رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


حظر "الأونروا".. إسرائيل تقتل الشاهد الأخير بالحق الفلسطيني

31-1-2025 | 11:30


إحدى مقرات الأونروا المدمرة في غزة

محمود غانم

مع الساعات الأولى من صباح الخميس، دخل القرار الإسرائيلي الذي صدر في نهاية أكتوبر الماضي بحظر عمل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" حيز التنفيذ، منهيًا بذلك عمل المنظمة الأممية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك غلق مكاتبها وأي حسابات مصرفية لها في الداخل العبري.

و"الأونروا"، ليست مجرد وكالة أممية، بل إن وجودها يعبر عن مأساة الشعب الفلسطيني الذي أخرج من دياره جراء جرائم العصابات الصهيونية، التي تجمعت من أنحاء شتى لتسكن تلك الأرض بغير حق، بغية إقامة ما يُعرف بـ"إسرائيل" على أنقاض الشعب الفلسطيني، فـ"الأونروا" بمثابة مفتاح العودة لهذا الشعب العربي.

وجاء تأسيس "الأونروا" في أعقاب "النكبة الفلسطينية" التي وقعت في عام 1948، وتحديدًا في العام التالي، لتضمد جراح الشعب الفلسطيني، حيث يعبر وجودها عن وجوب حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، وفق أحكام القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وهذا ما يُفسر السعي الدؤوب من قبل إسرائيل لإنهاء وجود تلك المؤسسة الأممية.

ومنذ تأسيسها، كانت "الأونروا" بمثابة حجر الزاوية في حياة اللاجئين الفلسطينيين، حيث قدمت لهم الخدمات المتصلة بالتعليم والرعاية الصحية والإغاثة والخدمات الاجتماعية والبنية الأساسية للمخيمات والتمويل الأصغر والمساعدات الطارئة.

وحاليًا، تنشط الوكالة الأممية في خمس مناطق رئيسية، وهي: قطاع غزة، والضفة الغربية، والأردن، وسوريا ولبنان، وبهذا تخدم الحين قرابة 5.9 ملايين فلسطيني، بحسب معطياتها الرسمية.

"الأونروا" في مواجهة الحظر

أقر "الكنيست" الإسرائيلي بشكل نهائي، في الـ28 من أكتوبر الماضي، حظر نشاط "الأونروا" في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بزعم أن موظفيها أسهموا في عملية "طوفان الأقصى" التي شنتها الفصائل الفلسطينية في السابع من أكتوبر 2023، وهو ما ثبت عدم صحته.

وبحسب ما أقره "الكنيست"، فإنه يوقف نشاط "الأونروا" في القدس الشرقية، وتُنقل صلاحياتها إلى مسؤولية إسرائيل وسيطرتها، ويقضي كذلك بإلغاء اتفاقية عام 1967 التي سمحت للوكالة بالعمل في إسرائيل، ومن ثم تتوقف أنشطة الوكالة في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، ويحظر أي اتصال بين المسؤولين الإسرائيليين وموظفيها.

والأراضي الفلسطينية المحتلة، هي التي احتلتها إسرائيل في حرب يونيو عام 1967، وتشمل:"الضفة الغربية، قطاع غزة، القدس الشرقية"، وبموجب قرارات محكمة "العدل الدولية"، فإن وجود إسرائيل في تلك الأراضي غير قانوني، وأنها ملزمة بإنهاء وجودها فيها بأسرع وقت ممكن.

وتشرح "الأونروا" تداعيات القرار، فتقول "إذا ما تم تنفيذ القرار الإسرائيلي، سنمنع من العمل في الأرض الفلسطينية المحتلة، إن هذا جزء من جهود أوسع نطاقًا لطمس التاريخ والهوية الفلسطينية".

ولمواجهة تلك التداعيات، تطالب "الأونروا" بتدخل حاسم من أجل دعم السلم والاستقرار في الأراضي الفلسطينية ومواجهة تشريعات "الكنيست" الإسرائيلي، والتأكيد على مسار سياسي يحدد دور الوكالة في تقديم خدماتها.

بدورها، اعتبرت السلطة الفلسطينية، قرار الاحتلال الإسرائيلي بوقف عمل "الأونروا" مرفوض ومدان، ويشكل استفزازًا لشعبنا، ومخالف لقرارات الأمم المتحدة التي أُنشئت بموجبها الوكالة.

وشددت على أن القرار يتحدى الشرعية الدولية، وسيسهم في رفع التصعيد والتوتر في المنطقة جراء مسه بالخدمات التي تقدمها الوكالة لحوالي ستة ملايين لاجئ فلسطيني داخل المخيمات.

وفي غضون ذلك، أكد خبراء على أن القرار الإسرائيلي بحظر عمل "الأونروا" يمثل انتهاكًا صارخًا لحقوق اللاجئين الفلسطينيين المحفوظة بموجب قرارات الشرعية الدولية، حيث يأتي ذلك في إطار محاولات عبرية تستهدف التنصل من قضية اللاجئين وما يترتب عليها من تبعات ومسؤوليات قانونية.

وشدد الخبراء في حديثهم لـ"دار الهلال"، على أن القرار الإسرائيلي يفتقر إلى أي أساس قانوني سليم، وإنما جاء جراء الغطاء السياسي والدبلوماسي، الذي تحظى به "تل أبيب" من "واشنطن".

ونوه الخبراء إلى أن من شأن القرار أن يضاعف من معاناة اللاجئين الفلسطينيين المسلوبة حقوقهم، وذلك نظرًا لأن "الأونروا" بمثابة العمود الفقري للعمليات الإغاثية المقدمة للشعب الفلسطيني.

ومن جهته، يرى الدكتور أيمن سلامة، أستاذ القانون الدولي، أن القرار الإسرائيلي بحظر وكالة "الأونروا" تسبب في إثارة جدل قانوني مهم على المستوى الدولي، خصوصًا فيما يتعلق بالتزامات إسرائيل بموجب القانون الدولي والاتفاقات التي أبرمتها مع الأمم المتحدة.

وأشار "سلامة" في حديثه لـ"دار الهلال" إلى أن "الأونروا"، هي وكالة متخصصة تابعة للأمم المتحدة، وتم إنشاؤها بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 302 (د-4) عام 1949، موضحًا أنها تعمل بناءً على اتفاقات معينة مع الدول المضيفة، بما في ذلك إسرائيل، والتي تعترف بـ"الأونروا" ككيان مستقل وفقًا لنظام الأمم المتحدة.

ومن الناحية القانونية، يقول إن القرار الإسرائيلي بحظر "الأونروا" يشكل مخالفة لمبادئ القانون الدولي وحقوق الوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة.

وأوضح أن الأمم المتحدة من خلال وكالاتها تتمتع بحصانات محددة بموجب الاتفاقات الدولية، مثل اتفاقية الحصانات والامتيازات الممنوحة لها ووكالاتها، موضحًا أن هذا يشمل الحماية من التدخلات السيادية من الدول الأعضاء، بما في ذلك حظر الأنشطة الإنسانية التي تقوم بها الوكالات الدولية.

وبناء عليه، يؤكد أستاذ القانون الدولي، أن أي محاولة من إسرائيل للتدخل في عمل "الأونروا"، سواء كان ذلك عبر الحظر أو تحدي عملها، قد يعتبر انتهاكًا لهذه الحصانات ويخالف الاتفاقات المبرمة بين إسرائيل والأمم المتحدة.

وفي هذا السياق، يحق للدول الأعضاء في الأمم المتحدة أن تتخذ تدابير وإجراءات دبلوماسية أو قانونية مضادة ضد إسرائيل لمطالبتها باحترام التزاماتها الدولية، بحسب أستاذ القانون الدولي.

أما فيما يتعلق بالتشريعات والقرارات الداخلية الإسرائيلية، فيوضح أنه لا يجوز لتشريعات محلية أن تنتهك التزامات الدولة بموجب القانون الدولي، ففي حالة وجود تعارض بين التشريع الداخلي والقانون الدولي، تسود الالتزامات الدولية على التشريعات المحلية، وذلك وفقًا للمبادئ العامة للقانون الدولي، وعليه، فإن القرار الإسرائيلي بحظر "الأونروا" لا يستند إلى أساس قانوني سليم.

فيما يؤكد السفير حسين هريدي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، في حديثه لـ"دار الهلال"، أن "الأونروا" تعمل بموجب قرارات صادرة عن الأمم المتحدة، ولذلك فإن القرار الإسرائيلي غير قانوني ويفتقر إلى الشرعية الدولية.

وفي موازة ذلك، يقول الدكتور أمجد شموط، رئيس المركز العربي لحقوق الإنسان، إن قرار ما وصفه بـ"الكيان الإسرائيلي الغاصب" بحظر "الأونروا" ليس ببعيد ولا بغريب، حيث إنه دأب على ألا يرضخ لقرارات الشرعية الدولية واحترام الأسرة الدولية والمجتمع الدولي.

وأضاف "شموط" في حديثه لـ"دار الهلال"، أن الاحتلال الإسرائيلي حاول مرارًا وتكرارًا طمس الهوية الفلسطينية عبر إلغاء منظمة "الأونروا"، مشيرًا إلى أنه عمد إلى اتهامها باستمرار وشكك في جهودها الإنسانية.

وأوضح أن منظمة "الأونروا" بطبيعة الحال تمثل الهوية الفلسطينية، خاصة فيما يتعلق بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم والعودة، حيث إنها تأسست كوكالة أممية بموجب قرارات صادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة.

ولفت إلى أن إسرائيل، وهي القوة القائمة بـ"الاحتلال" تحاول التنصل من هذا الدور، الذي تقوم به الوكالة الأممية من خلال اتهامها والتشكيك في دورها، وذلك في سبيل التحلل من الالتزامات الإنسانية المقدمة للشعب الفلسطيني، سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة.

وفي هذا السياق، يشير الناشط الحقوقي، إلى أن حرب الإبادة الإسرائيلية التي نفذت ضد المدنيين العزل في قطاع غزة، بما شملته من تدمير للبنى التحتية والمنازل السكنية، لأكبر دليل على غطرسة وهمجية هذا "الاحتلال" وعدم التزامه بقرارات الشرعية الدولية، ولذلك تبقى الجهود الدبلوماسية والعربية، هي "نافذة الأمل" في بقاء تلك المؤسسة الأممية "الرائدة".

تداعيات قرار الحظر

يُنظر إلى "الأونروا" على أنها بمثابة العمود الفقري للعمليات الإغاثية المقدمة للشعب الفلسطيني بشكل عام، وقطاع غزة بشكل خاص، وبالتالي، فإن حظرها يعني مفاقمة الأزمة الإنسانية التي يواجهها الشعب الفلسطيني إلى نحو غير مسبوق.

وأكدت الوكالة الأممية، أن الحظر الإسرائيلي لأنشطتها سيجعل مصير ملايين الفلسطينيين على المحك، كما سيقوض ثقتهم بالمجتمع الدولي، ويعرض أي احتمال للسلام والأمن للخطر.

وفي شأن تداعيات ذلك، يوضح الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية الفلسطيني، أن القرار الإسرائيلي بحظر "الأونروا"، يتعلق بأمرين، أولًا: مصادرة أموال الوكالة، التي قد تدخل عبر البنوك الإسرائيلية، وثانيًا: محدودية حركة موظفيها ومؤسساتها، في المناطق التي تقبع تحت السيطرة الإسرائيلية، خاصة في الضفة الغربية والقدس.

وبالتالي، لن يتبقى للوكالة حرية الحركة إلا تجاه معبر رفح والحدود المصرية الفلسطينية من ناحية قطاع غزة، في حين ستكون هناك محدودية لحركتها في الضفة الغربية والقدس، وذلك وفقًا لما صرح به "الرقب" في حديثه لـ"دار الهلال".

ويؤكد أستاذ العلوم السياسية، أن من شأن ذلك أن يؤثر بشكل بالغ على الخدمات الحيوية التي تقدمها الوكالة الأممية للاجئين الفلسطينيين، والذين يقدر عددهم بنحو ستة ملايين شخص، وبالتالي، ستكون الأمور صعبة عليهم.

يأتي هذا بالإضافة إلى القرار الأمريكي بتعليق تمويل "الأونروا"، مما يعني أن الوضع سيتفاقم أكثر فيما يتعلق بقدرة الوكالة على تقديم الخدمات للفلسطينيين، بحسب ما قاله "الرقب".

ورغم جميع تلك التحديات، تعتزم "الأونروا" من جهتها مواصلة العمل في غزة والضفة الغربية، ومع ذلك، فمن المرجح أن يتسبب الحظر في انهيار أعمال الوكالة، وذلك نظرًا لأن إسرائيل تمثل قوة احتلال، وتسيطر على الأرض والمعابر والنظم المصرفية وعمليات الشراء.

وهو ما يذهب إليه الدكتور عبد المهدي مطاوع، المحلل السياسي الفلسطيني، حيث يقول إن "الأونروا" بعد دخول القرار الإسرائيلي بحظرها حيز التنفيذ باتت في أزمة حقيقية، لأنها ليست فقط عملية تنفيذية، حيث إن هناك موظفين دوليين يحتاجون إلى تأشيرات، كما يحتاجون إلى التنقل بين غزة والضفة الغربية والقدس، حيث مراكز العمل.

وإضافة إلى ذلك، يشير "مطاوع" في حديثه لـ"دار الهلال"، إلى أن هناك الحسابات البنكية والحاجة إلى الشراء وغيره من التفاصيل الكثيرة، ولذلك فبمجرد منعها من العمل وقطع التنسيق مع الإسرائيليين لن يكون لها فرصة في العمل في المناطق التي تخضع لسيطرة الاحتلال.

ونفس الأمر، أكده المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، حيث أفاد بأن الحظر الإسرائيلي جاء ليضمن الشلل التام لعمليات الوكالة في باقي الضفة الغربية وقطاع غزة، وذلك من خلال حظر تواصل السلطات الإسرائيلية مع الوكالة.

ويوضح المرصد -في تقرير صادر في شأن قرار الحظر- أنه من دون التنسيق مع إسرائيل، سيكون من المستحيل أن تتمكن الوكالة من العمل وتنفيذ نشاطاتها، نظرًا للسيطرة الإسرائيلية الشاملة على الأرض الفلسطينية بشكل كامل، وفرض إسرائيل الحواجز العسكرية ونقاط التفتيش في جميع أنحاء الضفة الغربية، واشتراطها الحصول على تصاريح للدخول إلى القدس الشرقية أو العمل فيها، بالإضافة إلى الحصار الخانق المفروض على قطاع غزة.

استهداف متكرر

وخلال فترة العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، والذي استمر لأكثر من 15 شهرًا، رأى الاحتلال في مقرات "الأونروا" مادة خصبة لاستهدافها بشكل متكرر، وفي كل وقت وحين، دون أن يراعي لها أي حرمة أو قدسية على اعتبار أنها مؤسسة أممية، حيث قتل أكثر من 220 شخصًا من موظفيها، فضلًا عن تدمير قرابة ثلثي مرافقها التعليمية والصحية.

وجاء قرار "الحظر" الصادر في نهاية أكتوبر الماضي، كآخر حلقة في سلسة الاستهدافات الإسرائيلية التي طالت المنظمة الأممية، منذ تأسيسها قبل أكثر من سبعة عقود، كجزء من خطه تستهدف تدمير الشعب الفلسطيني ومؤسساته ونظامه التعليمي وتاريخه بصورة منهجية، كما يؤكد الهولندي ليكس تاكينبرج، الذي شغل مناصب عليا مختلفة بالوكالة طوال 31 عامًا.

واستهداف إسرائيل الفج لـ"الأونروا" لم يكن وليد لحظة الحرب على قطاع غزة، بل إن إسرائيل تعمل منذ سنوات على مضايقتها، وهي كذلك من شجعت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ولايته الأولى على قطع التمويل عنها، كما يقول "الرقب".

وأكد أن عجز المجتمع الدولي وعدم مقدرته على كبح جرائم الاحتلال تجاه الشعب الفلسطيني فتح شهية الاحتلال على اتخاذ مثل هذه القرارات، التي تعتبر بمثابة تعد عليه.

بينما يقول السفير حسين هريدي، إن المجتمع الدولي بدوره لم يصمت عن جرائم إسرائيل ضد مقرات "الأونروا" في قطاع غزة، حيث أدانت أكثر من جهة تلك الهجمات، بما فيها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وفي مقابل ذلك، لم تصدر الولايات المتحدة الأمريكية أي إدانات "قاطعة" للهجمات الإسرائيلية غير المبررة ضد "الأونروا"، وفقًا لـ"هريدي"، الذي أوضح أن إسرائيل تعتمد على الغطاء الدبلوماسي والسياسي الأمريكي لتنفيذ جرائمها.

فيما يؤكد المرصد الأورومتوسطي، أن إسرائيل تريد استغلال الصمت الدولي "المشين" على مجمل سياساتها، بالتخلص من "الأونروا" مرة واحدة وللأبد في محاولة لمحو قضية اللاجئين وما يترتب عليها من تبعات ومسؤوليات قانونية.

القضاء على حق العودة

ليس بخفي أن قرار "الحظر" الإسرائيلي يستهدف بشكل صريح القضاء على "حق العودة" للشعب الفلسطيني، حيث تعمل "الأونروا" على حماية الحقوق الفلسطينية إلى أن يتم التوصل إلى "حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين"، الذين يحظون بحق غير قابل للتصرف في العودة إلى وطنهم، وذلك وفقًا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194.

وقد أُقر هذا القرار في عام 1948، ويقضي بحق العودة لـ750 ألف فلسطيني ممن هجرتهم قسرًا خلال النكبة، إلى جانب أحفادهم، ممن يتجاوز عددهم الآن تسعة ملايين لاجئ فلسطيني، غير أن إسرائيل تؤكد من جانبها بشكل متكرر على رفضها هذا القرار.

وبهذا يُعلم، أن السعي الحثيث من قبل إسرائيل لإنهاء وجود "الأونروا" يستهدف بالدرجة الأولى القضاء على "حق العودة" المكفول للشعب الفلسطيني وتوسيع السيطرة الإسرائيلية على جميع الأراضي الفلسطينية، وهو ما يؤكده مراقبون.

حيث يوضح الدكتور أيمن الرقب، أن إسرائيل تحاول من وراء ذلك القرار إلغاء "حق العودة" الذي يتمتع به اللاجئون الفلسطينيون، الذي لا تقبل به عمليًا، كما لا تقبل بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم.

وأضاف أن "الأونروا" بمثابة عنوان على حفظ حقوق اللاجئين الفلسطينيين، حيث إنها لديها سجلات بعددهم وأماكن سُكناهم، وبالتالي، يعتقد الاحتلال أنه من وراء إسقاط هذه المؤسسة الأممية، يسقط الحق الفلسطيني في العودة.

لكنه مخطئ في ذلك، بحسب السياسي الفلسطيني، الذي أكد أن حق العودة غير مرتبط بمؤسسة بعينها، بل مرتبط بالفلسطينيين أنفسهم، الذين يتمسكون بهذا الحق حتى زوال الاحتلال وإقامة دولتهم.

ومن جانبه، أكد الدكتور عبد المهدي مطاوع، أن قرار الحظر "سياسي"، بمعنى أن إسرائيل تريد أن تلغي وجود "الأونروا" وتمنع عملها كمؤسسة باسم "اللاجئين الفلسطينيين"، مشيرًا في السياق ذاته، إلى أن "تل أبيب" تتلاعب عبر القول أنها لن تمنع المساعدات، لأن هناك مؤسسات أممية أخرى، ولكن ليست باسم "الفلسطينيين"، بما يستهدف إلغاء المرجعية السياسية لوجود مؤسسة للاجئين الفلسطينيين تشهد على نكبة عام 1948، وما لحقها من أحداث.

وأضاف "مطاوع"، أن "الأونروا" تأسست للاجئين الفلسطينيين، وليس للاجئين بشكل عام، ولذلك فإن الخلفية السياسية تؤكد رمزية عودة اللاجئين الفلسطينيين، ورمزية سجل قواعد بيانات اللاجئين الفلسطينيين، وأبناؤهم وأحفاهم حتى اليوم، وهذا ما تستهدفه إسرائيل، بهدف إلغاء حق العودة.

وفي سياق متصل، يلفت المرصد الأورومتوسطي إلى أن دور "الأونروا" لا يتعلق فقط بتقديم الخدمات، بل برمزيتها ككيان يذكر المجتمع الدولي بتحمل مسؤولية حل قضية اللاجئين الفلسطينيين على نحو عادل ودائم وتوفير الاحتياجات الإنسانية والحماية لهم.

وأضاف أنه وعلى الرغم من تنكر إسرائيل بشكل كامل وقطعي لمسؤوليتها التاريخية والقانونية تجاه اللاجئين الفلسطينيين، بعد أن سببت لهم الويلات على مدار أكثر من سبعة عقود، ومحاولتها المستمرة للقضاء على "الأونروا"، إلا أن ذلك لم ولن يمس الوضع القانوني للاجئين الفلسطينيين الذي يكفله لهم القانون الدولي.

وللحيلولة دون ذلك، يدعو الدكتور أمجد شموط إلى تضافر الجهود العربية والدولية، بما فيها الغربية الداعمة للحق الفلسطيني في تقرير المصير، للتضامن مع شعب هذا البلد العربي.

وشدد على أن الوضع يحتاج إلى تدخل الجامعة العربية لتثبيت هذه المنظمة الأممية، بما يضمن استمرار عملها في تقديم الإغاثة والجهود الإنسانية، بالإضافة إلى حشد الجهود الدبلوماسية العربية في هذا الإطار، سواء من قبل مصر والأردن بصفتهما داعمين بشكل مستمر لدور هذه المؤسسة الأممية.

وجدد "شموط" تأكيده على أن "الكيان الإسرائيلي الغاصب" يحاول باستمرار التنصل من التزاماته الدولية، حيث صدر ما يزيد على 100 قرار عن الأمم المتحدة داعمة ومساندة لحق تقرير المصير الذي يحظى به الشعب الفلسطيني، ومع ذلك، يواصل "الاحتلال" عدم الامتثال لتلك القرارات.

خلق بديل لـ"الأونروا"

عقب قرار الحظر الإسرائيلي لـ"الأونروا"، قالت الأمم في رسالة اطلعت عليها وكالة "رويترز" للأنباء، إنها لا تتحمل أي مسؤولية عن إيجاد بديل لعمليات الوكالة في غزة والضفة الغربية، موضحة أن هذه المشكلة تقع على عاتق إسرائيل بوصفها قوة احتلال.

ومن المفترض، أن إسرائيل نسقت خلال الفترة التي تلت صدور قرار الحظر مع منظمات دولية أخرى بغرض إيجاد بديل لـ"الأونروا" قبل دخول القرار حيز التنفيذ، بحسب ما جاء في بيان صادر عن وزارة الخارجية الإسرائيلية مطلع نوفمبر الماضي. ورغم دخول قرار الحظر حيز التنفيذ، فإن الإجراءات الإسرائيلية المتخذة في هذا الصدد لم تتضح بعد.

وفي المقابل، تؤكد "الأونروا" أنه لا يمكن استبدالها إلا من خلال دولة فلسطينية فاعلة تعالج محنة لاجئي فلسطين، وهذا يمكن تحقيقه من خلال الإرادة السياسية والدبلوماسية.

وبهذا الخصوص، قال "مطاوع"، إنه خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة لوحظ عمل مؤسسات أخرى إلى جانب "الأونروا" كبرنامج الغذاء العالمي، ومنظمة الصحة العالمية، وفي ظل ذلك هناك توجه وضغط إسرائيلي لتفريغ برامج "الأونروا" إلى المؤسسات المشابهة لها، بحيث أن يتم إلغاء وجود تلك سياسيًا.

وأشار إلى أن "إسرائيل" قامت بالتعاون مع الأمريكان خلال ولاية الرئيس دونالد ترامب الأولى بإلغاء تمويل "الأونروا" بهدف هدمها، ولكن لم يستطيعوا استصدرا قرار من داخل "مجلس الأمن" التابع للأمم المتحدة يقضي بإلغاء وكالة اللاجئين الفلسطينيين، وبالتالي، هم يذهبون إلى حظر عملها داخل الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل.

وأوضح أن ذلك يأتي في ظل استمرار قطع التمويل الأمريكي عن الوكالة، والذي كان يشكل نحو ثلث مواردها، مما يعني أن هناك توجه لإخضاع المؤسسة ومنع عملها في الأراضي الفلسطينية.

ويجزم "الرقب" من جانبه بأنه لا يوجد بديل لـ"الأونروا"، مشيرًا إلى أن إسرائيل تريد بشكل عام أن تشطب الوكالة من الوجود، لأنها بمثابة عنوان للجوء الفلسطيني، لذا فهي في جميع الأحوال لن تعمل على إيجاد وكالة مماثلة لها، وفي مقابل ذلك، فإنها قد تُوجد مؤسسات عادية لتقديم الخدمات للفلسطينيين.

وأشار إلى أن فلسطين طالبت منذ سنوات بأن تُصبح ميزانية الوكالة تابعة للأمم المتحدة، لكن المقترح قوبل بالرفض منها.

ويرى أن إقدام الاحتلال الإسرائيلي على حظر وكالة أممية كـ"الأونروا" قد يفتح الباب أمامه لاتخاذ قرارات عديدة ضد مؤسسات دولية، مشددًا على أن هناك "خطأً" ترتكبه المؤسسة الدولية بصمتها على تلك القرارات، التي تُعتبر تعديًا عليها.

نحو ثلاثة أشهر كانت فاصلة بين صدور القرار الإسرائيلي بحظر "الأونروا" ودخوله حيز التنفيذ، صباح الخميس الموافق 30 يناير الجاري، لم تدع الوكالة الأممية مناسبة إلا وحذرت فيها من تداعيات هذا القرار، الذي يمثل تعديًا صارخًا على الشرعية الدولية، ويؤثر على حياة ستة ملايين لاجئ فلسطيني داخل المخيمات، ومع ذلك، لم تأبه إسرائيل، وهي السلطة القائمة بالاحتلال، لذلك.

ويمثل قرار حظر "الأونروا" الذي لا يأبه للشرعية الدولية التي تقوم عليها، تأكيدًا آخر على "قانون الغاب" الذي تعمل بموجبه إسرائيل، ويفتح الباب لغيرها كي يحذو حذوها ويطبق ذات المنهج، بشكل يدفع نحو انهيار أسس النظام العالمي.

وإن كانت "الأونروا" رمزًا يعبر عن اللاجئين الفلسطينيين المسلوبة حقوقهم، إلا أن الاحتلال يتوهم أنه من وراء هذا الحظر سيلغي تلك الحقوق، لأنها ستظل محفوظة بموجب القانون الدولي، وقبل ذلك في وجدان الشعب الفلسطيني الذي يمتلك في يديه "مفتاح العودة".