رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


مي زيادة.. فراشة الأدب العربي

11-2-2025 | 11:33


مي زيادة

همت مصطفى

في سماء الأدب العربي، حلَّقت فراشة متألقة تنثر نور الفكر، وعبق الحرف، وسحر البيان. لم تكن مجرد كاتبة أو شاعرة، بل كانت روحًا مبدعة تجسدت في كلماتها، وعقلًا متقدًا يشع ثقافةً ومعرفة، إنها مي زيادة، الأديبة التي تميزت بأسلوبها الرقيق، وقلمها البليغ، وفكرها العميق، فأسرت القلوب والعقول بإنتاجها الأدبي الفريد.

في زمنٍ كان الفكر النسائي مقيدًا، كسرت مي القيود، وأثبتت أن المرأة العربية قادرة على اعتلاء عرش الأدب والفكر،  فكانت منارة أضاءت دروب الثقافة بأسلوبها العذب، وندواتها الفكرية، ومراسلاتها الأدبية التي جمعتها بكبار أدباء عصرها.

وكفراشةٍ لم تكتفِ بلونٍ واحد، بل طافت في بساتين الأدب والفلسفة والشعر، ناشرةً الجمال في كل ما خطته أناملها، تاركةً إرثًا خالدًا يشهد على عبقريتها ورهافة حسها.

الميلاد والنشأة

وُلِدت مي زيادة في مدينة الناصرة بفلسطين عام 1886، وكانت الابنة الوحيدة لوالديها بعد وفاة أخيها، مما جعلها تحظى باهتمام خاص. التحقت بدير المدينة للدراسة، ثم واصلت تعليمها في مدرسة راهبات عينطورة بين عامي 1900 و1903، حيث تعرّفت على الأدب الفرنسي.

اهتمت مي بدراسة اللغة العربية إلى جانب تعلّم اللغات الأجنبية، وتميّزت بقدرتها الفريدة على استيعاب مختلف الثقافات. نشرت أولى مقالاتها الأدبية وهي في السادسة عشرة من عمرها، ولم تقتصر اهتماماتها على الأدب، بل امتدت إلى الفنون والموسيقى، حيث تعلمت العزف على البيانو واطلعت على أشعار الصوفيين، كما حفظت الكثير من الشعر الفرنسي.

الانتقال إلى القاهرة

في عام 1908، انتقلت مي مع أسرتها إلى القاهرة، حيث التحقت بالجامعة المصرية عام 1916 لدراسة الفلسفة والآداب، أتقنت عدة لغات منها الفرنسية، الإنجليزية، الإيطالية، والألمانية، وكانت الفرنسية هي الأعمق تأثيرًا في كتاباتها الأولى التي نشرتها في القاهرة. عملت بالتربية والتعليم، ودرّست اللغتين الفرنسية والإنجليزية، كما واصلت دراستها للألمانية والإسبانية والإيطالية، مع تركيز خاص على إتقان اللغة العربية.

 

وبعد تخرج مي زيادة  في كلية الآداب بالقاهرة، وُلِدت لديها فكرة إنشاء صالونها الأدبي، الذي أصبح واحدًا من أهم المحافل الثقافية في مصر. كان يُعقد كل ثلاثاء، واستقطب كبار الأدباء والمفكرين، كما شهد صعود الحركة الفكرية المطالبة بالاستقلال السياسي، والمساواة، وحقوق المرأة. في عام 1913، ألقت مي كلمة جبران خليل جبران نيابةً عنه خلال تكريم الشاعر خليل مطران في بهو الجامعة المصرية، ثم دعت إلى عقد صالون أدبي في منزلها، فحظي بتأييد واسع، وجذب مختلف الفئات، من كبار المفكرين إلى الأدباء الشباب.

إسهاماتها في الصحافة والأدب

تميّزت مي زيادة بإبداعها في الصحافة، حيث نشرت مقالات نقدية واجتماعية في الصحف والمجلات المصرية، منها صحيفة المحروسة، التي خصصت لها بابًا ثابتًا بعنوان «يوميات فتاة»، وكانت توقّع مقالاتها بأسماء مستعارة.

ابتكرت «مي» بابًا جديدًا في صحيفة السياسة الأسبوعية بعنوان «خلية النحل»، الذي يعتمد على تفاعل القرّاء عبر الأسئلة والأجوبة، مما زاد من شعبية الصحيفة بين الشباب، وبعد هذه التجربة، فضّلت الكتابة الحرة، فنشرت مقالاتها في «المقطم، الأهرام، الزهور، المحروسة، الهلال».

مؤلفات فراشة  الأدب 

أما في المجال الأدبي، فقد كان أول أعمالها ديوان «أزاهير حلم» الذي كتبته بالفرنسية عام 1911، ومن أشهر كتبها: «باحثة البادية» 1920م، «كلمات وإشارات» 1922م
«المساواة» 1923م «ظلمات وأشعة» 1923م، «بين الجزر والمد»، «الصحائف» 1924م

كتبت مي زيادة بعدة لغات في الصحف، وتناولت قضايا الثقافة، ونهضة النساء العربيات، واللغة العربية، ونهضة الأمم الشرقية. وساعدها اطلاعها الواسع على الأدب الأوروبي والعربي في تطوير أسلوبها وصياغة أفكارها بأسلوب فصيح وعميق.

تأثيرها الفكري وعلاقتها الأدبية

تأثرت مي زيادة بأسلوب عدد من رواد النهضة الفكرية والأدبية، ومنهم:أحمد لطفي السيد، الذي كان أستاذًا للدكتور طه حسين، خليل مطران، فخري البارودي، خليل مردم، عباس محمود العقاد، توفيق الحكيم، أحمد حسن الزيات، الدكتور أنيس المقدسي.
 

تأثرت مي زيادة بأسلوب جبران خليل جبران في مراسلاتها، وبنثر مصطفى صادق الرافعي المتقن، وأسلوب الشيخ مصطفى عبد الرازق.

 الدفاع عن حقوق المرأة

كان لمي زيادة دور بارز في الدفاع عن حقوق المرأة والمطالبة بالمساواة، مما جعلها من رائدات النهضة النسائية الحديثة، دعت إلى تحرير المرأة ضمن حدود المعقول والمقبول، ورفضت أشكال الاستغلال التي تتعرض لها، في كتابها «المساواة»، تناولت حقوق المرأة بأسلوب عميق، ولم تقتصر دعوتها على المطالبة بالحقوق، بل أكّدت على أهمية إدراك المرأة لواجباتها وتطوير ذاتها لتحقيق استقلالها الحقيقي.

رأت مي أن التعليم والعمل هما مفتاح الحرية؛ فالتعليم يسهم في تثقيف المرأة وتهذيب فكرها وتطوير مواهبها، بينما يمنحها العمل الاستقلال المادي والمعنوي، ليكون لها دور فاعل في المجتمع.


وفي عام 1999م، اختارَت وِزارة الثَّقافة الُّلبنانية مَي زيادة كَشخصية العام الّذي سَيقام حَوله الاحتفال السَّنوي «بيروت، العاصمة الثقافية للعالم العربي».

وختاما ستظل مي زيادة ليست مجرد كاتبة أو أديبة، بل حالة فكرية متفردة أثرت في الأدب العربي وأثرت فيه، رغم حياتها التي شهدت نجاحًا وتألقًا، إلا أن نهايتها كانت مأساوية بعد تعرضها للعزلة والخذلان،  ورغم ذلك، بقي إرثها الأدبي والفكري خالدًا، ليظل اسمها منارة مضيئة في سماء الأدب العربي.

ورحلت مَيّ زيادة  عن عالمنا في مُستشفى المُعادي في 17 أكتوبر 1941م في مَدينة القاهرة عن عمر يُناهز 55 عامًا.