رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


السيرة الذاتية مخبوءة فى الصدور (٢) «خواء العالم من حولى زادنى وحشة»

11-2-2025 | 12:29


السيرة الذاتية مخبوءة فى الصدور (٢) خواء العالم من حولى زادنى وحشة

على هامش معرض القاهرة الدولى للكتاب، ذهبت باحثا عن جديد المذكرات والسير الذاتية مدفوعا بأصداء السيرة الذاتية لأديب نوبل، طيب الذكر «نجيب محفوظ».

 

بحثت عما يروى غلتى لسيرة حقيقية لإنسان حقيقى يروى ما تيسر من سيرته الذاتية دون كذب أو تجمل، دون خجل أو وجل، سيرة عادية لا تتخفى وراء كنايات لغوية، سيرة شفافة فيها ما فيها من توفيق وإخفاق، وحب وكراهية، ووفاء وخيانات، سيرة بشرية، والقاعدة النبوية الشريفة تقول: «كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون».

عُدت بخفىّ حنين، لجأت إلى مكتبتى المتواضعة أراجع ما تحويه من سير ومذكرات صدرت وكانت ملهمة يقينا.. وهذه هوامش شحيحة على متون بعضها..

 

¿ ¿ ¿

 

فى إحدى قرى البحيرة عاش د. يحيى الجمل طفولته فى حضن جدته التى ربته حتى تخفف على ابنتها معاناة تربية الأطفال والبيت. إنها الجدة التى كان رحيلها علامة فارقة فى حياة الجمل الذى وقر فى قلبه أن جوعه للحنان سيظل جوعًا أبديًا بغير ارتواء!

 

«قصة حياة عادية» يرويها الجمل فى جزأين، يتحدث فيها عن دراسته للحقوق فى السنوات ما بين 1948 و1952، والتى تعتبر سنوات الغليان فى الحياة المصرية عامة وفى الجامعة خاصة،. جاء الشاب «يحيى» إلى القاهرة لأول مرة عن طريق الأتوبيس، والتى كانت تختلف عن كل المدن التى رآها من قبل، فالقاهرة مبهرة بعالم آخر وسيارات كثيرة والناس فيها يمضون بسرعة.

 

تخرج الجمل فى كلية الحقوق التى كانت مصنع إنتاج الوزراء فى ذلك الزمان، وحصل على الدكتوراة وتولى العديد من المناصب، لكن رغم ذلك يظل هواه فى مدرجات كلية الحقوق ومع طلابها، وهو الهوى الذى لم يبارحه قط.

 

فى الجزء الثانى يستعرض ما واجهه من صراعات، ويشير الى تجربته عندما عُين مستشاراً ثقافياً فى باريس قبل أن يصبح وزيرا برئاسة السادات بعد حرب أكتوبر، ثم فى وزارة عبد العزيز حجازي. يخوض غمار الحياة الحزبية فى فترة من أكثر الفترات قلقا وتوترا فى تاريخ مصر، وينتهى الكتاب بحادث مصرع السادات 1981.

 

¿ ¿ ¿

 

كتب د. شريف حتاتة سيرته فى ثلاثة أجزاء بعنوان «النوافذ المفتوحة»، كان همه الأول أن يقدم هذه الحياة كما عاشها، ورآها، بلحظات القوة والضعف، والشجاعة والجبن والانتهازية والقدرة على التمسك بالمبادئ، وبالأشياء المضيئة أو المظلمة الصغيرة التى هى جزء من الفهم، ومن حركة الوعى. كيف يتعلم الإنسان، ويتغير بجهد يومى مستمر رغم الفشل، والنكسات والتراجعات التى تصيبه.

 

الفشل فى كتابة رواية عن الحب كان السبب المباشر الذى قاد د. حتاتة إلى كتابة السيرة الذاتية، بعدما قام بمحاولتين كتب فيهما روايتين كاملتين لكنه لم يرضَ عنهما، فتحولت إلى كتابة السيرة الذاتية التى أخذ ذهنه ينشغل بها واستحوذت عليه.

 

لكن ربما السبب الأهم هو ذلك القهر الذى عانى منه طوال حياته، قهر فى الأسرة وفى المدرسة، فى الكلية، وفى مهنة الطب، قهر المجتمع بقيمه، «الدولة لم تكف عن مطاردتى طوال مراحل حياتى وفى كل المجالات. لم أستطع أن أعبر عن نفسى، أن أفرد جناحى للريح وأطير، فأردت أن أصيح بملء صوتي، أن أقول أنا هنا».

 

¿ ¿ ¿

 

بدأ د. جلال أمين كتابة يومياته منذ كان فى الثانية عشرة من عمره، يقول عن فكرة كتابة سيرته الذاتية التى جاءت بعنوان «ماذا علمتنى الحياة»: «بدأت تنفيذها عندما كنت فى لوس أنجلوس أدرس لمدة سنة وكان عندى فراغ أكثر من المعتاد، فبدأت أكتب كل شىء أعتبره ظريفا أو عن شخصية أعتبرها لطيفة، فكتبت مرة عن صلاح جاهين عندما قابلته بالإسكندرية وهكذا بدون ترتيب، ثم خطر على بالى أن أكمل الكتابة”.

 

ويعترف د. أمين أن هناك أشياء أخفاها بالطبع فلا أحد يستطيع أن يقول الحقيقة كاملة «كلنا ارتكبنا أخطاء وأشياء نخجل منها وإلا ما كنا بشرا، وأنا قلت أشياء كثيرة صريحة، وبعض الناس «استغلطونى» فيها، ولكننى مازلت أعتقد أننى كنت على صواب لأن الذى ذكرته على أمى وأبى لا يُنقص من قدرهم، أين المشكلة فى أن أمى أحبت ابن خالها وعمرها 17 عاما وتقدم للزواج بها”..!

 

يروى أمين كيف أن والدته التى لم تكن تشعر بالأمان، كانت تحتفظ لنفسها بجزء من مصروف البيت حتى اشترت الفيلا التى يعيشون فيها وجعلت والده يدفع إيجارا لمنزله الذى اشترته منه بمبلغ قليل.

 

¿ ¿ ¿

 

أراد د. لويس عوض أن يُلملم «أوراق العمر» قبل أن تتبعثر وتتساقط، وبعد عام واحد رحل..! بجرأة لا يملكها إلا د. لويس كتب سيرته الصادرة فى 1989، وفيها يقدم نقدا للحياة وللآخرين وللذات أيضا، يقسو على نفسه مثلما يفعل مع الآخرين، فها هو يعتبر أمير الشعراء أحمد شوقى ما هو إلا «شاعر سخيف أرستقراطى وينافق الجماهير»، بينما يصف أم كلثوم بـ»المغنية المليونيرة» التى تغنى للاشتراكية، أما كتابات د. طه حسين ود. محمد حسين هيكل الإسلامية؛ فيعتبرها تحولت من الكتابة الثورية إلى الكتابة فى الموضوعات الرائجة، واصفا هذه التحولات بـ»الزندقة الفكرية”..!

 

¿ ¿ ¿

 

فى حوار شجى يصور لنا د. شكرى عياد، أستاذ الأدب العربي، حلمه الدائم بالحرية، فى سيرته الذاتية التى كتبها بعنوان «العيش على الحافة» لأنه أراد تلك الدرجة من الصدق التى تسبق الصمت مباشرة، وتقع على الحافة بين الصمت والكلام.

 

كرِه عياد النمطية فى أى صورة من صورها، وتميز بفردية «فظيعة»، إذا هتف الناس لا يهتف، وإذا صفقوا «لا أصفق إلا رعاية للمظاهر. لا أقول آمين وراء الإمام فى الجامع إلا لتصح صلاتى.

 

لا أحب أن أكون نسخة بين آلاف النسخ أو مئاتها أو عشراتها. والآن يرعبنى التفكير فى «الاستنساخ» وأراه آخر درجات الانحطاط فى تاريخ الجنس البشرى”..!

 

رحل عياد 1999 بعد أن اصطفى من نفسه رفيقا، فأصبح الرفيق سجانا «سجنى الروحى كاد يقتلنى.. لم يبقَ من الدنيا شيء يشوقني، لم يبق فى الدنيا شيء ينادينى.. خواء العالم من حولى زادنى وحشة، بعقلى كنت أرى وفى أعماقى كنت أختنق”.