استضافت القاعة الرئيسية ضمن فعاليات الدورة الـ56 من معرض القاهرة الدولي للكتاب ندوة حول إشكالية الكتابة الروائية باللغتين العربية والفرنسية في التجربة الجزائرية، وكان ضيفها الكاتب الجزائري الدكتور أمين الزاوي.
وأدار الجلسة الكاتب الصحفي سيد محمود، وشاركته في النقاش المترجمة والناقدة والكاتبة أميمة صبحي، التي حاورت الزاوي حول أبرز أعماله الروائية.
في مستهل الندوة، رحب سيد محمود بالحضور قائلًا: «نحن اليوم أمام ندوة مميزة في معرض القاهرة الدولي للكتاب، ونلتقي مع الكاتب والمفكر الدكتور أمين الزاوي، ويسعدني أن تكون معي الكاتبة والمترجمة أميمة صبحي، وهي مفكرة حازت على عدة جوائز، كان آخرها جائزة نجيب ساويرس عن مجموعة قصصية قبل عامين.
كما أشار إلى أن الزاوي يعد أحد أبرز المفكرين والروائيين الجزائريين، حيث تولّى عدة مناصب ثقافية، من بينها إدارة المكتبة الوطنية في الجزائر، إلى جانب إسهاماته في الصحافة عبر مقالاته في صحيفة «إندبندنت »، كما أصدر عدداً من الروايات بالعربية والفرنسية، من أبرزها: الساق فوق الساق، منام القيلولة، والأصنام.
بدورها، عبرت أميمة صبحي عن سعادتها بالحضور، مشيرةً إلى أنها قرأت روايتي منام القيلولة والأصنام للزاوي، اللتين صدرتا عن دار العين في مصر.
وخلال حديثها عن منام القيلولة، أوضحت أن الرواية تتناول هشاشة الإنسان والقوة الكامنة فيه، حيث يخيَّل للقارئ أن الشخصيات مصابة بالجنون، لكن يتضح في النهاية أنها عبقرية، مثل شخصية «العمة مسعودة القارح»، وسألت الزاوي عن طبيعة هذه الشخصية ودورها المحوري في الرواية، إلى جانب شخصية «عبد القادر المخ».
من جانبه، عبر الزاوي عن سعادته بالمشاركة في معرض القاهرة الدولي للكتاب للمرة الأولى، مقدماً شكره لهيئة الكتاب على الدعوة.
وأوضح الزاوي أن شخصية «مسعودة القارح» تجسّد قوة المرأة في هشاشتها، فهي رمز «للقوة الناعمة »، إذ تحمل على عاتقها أعباء التاريخ والجغرافيا، لكنها لا تستسلم. استلهمها من واقع حقيقي، إذ عرف هذه الشخصية منذ طفولته وتابعها باندهاش.
وأضاف أنه في الرواية، تعيش «مسعودة » مأساة خلال الثورة الجزائرية، حيث يُغتال زوجها بتهمة الخيانة، فتنتقم من قاتله وتذبحه أمام ابنها، مما يصيبه بصدمة نفسية، أما الابن الثاني، فهو شخصية عبقرية لكنه يتعرض للقمع الاجتماعي، مما يؤدي إلى إصابته بالجنون لاحقًا، قبل أن يُغتال خلال مواجهته للقوى الإرهابية.،في لحظة مأساوية، يحتفظ الأخ الأكبر بالسكين الذي شهد مقتل الأب، وكأنها أداة لليقظة من الصدمة.
وأشار الزاوي، أن شخصية «حليمة النوري »، ابنة مسعودة، تمثل الجيل الثاني الذي تلقى التعليم، لكن الزاوي يرى أن "التعليم ليس كل شيء، فالحياة تعلّم أكثر من المدرسة »، وتنتقل حليمة من قريتها الجزائرية الصغيرة إلى مدينة أوروبية كبيرة، لتتمكن من التأقلم رغم التحديات، لكنها تظل مثقلة بذكريات شقيقها المجنون، الذي حاول الاعتداء عليها، يصف «الزاوي» هذه الشخصية بأنها امتداد للأم، ولكن وفق معايير أخرى.
وعند سؤاله عن حضوره القوي للعائلة في مؤلفاته، أكد «الزاوي» أن الأسرة تشكل نواة المجتمع، ولا أحد يفلت من سلطتها، وأشار إلى أنه نشأ وسط سبع أخوات كنّ بمثابة «سلطانات»، وأن والده لم يكن يرفع صوته عليهن، ما جعله يؤمن بأن «المرأة تعيش بسلوك أخلاقي راقٍ، لكن في الوقت ذاته بحرية ومسؤولية ».
كما أشار إلى أن والديه عاشا 64 عامًا من الحب والتفاهم، وهو ما رسخ لديه قناعة بأن الأسرة هي المعلم الأول للأخلاق والاحترام.
وتحدث الزاوي عن روايته الأصنام، مسلطًا الضوء على شخصية «حميميد »، الطفل الذي وُلد يوم الانقلاب في الجزائر، لأب كان من مؤيدي الرئيس بن بلة، وأطلق عليه اسم «حميميد» تيمنًا به، حيث يتعرض الأب للاعتقال، ويعيش في زنزانته مع صرصور يصبح رفيقه الوحيد، في سرد يعكس العزلة والانكسار.
كما ناقش شخصية «مهدي»، الشقيق المخنّث الذي يتعرض للنبذ الاجتماعي، في مجتمع يربط بين الظواهر الطبيعية والأيديولوجيات، إذ أُرجع سبب زلزال مدينة الأصنام إلى وجود المخنثين فيها، ما دفع السلطات إلى تغيير اسم المدينة، يُقتل مهدي لاحقًا، لكن شقيقه ينتقم له في نهاية الرواية.
وعن روايته شوينجام «العلكة »، فأوضح الزاوي أنه كتبها بالفرنسية في البداية، وهي واحدة من 15 رواية كتبها بهذه اللغة، وقد تُرجمت أعماله إلى أكثر من 20 لغة. تتناول الرواية إنزال الحلفاء في الجزائر خلال الحرب العالمية الثانية، حيث يعسكر الجنود في قرية جزائرية، ما يؤدي إلى توتر العلاقة بينهم وبين الأهالي.
ومع مرور الوقت، تبدأ العلاقة في التحسن، وتصبح «العلكة» التي يوزعها الجنود على الأطفال رمزًا للتواصل الثقافي، كما تدخل إحدى الفتيات في علاقة حب مع أحد الجنود، و تتحول الرواية إلى مرآة تعكس وعيًا وطنيًا يتشكل في سياق الاحتلال والتفاعل مع الغرب.
وعند سؤاله عن روايته الساق فوق الساق، أشار الزاوي إلى أنه لم يعد يتذكر تفاصيلها بدقة، لكنه أوضح أنها استندت إلى تاريخ الأندلس وعلاقة الجزائر به، من خلال شخصية تنتمي إلى "المورو"، وهم أحفاد المسلمين الذين عاشوا في إسبانيا قبل سقوط الأندلس.
معرض القاهرة الدولي للكتاب 2025
ويقام معرض القاهرة الدولي للكتاب 2025، الذي تنظمه الهيئة العامة المصرية للكتاب، في الفترة من 23 يناير الجاري حتى 5 فبراير المقبل بمركز مصر للمعارض الدولية بالتجمع الخامس، وأعلن لأول مرة عن ضيفي شرف المعرض في الدورتين 2026، و2027، وهما رومانيا وقطر كما أعلن إطلاق مبادرة المليون كتاب ضمن فعاليات المعرض هذا العام.
ويشهد المعرض استحداثات جديدة لأول مرة ومن بينها جناح مجاني لاتحاد الناشرين الذي تشارك فيه دور النشر الناشئة وذلك بهدف دعم صناعة النشر، بالإضافة إلى استحداث قاعة جديدة لتكون عدد قاعات معرض الكتاب فى دورته الجديدة 6 قاعات بدلًا من 5 قاعات، بالإضافة إلى أجنحة للكتب المخفضة.
ووقع الاختيار على اسم العالم والمفكر الدكتور أحمد مستجير، ليكون شخصية معرض القاهرة الدولي للكتاب، والكاتبة الكبيرة فاطمة المعدول، شخصية معرض كتاب الطفل، وجاء شعار المعرض هذا العام بعنوان «اقرأ.. في البدء كان الكلمة».
وتحل دولة سلطنة عمان ضيف شرف المعرض، وتشارك ببرنامج ثقافي متنوع يعكس التاريخ الثقافي والفكري للسلطنة، ويسلط الضوء على العديد من الجوانب التاريخية والتراثية والفكرية بها.
وتشهد الدورة الحالية نقلة نوعية تستحق التقدير، سواء من حيث التنظيم أو المُشاركة الدولية والمحلية، وتقام الدورة الحالية للمعرض على مساحة 55 ألف متر مربع، بإجمالي مساحة تضم 6 صالات للعرض، ويصل عدد الناشرين والجهات الرسمية المصرية والعربية والأجنبية المشاركة إلى 1345 دار نشر، من 80 دولة من مختلف دول العالم، كما يبلغ عدد العارضين 6150 عارضًا هذا العام، يعرضون تنوعًا ثريًا من الإصدارات الأدبية والفكرية.
ويضم البرنامج الثقافي للمعرض ما يقرب من الـ 600 فعالية متنوعة تشمل ندوات أدبية وحوارات فكرية وعروضًا فنية، بمشاركة نخبة من المفكرين والمبدعين من مختلف أنحاء العالم.
ويُعد معرض القاهرة الدولي للكتاب من أكبر معارض الكتاب في الشرق الأوسط، وفي عام 2006 م اعتبر ثاني أكبر معرض بعد معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، زار المعرض في دورته السابقة الـ55 4,785,539 زائر.
وانطلق المعرض لأول مرة في عام 1969م، حينما كانت القاهرة تحتفل بعيدها الألفي، فقرر وزير الثقافة آنذاك ثروت عكاشة الاحتفال بالعيد ثقافيًا، فعهد إلى الكاتبة والباحثة الراحلة سهير القلماوي بالإشراف على إقامة أول معرض للكتاب في مصر.
وأوضح أن ريادة مصر تعتمد في جوهرها على العلم والمعرفة وموقعها المتميز كمركز للثقافة والفكر، ومن هنا تأتي الدعوة لكل فئات الشعب المصري لتوجيه طاقاتهم نحو القراءة والتعمق في المعرفة، لتنوير العقول والاستفادة من ثمار الفكر الإنساني.