أحكام القضاء غير قابلة للتعقيب أو التعليق عليها وإن كانت تعبيراً عن الواقع، وفق النصوص القانونية التي أضفت على الأحكام القضائية قدسية انبثقت عن رفعة وقدسية السلطة القضائية وهو ما يهدف للحفاظ على استقلال القضاء وضمان عدم التأثير على عمل القضاة وهو ما يجعل التصرفات التي نصادفها من بعض التصرفات المخالفة لتلك القاعدة العامة كانت مقصودة أو غير مقصودة، فما هي إلا مخالفة صارخة للقانون والنظام العام.
ولا شك أن المشرع قد وضع في الاعتبار أن بعض الأحكام القضائية قد لا تُعبر عن الواقع وذلك لطبيعتها الخاصة وأنها تُعبر عن واقعة تجسدت أمام القضاء وأدلة ومستندات رجحت الحكم الصادر وتم استيفاء إجراءات الرقابة على ذلك الحكم من خلال درجات التقاضي المتعددة انتهت إلى نتيجة في ضوء المعروض من أدلة الثبوت والنفي والتوازن بينهما وهنا يجب الوقوف على أحد أهم القواعد الفقهية التي تقضي بأن أحكام القضاء لا تحل حراماً ولا تُحرم حلالاً.
فمن أهم القواعد الفقهية التي علينا جميعاً أن نتذكرها ونعمل بها هي أن الحكم القضائي لا يملُك أن يُحلل الحرام ولا أن يُحرم الحلال، وما هو إلا نتاج دراسة وتأمل القاضي في أوراق ووقائع كلا المتداعين تنتهي بحُكم قاضي في الدعوى أو القضية، غير أنه لا يتعدى أن يكون حكماً دنيوياً أنتصر فيه صاحب الحُجة والبرهان الأقوى، بغض النظر عن ما يخفى عن القاضي بداخل ضمير كلا الخصوم في الدعوى أو القضية المطروحة عليه، ذلك لأن ضوابط عمل القاضي لا تجعله يخترق علم الغيب أو التدخل في النفوس فما هو إلا ترجمة لما تم ذكره وإثباته بأوراق الدعوى، لذا فإن الشرع والفقه في كل الأديان انتهى إلى أن القاضي الحق هو (الله عز وجل) دون سواه لأنه وحده لا شريك له يعلم السر وما تخفي النفوس، لذا فإن الأحكام نسبية في عدالتها طالما أن مُصدرها والقاضي فيها بشر قاضي كان أو حاكم أو أياً ما كان مسماه لأنه يتأثر بقوة حُجة هذا وفصاحة لسانه وتحايُل أسبابه، فلا تيأس.
قد تخسر وانت الرابح وقد تربح وأنت الخاسر، ولكن - يوم القضاء تجتمع الخصوم تُقتص الحقوق - أما الدنيا فقد تحمل نسبيات عديدة بين الحق والباطل والعدل والظُلم، ولكن إلى حين، فالوعد الحق أن ينصُر الله سبحانه وتعالى المظلوم ويقتص من الظالم.
فإَنَّ رَسُول اللَّه ﷺ قَالَ: إِنَّمَا أَنَا بشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ؛ فأَقْضِي لَهُ بِنحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بحَقِّ أَخِيهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ( مُتَّفَقٌ عَلَيهِ )
فأحذروا نصر الظُلم وإن أقره القضاء ووثقه القاضي بما توافر لديه من أدلة وبينات فهو هزيمة محتومة إما عاجلةٍ أو آجلة فلم يبق إلا إرجاع الأمر إلى الحاكم العادل الذى لا يظلم والذى يعاقب الجاني في الدنيا بما يحدث له من مصائب وفى الآخرة بما ينتظره من عقاب.