رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


موهبة وجدت من يرعاها

3-2-2025 | 09:47


عبدالقادر شهيب,

حياة أم كلثوم وصعودها لتصير كوكب الشرق وسيدة الغناء العربى يمكن تلخيصها فى عبارة موجزة هى : موهبة وجدت من يرعاها ولذلك نجحت وتألقت وأبدعت وأدخلت الفرحة فى نفوس الملايين. 
وأول من قام برعايتها هو والدها الشيخ إبراهيم السيد البلتاجى إمام ومؤذن مسجد بقرية طماى الزهايرة مركز السنبلاوين بمحافظة الدقهلية.. فهو رغم فقر عائلتها إلا إنه اهتم أن يعلمها القراءة والكتابة وحفظ القران الكريم فى كتاتيب القرية ثم مدرسة الشيخ جمعة بالسنبلاوين، وقام أيضا بتحفيظها  الأناشيد الدينية التى كون فرقة عائلية تغنيها لكسب بعض المال.. وعندما اكتشف حلاوة وطلاوة صوتها  ضمها لفرقته هذه بل بمرور الوقت صارت هى جوهرة فرقته النفيسة التى تثير إعجاب السميعة وكبار القوم فى قريته.. وبذلك وفر لها والدها رعاية مبكرة جدا استمرت طوال حياته.


ولكن مع رعاية والدها كان هناك آخرون لعبوا دورا مهما فى حياتها وأسهموا فى رعاية موهبتها.. وكان فى مقدمة هؤلاء الشيخ زكريا أحمد والشيخ أبو العلا محمد اللذين تعرفت عليهما فى حفل وأعجبا  بصوتها ونجحت فى إقناع  والدها بالانتقال إلى القاهرة للغناء فيها لتجد فرصتها للتألق والإبداع..وبعد الانتقال للقاهرة تولى الشيخ أبوالعلا تعليمها فنون الغناء والموسيقى.. أما فن العزف على العود ففد تولى أمين المهدى تعليمها إياه مع  محمود رحمى، كما تولى توفير فرصة الغناء لها فى بيوت كبار القوم وهو ما أتاح لها إمكانية انتشار سريع.
ثم يأتى الشاعر أحمد رامى الذى منذ أن تعرف عليها أعجب بها وأحبها  وكلف نفسه أمر تعليمها الشعر، تذوقه  وإلقائه، وكان يختار لها. ما تغنيه وكتب لها الكثير من الأغانى التى اشتهرت بها وحققت رواجا كبيرا.
وشاركه فى حبها محمد  القصبجي الذى كون لها أول فرقة موسيقية واختار أن يكون أحد عازفيها  ليظل بالقرب منها كما لحن لها بعض أغانيها أيضا.. وكانت هذه الفرقة نقلة مهمة وبارزة وأساسية  فى حياة أم كلثوم الفنية.
وهكذا.. بالرعاية المبكرة لموهبتها الفذة والرائعة لمعت أم كلثوم وفرضت نفسها على عالم الغناء العربى  كله  وأصبحت سيدته الأولى المتوجة على عرشه، وعاشت أغانيها  حتى الآن. 
وهنا لنا أن نتساءل عن مصير هذه الموهبة الغنائية الفذة لو لم يكتشفها مبكرا والدها ولم يرعاها ولم يهتم بأن تتعلم القراءة والكتابة وتحفظ القران الكريم، وأيضا لم يضمها لفرقته التى ذاع صيتها فى قريته والقرى المجاورة ومركز السنبلاوين كله.
بالطبع كانت هذه الموهبة الفذة قد تم القضاء عليها فى المهد ولم نكن ظفرنا بهذا الصوت الجميل. 
ونتساءل أيضا ماذا لو لم يقنع الشيخ زكريا أحمد والشيخ أبوالعلا  والد أم كلثوم بالانتقال للقاهرة لتقتحم عالم الغناء المصرى، وأيضاً لم يهتم بتعليمها فنون الغناء والموسيقى. 
بالطبع كانت هذه الموهبة ستظل أسيرة قريتها أو فى أحسن تقدير قرى مركز السنبلاوين فقط وضاعت فرصتها فى اقتحام عالم الغناء المصرى والعربى فيما بعد. 
وكذلك ماذا لو لم تظفر أم كلثوم برعاية وتضحيات  أحمد رامى ومحمد القصبجي  
بالطبع لظلت أم كلثوم تغنى بالعقال الأناشيد الدينية وتكسب بعض المال القليل فقط وحرمنا نحن من صوت  شجى جميل استمتع به الملايين داخل وخارج مصر كلها.
خلاصة الأمر أن كل موهبة تحتاج لكى تنجح و تتألق وتصعد لمن يرعاها ومبكرا ويهتم بتنميتها.. فإن الموهبة مثل الألماس يحتاج لمن يصقله ويجهزه كأغلى المجوهرات.. وأم كلثوم وجدت من يرعاها مبكرا وهى طفلة صغيرة رغم أنها نشأت فى أسرة بسيطة وفقيرة ولذلك صارت كوكب الشرق واعتلت عرش الغناء العربى ومازالت رغم انها غادرت دنيانا منذ  منتصف السبعينيات من القرن  الماضى. 
وأعتقد  أن هذه هى مشكلتنا المزمنة مع المواهب العديدة الواعدة فى كل مجالات حياتنا.. الفنية والأدبية والثقافية والرياضية وغيرها.. نحن لدينا مواهب كثيرة ولكننا ندفنها بالإهمال وعدم الاهتمام بها وعدم تقديم الرعاية اللازمة والضرورية لها.. فنحن نرعى مواهبنا مصادفة فقط ولا نكترث بها إلا قليلا وتلك أكبر مشاكلنا.