رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


صاحبة السر

3-2-2025 | 11:14


طه فرغلي

طه فرغلي,

الليالي الحلوة والشوق والمحبة 
من زمان والقلب شايلهم عشانك 
دوق معايا الحب.. دوق 
حبة بحبة من حنان قلبي، اللي طال شوقه لحنانك 

تتنهد الست فتنطلق الآهات من قلوب الأحبة "الله".. إعجاز ليس له مثيل هكذا كانت كل ليالي سيدة الغناء كوكب الشرق "حلوة" منذ بدأت رحلتها من قرية صغيرة بشرق الدلتا "طماي الزهايرة".. كل ليلة من لياليها كانت تنير سماء المحروسة شوقا ومحبة وحنانًا.

تغني الست فتحيل الليل بهجة وسرورًا، تنثر رياحين المحبة، وحلو الكلام، فيطرب السامع أينما كان.

أمام الست الجميع سواسية، محبون، عاشقون، هائمون، غنيًا كان أو فقيرًا، باشا أو خفيرًا، حاكما أو محكوما، الكل في محراب ثومة عاشق مجذوب يهتف من أعماق قلبه "عظمة على عظمة يا ست".

حتى اللحظة ومع دقات الحادية عشرة مساء كل يوم يحين اللقاء مع كوكب الشرق على إذاعة الأغاني من القاهرة، ينطلق صوت المذيع معلنًا: "نسهر الليلة مع كوكب الشرق أم كلثوم تشدو من حديقة الأزبكية أو من مسرح سينما قصر النيل، فتنفرج الأسارير وتبتهج النفوس، وكأن الزمان لم يمر وكأن الست لا تزال تعيش بيننا، -ولماذا وكأن-، فالحقيقة لا مراء أن ثومة تعيش بيننا حقاً تشاركنا أيامنا، جزء من حياتنا، نهارنا وليلنا، نستيقظ على صوتها "يا صباح الخير يا اللى معانا"، ونسهر ليلنا في رحابها "يا مسهرني"، تتقاسم معنا الفرحة، وتهون علينا لحظات الألم والحزن.

تعيش معنا قصص الحب والشوق والمحبة، وحينما تحين لحظة الفراق ترسم لنا الطريق، "الهجر أهون من عذابي في قربك ولا أشوفش يوم أندم عليه وأنا جنبك".

تبث فينا الأمل والعزيمة والإرادة، وتحيي الهمة، وتحمل مشاعل الوطنية والحرية، وهى التي صدحت قبل ثورة يوليو 1952 "وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا" فكانت وقودًا، حرك جموع المصريين ضد الاستعمار.

لم تتغير الست ولم تتبدل مواقفها منذ وطئت قدمها القاهرة وحتى أسلمت الروح إلى بارئها.

لا تزال الست جزءًا أصيلا من حياة كل بيت في مصر، لم تغب بالرحيل، فهي حاضرة متفردة في مكانة عالية لا ينازعها فيها أحد، تتربع على القمة حتى في قلوب الأجيال الجديدة.

رحلت الست عن عالمنا وهي صاحبة سر لم يعرفه أحد، إنه سر الخلود.

تمضي السنون- نصف قرن حتى الآن على رحيلها- وصاحبة السر تعيش بيننا كأنها لم ترحل، تقاسمنا أفراح الحياة وأتراحها، صوتها صديق ليالينا، ننهل من فيض نبعها الصافي الرقراق.

ستعيش بيننا الست أكثر من ألف ليلة وليلة، نهيم بفضل صوتها في سيرة الحب، مع أهل الهوى، وعندما  يرق الحبيب نغنى له "أنت عمري".

نسبح معها في فضاء الكون نرجو عفو الرحمن "دخلنا باب السلام غمر قلوبنا السلام بعفو رب غفور"، ولمَ لا ونحن نهيم معها في سماء الزهد، "عرفت الهوى مذ عرفت هواك وأغلقت قلبي على من عداك، وقمت أناجيك يا من ترى خفايا القلوب ولسنا نراك".

والوطن في قلبها تعلمنا محبته، ودروسها في الانتماء صالحة لكل الأجيال، وهبتها في المجهود الحربي بعد نكسة 1967 ستبقى أبد الدهر درسًا حيًا لكل صاحب رسالة.

"ثومة" لم تكن مجرد مطربة أو مغنية، بل كانت صاحبة رسالة وطنية، بمجرد أن نسمع "وقف الخلق ينظرون جميعًا كيف أبني قواعد المجد وحدي" تشرئب الأعناق وترتفع الهامات شموخا وفخرا وعزا.

لهذا كله السيدة أم كلثوم ليست جملة عابرة في تاريخنا، ولكنها خالدة خلود الأهرامات والنيل في الوجدان المصري والعربي.

كوكب الشرق فعلت ما لم يستطعه كبار الساسة على مر العصور، وحدت الأمة من خليجها إلى محيطها.. ملكة متوجة على عرش قلوب العرب.

سر الخلود صنعته الست، نصف قرن منذ رحيلها في فبراير 1975، ولا تزال صاحبة الحضور الطاغي، وما زلنا حتى اليوم نهتف منفعلين "عظمة على عظمة على عظمة يا ست".

هذه محبة خالصة لصاحبة العصمة كوكب الشرق، عدد خاص من مجلة الهلال العريقة.. في ذكرى نصف قرن على حضورها في قلوبنا رغم الرحيل. عدد مفعم بكلمات العشق للست، اجتمع المحبون بحروف كلماتهم التي كتبت بحبر القلب، يعترفون بخلود الست، واثقين أنه بعد نصف قرن آخر، سيأتي من يبحث أيضا عن سر الخلود.