رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


رغم قرارات «ترامب» انتظروا.. مصر لاعب اقتصادى إقليمى

16-2-2025 | 20:57


رغم قرارات ترامب انتظروا.. مصر لاعب اقتصادى إقليمى

بقلـم: د. عبد المنعم السيد

يبدو أن الاقتصاد العالمى فى عهد ترامب سيكون أكثر ارتباكا، وسيأخذ مسارا اقتصاديا مختلفا. فرغم أن ترامب لم يمضِ على توليه منصب الرئيس الأمريكى سوى أيام معدودات؛ إلا أن تصريحاته وقراراته الاقتصادية والسياسية أحدثت خللا فى العلاقات الاقتصادية الدولية، وأيضا كان لها تأثير سلبى على كثير من دول العالم وعلى المواطن الأمريكى نفسه.

 

فعلى الرغم من أن علاقة أمريكا مع كندا تتميز بالتعاون الاقتصادى والعسكرى، وترتبط الدولتان باتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (NAFTA) التى تم استبدالها لاحقًا باتفاقية USMCA (اتفاقية الولايات المتحدة - المكسيك - كندا) عام 2020.

وأيضا رغم متانة العلاقات التجارية والاقتصادية بين أمريكا والمكسيك؛ إلا أن ترامب قرر فرض ضريبة بنسبة 25 فى المائة على الواردات الكندية والمكسيكية إلى الولايات المتحدة، مما جعل كندا والمكسيك تقوم بفرض رسوم جمركية مماثلة، مما أشعل حربا تجارية سرعان ما انطفأت بعد تراجع وإلغاء ترامب قراراته بفرض رسوم جمركية على كندا والمكسيك وتأجيلها لمدة شهر. وذلك فى أقل من يومين من فرضها، مما يعكس مدى التخبط وعدم دراسة القرارات مع الوزراء والمستشارين المختصين.

 

وفى نفس الوقت بدأ حربا تجارية مع الصين بفرض رسوم جمركية 10 فى المائة على صادرات الصين لأمريكا، مما جعل الصين تعلن أنها ستفرض رسوماً جمركية انتقامية على مجموعة من المنتجات الأمريكية.

 

وتشمل التدابير المضادة فرض ضريبة بنسبة 15 فى المائة على واردات الفحم والغاز الطبيعى المسال من أمريكا، مما يعنى موجة جديدة من التضخم وارتباك بين قطبى الاقتصاد العالمى وأيضا تهديد سلاسل الإمدادات العالمية وبداية لحرب تجارية عالمية.

 

التوترات التجارية تؤدى إلى زيادة الرسوم الجمركية على السلع المستوردة، مما يرفع تكاليف الإنتاج عالميًا. عندما تزيد تكاليف المواد الخام والسلع الوسيطة، فإن الأسعار النهائية للمستهلك ترتفع.

 

ولا شك أن المصانع الأمريكية فى الصين هى أول المتضررين، فمن المتوقع أن تخسر «آبل» أكثر من 5 فى المائة من أرباحها وانكماش نسبتها من سوق الموبايلات وخسارة نسبة من قيمتها السوقية البالغة 3,5 مليار دولار،كما أن السياسات الحمائية الأمريكية ستساهم فى عدم استقرار الاقتصاد العالمى وزيادة حالة عدم اليقين فى الأسواق المالية. وأيضا الشركات الأمريكية التى تعتمد على المنتجات الصينية ستشهد زيادة فى تكاليف الاستيراد، مما سيؤدى لزيادة فى الأسعار للمستهلكين الأمريكيين.

 

ومما لا شك فيه أن هذه الحرب التجارية سيكون لها تأثير على الاقتصاد المصرى، فقد يؤدى توسع الحرب التجارية العالمية إلى انخفاض حركة الملاحة فى قناة السويس وأيضا انخفاض تدفق الاستثمارات الأجنبية.

 

التقلبات الاقتصادية العالمية تؤثر على قرارات المستثمرين بسبب عدم اليقين إذا تباطأ الاقتصاد العالمي، فإن المستثمرين يصبحون أكثر تحفظًا فى ضخ أموالهم فى الأسواق الناشئة مثل مصر .لكن فى المقابل، إذا سعت الشركات لنقل إنتاجها من مناطق النزاع التجاري، فقد تستفيد مصر من جذب استثمارات صناعية جديدة.

 

أيضا مع تهديدات ترامب بفرض رسوم جمركية مشددة على دول مجموعة «البريكس»، التى انضمت إليها مصر مؤخرًا، وعلى الصين ودول الاتحاد الأوروبي، تواجه الأسواق المصرية مخاطر ارتفاع تكلفة الاستيراد، وزيادة الضغوط التضخمية، مما قد ينعكس سلبًا على استقرار الأسعار وسعر الصرف.

 

ولا تقتصر تداعيات سياسات ترامب على الشأن التجارى فحسب، بل تمتد لتشمل المناخ الاستثمارى العالمي، حيث يؤدى تصاعد الحروب التجارية إلى تراجع تدفقات رءوس الأموال للأسواق الناشئة - ومنها مصر - ما يضع الاقتصاد تحت ضغط أكبر فى ظل سعى الدولة لتأمين مصادر تمويل مستدامة، كما أن ارتفاع أسعار السلع عالميًا نتيجة هذه السياسات قد يعمّق التحديات الاقتصادية الداخلية، ويؤثر على قدرة الحكومة فى الحفاظ على استقرار الأسواق وسط اضطرابات متوقعة فى المشهد الاقتصادى الدولي.

 

وتعتمد مصر فى تعاملها مع تداعيات تصريحات وقرارات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الاقتصادية والسياسية على نهج متوازن يجمع بين التحركات الدبلوماسية، والتعديلات الاقتصادية، وتنويع الشراكات الدولية. ولتجنب التوابع السلبية لأى تصريحات أو سياسات قد تؤثر على الاقتصاد المصري، ويجب أن تتبع الدولة عدة استراتيجيات رئيسية، منها:

 

تنويع الشراكات الاقتصادية وتقليل الاعتماد على أمريكا، وتسعى مصر إلى توسيع علاقاتها الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي، الصين، روسيا، والدول العربية، مما يقلل من تأثير أى ضغوط أمريكية، فضلا عن تعزيز الاتفاقيات التجارية مع دول أخرى لتجنب أى آثار سلبية محتملة من التغيرات فى السياسة الأمريكية.

 

تحفيز الاستثمار المحلى وجذب الاستثمارات الأجنبية، عبر تنفيذ إصلاحات تشريعية لتحسين بيئة الاستثمار مثل تعديلات قانون الاستثمار، وتسهيل الإجراءات أمام المستثمرين الأجانب. والتركيز على القطاعات الواعدة مثل الهيدروجين الأخضر، البنية التحتية، والصناعات التكنولوجية لجذب رءوس الأموال الأجنبية.

 

وكذا تعزيز العلاقات مع المؤسسات المالية الدولية، عبر، توطيد العلاقات مع صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، وبنوك التنمية الآسيوية والأوروبية لضمان تدفقات تمويلية مستقرة. وإصدار سندات دولية بالعملات الأجنبية لتنويع مصادر التمويل وتقليل الاعتماد على أى طرف بعينه.

 

فضلا عن دعم الصناعات الوطنية وزيادة الصادرات من خلال التوسع فى المناطق الصناعية، ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة لتقليل التأثيرات المحتملة لأى تراجع فى العلاقات الاقتصادية مع أمريكا. وزيادة الصادرات المصرية إلى أسواق غير تقليدية مثل إفريقيا وأمريكا اللاتينية.

 

وأيضا الحفاظ على استقرار سوق النقد الأجنبى عبر تعزيز احتياطى النقد الأجنبى لمواجهة أى اضطرابات فى الأسواق المالية. وقد تجاوز الاحتياطى النقدى 47 مليار دولار. ودعم سياسات البنك المركزى للحفاظ على استقرار الجنيه المصري، من خلال أدوات مثل السيطرة على التضخم، وإدارة أسعار الفائدة بحذر.

 

إلى جانب التعامل الحذر مع التصريحات السياسية والضغط الدبلوماسى من خلال استخدام القنوات الدبلوماسية لتوضيح الموقف المصرى والحفاظ على العلاقات مع واشنطن دون الدخول فى مواجهات غير ضرورية. والتركيز على المصالح الاقتصادية المشتركة بين البلدين، مثل اتفاقيات الغاز والطاقة والتعاون فى المشروعات الكبرى.

 

وعبر هذه الإجراءات، تستطيع مصر التكيف مع أى تغييرات تطرأ على السياسة الأمريكية، وتجنب التأثيرات السلبية المحتملة، مع تعزيز موقعها كلاعب اقتصادى إقليمى قوي. إلا أن مصر من الممكن أن تستفيد من هذه الحرب من خلال جذب الاستثمارات الصناعية وفتح مصانع للمنتجات الأوروبية والأمريكية وتوطين التكنولوجيا الحديثة التى قد تهرب من الصين مع اشتعال حربها التجارية مع أمريكا خاصة خلال الأربع سنوات القادمة، أيضا يمكن لمصر التوسع فى الصادرات خاصة أن مصر جزء أساسى فى مبادرة الحزام والطريق وكذلك التوسع فى الصادرات لدول أمريكا الشمالية والجنوبية.

 

ومن أهم القطاعات الواعدة فى مصر خلال الفترة المقبلة، الصناعة والتصنيع: ويمكن لمصر استقطاب شركات تبحث عن بدائل للتصنيع منخفض التكلفة، خاصة فى مجالات الملابس الجاهزة، الأجهزة الكهربائية، وصناعة السيارات.

 

وتكنولوجيا المعلومات: مع توسع التحول الرقمي، يمكن لمصر أن تصبح مركزًا إقليميًا لتعهيد خدمات التكنولوجيا.

 

والطاقة المتجددة: مع زيادة الاهتمام بالاستثمار فى الطاقة الشمسية والرياح. واللوجستيات والتجارة: المنطقة الاقتصادية لقناة السويس يمكن أن تكون مركزًا إقليميًا للشحن والتصنيع.

 

إن السنوات الأربع القادمة ستشهد تغيرات اقتصادية عالمية خاصة فى ظل ما يحدث فى منطقة الشرق الأوسط والأحداث الجيوسياسية.

 

ومن ثم على الدولة المصرية البحث وإعادة التخطيط الاقتصادى لمحاولة الخروج من هذه الأزمة العالمية وتحويل المحنة إلى منحة.