رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


خوفا من «ترامب 2.0» القارة العجوز تعيد ترتيب أوراقها

10-2-2025 | 23:55


خوفا من ترامب 2.0 القارة العجوز تعيد ترتيب أوراقها

تقرير: إيمان السعيد

 

رغم الأزمات المحلية التى تعصف بالقارة العجوز، يبدو أن أوروبا لا تجد مفرًا من توجيه أنظارها نحو واشنطن، فتجربتها الأولى مع ترامب لم تكن سهلة، ما يجعل فكرة «ترامب 2.0»، كما وصفته وسائل الإعلام الغربية، مصدر قلق كبير، خاصة أن القوى التقليدية مثل فرنسا وألمانيا تواجه أزمات سياسية واقتصادية عميقة، بينما يعانى الاتحاد الأوروبى من فجوة تنافسية مقارنة بالصين والولايات المتحدة، فى حين تزداد الخدمات العامة فى بريطانيا تدهورًا. فهل أوروبا، المثقلة بمشاكلها،

يتبنى القادة الأوروبيون أساليب مختلفة للتعامل مع «ترامب»، ويحاول الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون لعب دور الجسر بين أوروبا وإدارته، التى تبدو عازمة على تقسيم الحلفاء التقليديين، كما أن العلاقة بين باريس وواشنطن تواجه تحديات، منها استبعاد ماكرون من حضور حفل تنصيب ترامب، على عكس قادة مثل جورجيا ميلونى وفيكتور أوربان، ورغم ذلك، تحرك ماكرون سريعًا، فهنأ ترامب فور فوزه، واستضافه فى باريس لإعادة افتتاح كاتدرائية نوتردام، حيث رتب أيضًا لقاءً بين ترامب وزيلينسكى. ووفقًا لقصر الإليزيه، يعتقد ماكرون أن «الوقت قد حان أكثر من أى وقت مضى لأوروبا لتأخذ مصيرها بين يديها»، نظرًا للديناميكيات العالمية المتغيرة التى جلبتها عودة ترامب.. وينصب تركيز ماكرون الفورى على حل الحرب فى أوكرانيا ومعالجة قضايا التجارة، وهما المجالان اللذان يعتقد أنهما حاسمان لتعزيز استقلالية أوروبا.

 

وخلف الأبواب المغلقة فى المنتدى الاقتصادى العالمى فى دافوس، أطلق زعماء العالم دعوات عاجلة لأوروبا لإعادة النظر فى استراتيجياتها الاقتصادية والتنظيمية بعد عودة ترامب للبيت الأبيض، كما حث رئيس المجلس الأوروبى السابق، شارل ميشيل، على اتخاذ إجراءات سريعة. وما يزيد الأمور تعقيدا هو أن التجارة والدفاع ليستا قضيتين منفصلتين بالنسبة لترامب وإدارته، فقد رفض مؤخرا استبعاد اتخاذ إجراء اقتصادى أو عسكرى ضد الدنمارك، العضو فى الاتحاد الأوروبى وحلف شمال الأطلسى، إذا لم تسلم الدنمارك إقليم جرينلاند المتمتع بالحكم الذاتى للولايات المتحدة، وحذر جيه دى فانس، نائب الرئيس، من أن الولايات المتحدة قد تسحب دعمها لحلف شمال الأطلسى إذا واصل الاتحاد الأوروبى التحقيق فى شركة إكس، المملوكة لرجل ترامب الذهبى إيلون ماسك.، وأمام هذه التحديات، تحتاج أوروبا إلى سياسات أكثر فاعلية للتعامل مع «ترامب 2.0» خاصة بعد تصريحاته بفرض تعريفات جمركية على السلع الأوربية.

 

وفى تصريحات لـ«المصور»، أشار الدكتور قويدر شيشى توفيق، الكاتب الصحفى والباحث فى العلاقات الدولية، إلى أن قدوم ترامب إلى الرئاسة مرة أخرى سيعقد العلاقة بين أوروبا والولايات المتحدة بشكل كبير، خاصة بسبب تجربته السابقة التى أحدثت صدمة فى العلاقات بين الطرفين وأثرت سلبًا على مستوى الثقة. والآن، على الاتحاد الأوروبى العمل على وضع استراتيجيات واضحة لتجنب الوقوع فى نفس المأزق الذى عاشه خلال فترة ولايته الأولى.

 

فمن الناحية الأمنية، على الاتحاد الأوروبى التحرر من الاعتماد المفرط على الولايات المتحدة، خاصة فى ظل تهديدات ترامب السابقة بالانسحاب من حلف الناتو ودفع الدول الأوروبية إلى زيادة الإنفاق العسكرى. لذلك، يجب على الاتحاد السعى لإنشاء جيش أوروبى مستقل قادر على الدفاع عن نفسه خارج إطار الناتو. وقد كانت هذه الفكرة مطلبًا لكل من ماكرون وميركل وشولتس، لكنها لم ترَ النور بعد بسبب ضعف البنية التحتية العسكرية فى معظم الدول الأوروبية، باستثناء الدول المصنعة للأسلحة كفرنسا وألمانيا. أما الاستراتيجية الثانية فتتمثل فى تقليل الاعتماد على الدعم المالى الأمريكى للناتو وينبغى على الاتحاد الأوروبى أيضًا تقليص الدعم المادى والعسكرى المقدم إلى أوكرانيا لإعادة توجيه الموارد نحو تعزيز استقلاله العسكرى.

 

من الجانب السياسى، على الاتحاد الأوروبى التعامل بمرونة مع ترامب وتجنب المواجهة المباشرة، لا سيما فيما يتعلق بقضية المناخ حيث يعارض ترامب اتفاقية باريس للمناخ بحجة أنها تفرض عبئًا ماليًا على الولايات المتحدة لصالح دول يراها «فاسدة»، وهنا يجب على قادة الاتحاد الأوروبى شرح أهمية التعاون المناخى بأسلوب علمى بعيد عن الخطاب التجارى، خاصة أن ترامب يفكر بعقلية رجل الأعمال. من الأمثلة التى يمكن الاستشهاد بها: التغيرات المناخية الأخيرة مثل حرائق كاليفورنيا.

 

قويدر، أضاف أن قادة الاتحاد الأوروبى يجب أن يكونوا أكثر براجماتية فى تعاملهم مع ترامب، متجنبين سياسة التصادم. والاستراتيجية الأهم هنا هى الإقناع والتنازل بقدر مدروس. كما حذر من تصاعد الشعوبية فى أوروبا، التى تعززها سياسات ترامب وفلسفته. حيث أدى صعود ترامب الى السلطة فى 2016 إلى ظهور «نسخ» من ترامب فى تشيكيا، والنمسا، وألمانيا، وإيطاليا. لذا، على الاتحاد الأوروبى اتخاذ الحذر من تغلغل هذه الحركات فى الداخل الأوروبى.

 

وحول كيفية الحفاظ على وحدة الاتحاد الأوروبى فى عهد ترامب، أشار قويدر، إلى أن ترامب يُظهر عداءً واضحًا لكل أشكال التكتلات الدولية، بما فيها الأمم المتحدة، التى يرى أنها أصبحت كيانًا عديم الفاعلية، وأنها تأسست لحل مشاكل الحرب الباردة وانتهى دورها. فبالنسبة لترامب الحل الأمثل للمشاكل العالمية يكمن فى تفكيك هذه التكتلات، بما فيها الاتحاد الأوروبى، حيث يفضل التعامل مع الدول بشكل فردى بدلًا من التعامل معها ككيان موحد. ويرى قويدر، أنه على الاتحاد الأوروبى تعزيز نهج الوحدة والتماسك الداخلى، لأن استمرار التكتل هو القوة الحقيقية التى يمكن أن تواجه ترامب أو غيره. ومع ذلك، يتطلب الحفاظ على هذا التماسك تقديم تنازلات مدروسة بين الدول الأعضاء. كما يجب أيضًا تجنب إبرام صفقات منفردة مع الولايات المتحدة، لأن ذلك قد يهدد وحدة الاتحاد ويضعفه أمام السياسات الانفرادية التى يفضلها ترامب. باختصار، النجاح فى مواجهة «ترامب 2.0» يتطلب من الاتحاد الأوروبى تبنى مقاربة متوازنة تجمع بين تعزيز التماسك الداخلى والمرونة السياسية، مع التركيز على الاستقلالية الاقتصادية والعسكرية لتقليل الاعتماد على واشنطن.