في سجلّ الدراما العربية، هناك أسماءٌ لا تمحوها السنون، ولا تغيب عن ذاكرة الفن، بل تبقى شامخةً للأبد في ذاكرة التاريخ، تحكي للأجيال قصص العظمة والإبداع، ومن بين تلك الأسماء، يسطع نجم بسام الملا، ذاك الرجل الذي لم يكن مجرد مخرج، بل كان حارسًا لتراث الشام وراويًا لسيرتها العريقة، فجعل من الشاشة نافذةً تُطل على الزمن الجميل، زمن النخوة والمروءة والروح الدمشقية الأصيلة.
لم يكن«عرّاب الدراما الشامية» مجرد لقب، بل كان حقيقة تجلّت في أعماله الفنية، حيث استطاع أن يُعيد رسم ملامح الحارات العتيقة بأدق تفاصيلها، وأن ينقل عبق الياسمين، وصدى الخطوات في الأزقة الحجرية، وأصوات المسحّراتي وبائعي الكرابيج إلى قلوب المشاهدين في كل مكان ومن «الخوالي» إلى «ليالي الصالحية» وصولًا إلى «باب الحارة»، كتب الملا بيده فصلًا جديدًا في تاريخ الدراما السورية، وأعاد للذاكرة أزمنةً كانت فيها القيم أبطالًا حقيقيين في الحياة.
الميلاد وبداية الرحلة
ولد المخرج بسام الملا في مثل هذا اليوم 13 فبراير عام 1956م في دمشق، لعائلة فنية عريقة، فوالده الممثل أدهم الملا وأشقائه المخرجين مؤمن وبشار الملا والممثل مؤيد الملا، وولديه أدهم وشمس الملا، اللذين شاركا كممثلين في مسلسل «باب الحارة».
وبدأ بسام الملا مشواره الإخراجي بمسلسل فريد للأطفال بعنوان «كان يا ما كان» وتدور أحداثه حول شؤون الأخلاق وحسن تعامل الإنسان مع أخيه الإنسان، وهو من بطولة سامية الجزائري، نادين خوري، فاتن شاهين، رضوان عقيلي.
مخرج البرامج الثقافية
أخرج بسام الملا العديد من برامج المنوعات الناجحة، منها «القنال 7» 1984م و«الليل والنجوم» 1984م في دمشق، و« بساط الريح» 1993م في دبي، و«داوود في هوليوود» في الكويت، و«ليل يا ليل» و«ابتسامات» 2000 م في بيروت.
وأخرج عددًا من البرامج الثقافية التراثية التي تستلهم التراث وأعلامه وفنونه عبر مشاهد درامية تمثيلية، وأنجز عددا كبيرا منها في فترة تسعينيات القرن العشرين خاصة، ومنها « بوابة التاريخ، ديوان العرب، أعلام العرب، قناديل رمضان».
وفي عام 1991 قدم «بسام» مسلسل «الخشخاش»، الذي جمع حينها نجوم الدراما السورية، مثل منى واصف، رفيق سبيعي، أيمن زيدان وحاتم علي، عباس النوري، سلوم حداد، أيمن رضا.
أولى المسلسلات الشامية
وفي العام نفسه، قدّم «بسام» أولى مسلسلاته الشامية الخالدة بعنوان «أيام شامية» عرض من خلاله قصة حي من أحياء دمشق أواخر العهد العثماني وبداية عصر النهضة وتعرض للعادات والتقاليد والعلاقات التي كانت سائدة في ذلك الوقت، وهو من بطولة رفيق سبيعي وعدنان بركات، ناجي جبر، خالد تاجا، سامية الجزائري، هالة شوكت، سليم كلاس، حسام تحسين بيك، بسام كوسا، عباس النوري، وفاء موصللي، وهدى شعراوي.
وخلال عام 1997م قدم بسام الملا مسلسلًا تاريخيًا بعنوان «العبابيد» الذي تناول قصة مملكة تدمر والتقاليد القديمة التي كانت تعيش في الضواحي والمزارع المجاورة لمدينة تدمر، في ظل حكم الملكة زنوبيا، وشارك في المسلسل الفنانون رغدة، منى واصف، عبد الرحمن آل رشي، أسعد فضة، رشيد عساف، هاني الروماني، صباح الجزائري، سلوم حداد، وكاريس بشار.
«الخوالي».. قصة نصار بن عريبي
وفي عام 2000 م أخرج بسام الملا عملًا شاميًا شهيرًا أيضا هو «الخوالي»، الذي روى قصة نصار بن عريبي المناضل ضد الاحتلال بمشاركة بسام الملا، سليم صبري، صباح الجزائري، هالة شوكت، أمل عرفة، نادين تحسين بيك، سليم كلاس، ناجي جبر، عبد الرحمن آل رشي، نجاح حفيظ، عصام عبجي، ماغي بو غصن.
وبعد أربع سنوات، في عام 2004 م قدّم مسلسل «ليالي الصالحية» الذي يجسد مقولة «الدم ما بيصير مي» وهو من بطولة رفيق سبيعي، نبيلة النابلسي، منى واصف، هالة شوكت، سامية الجزائري، سليم كلاس، بسام كوسا، عباس النوري، قيس الشيخ نجيب، كاريس بشار.
أشهر الدراما السورية.. «باب الحارة»
وشهد عام 2006 أشهر أعمال بسام الملا، وأعمال الدراما السورية على الإطلاق وهو «باب الحارة»، مخرجًا ومنتجا ومشرفا عاما حتى الجزء التاسع، وشارك في هذه الأجزاء عدد كبير من النجوم نذكر منهم.. عبد الرحمن آل رشي، منى واصف، بسام كوسا، سامر المصري، عباس النوري، صباح الجزائري، أدهم الملا، ميلاد يوسف، وائل شرف، مصطفى الخاني، ميلاد يوسف، قصي خولي جومانة مراد، وفيق الزعيم، وفاء موصللي، حسن دكاك، سليم كلاس، ديمة الجندي، زهير رمضان، صباح بركات، أمية ملص، هدى شعراوي، سحر فوزي، فايز قزق، علي كريم.
بسام الملا في المكتبة العربية
أهم توثيق لمسيرة بسام الملا التلفزيونية منذ بداياته وحتى مسلسله الشهير «باب الحارة»، تجده في كتاب «بسام الملا: عاشق البيئة الدمشقية»، الذي ألفه الناقد والصحفي السوري محمد منصور، وصدر الكتاب عن دار كنعان بدمشق عام 2008، ويأتي ضمن سلسلة «الدراما التلفزيونية السورية: تاريخ وأعلام»، التي يشرف عليها الكاتب الكتاب يضم حوالي 200 صفحة من القطع المتوسط.
جوائز عراب الدراما الدمشقية.
حصدت أعمال بسام الملا الكثير من الجوائز، منها الجائزة الذهبية في مهرجان القاهرة عن مسلسلي «أيام شامية» و«العبابيد»، وجائزة أحسن إخراج عن الجزء الأول من مسلسل «باب الحارة» في مهرجان التلفزيون العربي بتونس عام (2007)، وسواها من الجوائز عن برامج المنوعات والبرامج الثقافية التي أخرجها.
رحيل وأثر باق
توفي بسام الملا في 22 يناير 2022 عن عمر ناهز الخامسة والستين، في زحلة بلبنان، وبرحيله، أسدل الستار على مسيرة فنية حافلة، لكن روحه ستبقى حيّةً في كل مشهدٍ صنعه، وفي كل شخصية أبدعها، وفي كل زاويةٍ من حارته الشامية التي ستظل تنطق باسمه ما دامت الشام باقية.