وتأتي هذه الندوة لتسلط الضوء على أبعاد العلاقات الثنائية بين البلدين، بحضور سفير جمهورية روسيا الاتحادية في القاهرة «جيروجي بوريسينكو»، وأستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور علي الدين هلال، اللذين قدّما رؤى ثاقبة حول تاريخ ومستقبل هذه العلاقة الاستثنائية.
افتتحت الإعلامية الدكتورة هدى عبد العزيز الندوة بتقديم نبذة تاريخية عن دور مصر الريادي في بناء العلاقات الثقافية والسياسية مع دول العالم عبر العصور.
وركزت على مكانة مصر كجسر للتواصل بين الحضارات، مُذكّرةً بالحضور المصري الدائم في حركة التجارة والتواصل الثقافي عبر العالم القديم.
وبدأ السفير الروسي «جيروجي بوريسينكو» كلمته المكتوبة خصيصاً لهذه المناسبة بتسليط الضوء على تاريخ العلاقات بين مصر وروسيا، مؤكداً أنها من أقوى العلاقات الثنائية التي تربط روسيا بدولة أخرى.
و أكد على أهمية اتفاقية «البريكس» وتأثيرها على مجريات الأمور بين البلدين. أضاف السفير أن هذه العلاقة تمتد لعقود طويلة وتشمل العديد من المجالات، أهمها الاقتصاد، السياسة، والثقافة، و تطرّق إلى أهمية منظمة «البريكس» وتأثيرها الإيجابي على تعزيز العلاقات بين البلدين، مُشدداً على حرص روسيا على دعم مصر في مختلف المجالات.
وأشار السفير «بوريسينكو» إلى الدور المهم الذي يلعبه المركز الثقافي الروسي في القاهرة في توطيد العلاقات الثقافية، حيث يقدم منحاً دراسية لتعليم اللغة الروسية، بالإضافة إلى دورات تدريبية في مجالات متعددة كالباليه والموسيقى والفنون.
وأوضح أن المركز نجح على مدار العقود في دمج الثقافتين المصرية والروسية، مما ساهم في تعزيز التقارب بين الشعبين. كما قامت وزارة الثقافة والمثقفون من البلدين على مدار سنوات طويلة بترجمة متبادلة للأدب الروسي والمصري مما جعل الكثير من الأدباء الروس مشهورين لدى المثقفين المصريين.
وأكد السفير أن المواطنين الروس يأتون إلى مصر للاستمتاع بجمالها وتعلّم اللغة العربية، ما يعكس عمق الروابط الثقافية بين البلدين، كما تحدث عن محبته لمصر وشوارعها واحترامه الكامل لتاريخها، مشيراً إلى أنه سافر إلى أغلب محافظات مصر وأحب الطعام المصري والمقاهي المصرية.
من جانبه، بدأ الدكتور علي الدين هلال كلمته بتوجيه الشكر لوزارة الثقافة وإدارة معرض القاهرة الدولي للكتاب على تنظيم هذه الندوات التي تعزز الحوار الثقافي والدبلوماسي، مؤكداً على علاقته التاريخية مع «الاتحاد السوفيتي» قبل أن يصبح «جمهورية روسيا».
وأوضح «هلال» أن روسيا تُعد من الدول الرائدة في الثقافة والفنون، مُشيراً إلى العلاقات التي تربط مصر وروسيا منذ القرن الخامس عشر. واستعرض خلال كلمته بعض المحطات التاريخية البارزة التي تؤكد عمق هذه العلاقات.
تحدث «هلال» عن دور محمد علي باشا، الذي أرسل بعثات تعليمية إلى روسيا لدراسة أحدث أساليب التعدين واستخراج الذهب، مشيراً إلى أن القيصر الروسي قدّم دعماً كبيراً لهذه البعثات.
كما أشار إلى دور الشيخ محمد عياد الطنطاوي، الذي ذهب إلى أكاديمية "بطرسبورج" الروسية لتدريس اللغة العربية، وكتب العديد من الكتب التي وثّقت الحياة الروسية من منظور مصري.
و تناول «هلال» الدور الذي لعبته روسيا في دعم مصر سياسياً، خاصة خلال العدوان الثلاثي عام 1956، حيث قدمت أحدث الأسلحة وساهمت في بناء السد العالي. وأضاف أن العلاقات بين البلدين استمرت في التطور لتشمل التعاون في مجالات عديدة مثل التعليم والفنون، مُبرزا أهمية منظمة «البريكس» التي تجمع بين مصر وروسيا وعدد من الدول الأخرى، والتي تُعد منصة للتعاون الاقتصادي والتكنولوجي المتقدم.
وأكد «هلال» في ختام حديثه أن السياسة الخارجية لمصر تقوم على تحقيق المصالح الوطنية دون الانحياز لطرف على حساب آخر، مشيراً إلى أن تعزيز العلاقات مع روسيا لا يتعارض مع مصالح مصر مع الدول الأخرى.
اختُتمت الندوة بنقاشات مثمرة حول آفاق العلاقات المصرية الروسية، حيث أكد الحضور على ضرورة تعزيز التعاون المشترك بين البلدين في المستقبل. وخرجت الندوة بعدة توصيات، أهمها استمرار تعزيز التبادل الثقافي من خلال المنح الدراسية وبرامج التدريب، بالإضافة إلى تفعيل الاتفاقيات الاقتصادية التي تخدم المصالح المشتركة.
معرض القاهرة الدولي للكتاب 2025
ويقام معرض القاهرة الدولي للكتاب 2025، الذي تنظمه الهيئة العامة المصرية للكتاب، في الفترة من 23 يناير الجاري حتى 5 فبراير المقبل بمركز مصر للمعارض الدولية بالتجمع الخامس، وأعلن لأول مرة عن ضيفي شرف المعرض في الدورتين 2026، و2027، وهما رومانيا وقطر كما أعلن إطلاق مبادرة المليون كتاب ضمن فعاليات المعرض هذا العام.
ويشهد المعرض استحداثات جديدة لأول مرة ومن بينها جناح مجاني لاتحاد الناشرين الذي تشارك فيه دور النشر الناشئة وذلك بهدف دعم صناعة النشر، بالإضافة إلى استحداث قاعة جديدة لتكون عدد قاعات معرض الكتاب فى دورته الجديدة 6 قاعات بدلًا من 5 قاعات، بالإضافة إلى أجنحه للكتب المخفضة.
ووقع الاختيار على اسم العالم والمفكر الدكتور أحمد مستجير، ليكون شخصية معرض القاهرة الدولي للكتاب، والكاتبة الكبيرة فاطمة المعدول، شخصية معرض كتاب الطفل، وجاء شعار المعرض هذا العام بعنوان «اقرأ.. في البدء كان الكلمة».
وتحل دولة سلطنة عمان ضيف شرف المعرض، وتشارك ببرنامج ثقافي متنوع يعكس التاريخ الثقافي والفكري للسلطنة، ويسلط الضوء على العديد من الجوانب التاريخية والتراثية والفكرية بها.
وتشهد الدورة الحالية نقلة نوعية تستحق التقدير، سواء من حيث التنظيم أو المُشاركة الدولية والمحلية، وتقام الدورة الحالية للمعرض على مساحة 55 ألف متر مربع، بإجمالي مساحة تضم 6 صالات للعرض، ويصل عدد الناشرين والجهات الرسمية المصرية والعربية والأجنبية المشاركة إلى 1345 دار نشر، من 80 دولة من مختلف دول العالم، كما يبلغ عدد العارضين 6150 عارضًا هذا العام، يعرضون تنوعًا ثريًا من الإصدارات الأدبية والفكرية.
ويضم البرنامج الثقافي للمعرض ما يقرب من الـ600 فعالية متنوعة تشمل ندوات أدبية وحوارات فكرية وعروضًا فنية، بمشاركة نخبة من المفكرين والمبدعين من مختلف أنحاء العالم.
ويُعد معرض القاهرة الدولي للكتاب من أكبر معارض الكتاب في الشرق الأوسط، وفي عام 2006 اعتبر ثاني أكبر معرض بعد معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، زار المعرض في دورته السايقة الـ55 4,785,539 زائر.
انطلق المعرض لأول مرة في عام 1969م، حينما كانت القاهرة تحتفل بعيدها الألفي، فقرر وزير الثقافة آنذاك ثروت عكاشة الاحتفال بالعيد ثقافيًا، فعهد إلى الكاتبة والباحثة الراحلة سهير القلماوي بالإشراف على إقامة أول معرض للكتاب في مصر.
وأوضح أن ريادة مصر تعتمد في جوهرها على العلم والمعرفة وموقعها المتميز كمركز للثقافة والفكر، ومن هنا تأتي الدعوة لكل فئات الشعب المصري لتوجيه طاقاتهم نحو القراءة والتعمق في المعرفة، لتنوير العقول والاستفادة من ثمار الفكر الإنساني.