رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


«المساعدات العسكرية».. ورقـة أمريكية محروقـة

16-2-2025 | 21:10


المساعدات العسكرية .. ورقـة أمريكية محروقـة

تحقيق: منار عصام

منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد أواخر العام 1978م، التى مثلت تحولًا جيوسياسيًا فى منطقة الشرق الأوسط، أصبحت المساعدات العسكرية الأمريكية السنوية لمصر التى تبلغ حوالى 1.3 مليار دولار أحد الركائز الأساسية للعلاقات الثنائية بين البلدين، وهذه الاتفاقية أخرجت مصر من دائرة الصراع العربى الإسرائيلى، وضمنت واشنطن من خلالها شريكًا استراتيجيًا فى منطقة مضطربة، بينما حصلت القاهرة على دعم مالى وتقنى عزز من قدرات جيشها، الذى يُعتبر عماد الأمن القومى المصرى، وأداة رئيسية فى الحفاظ على الاستقرار الإقليمى.

لكن هذه المساعدات، التى ظلت لعقودٍ رمزًا للتحالف الاستراتيجى، باتت مؤخرًا تُستخدم كورقة ضغط سياسى من قبل بعض الأصوات داخل الكونجرس الأمريكى فى محاولة لربطها بقبول مصر سيناريوهات تُجبر الفلسطينيين على التهجير القسرى خارج أراضيهم، كجزء من حلول مفروضة للصراع الفلسطينى الإسرائيلى، وهذا التوجه يُثير تساؤلاتٍ خطيرة حول مدى شرعية ربط الدعم العسكرى، بشروط تمس السيادة الوطنية، وتتجاهل الثوابت التاريخية لمصر فى دعم الحقوق الفلسطينية.

 

الدولة المصرية، من جانبها، تؤكد رفضها القاطع لأى محاولة لتصفية القضية الفلسطينية أو تهجير أهلها من قطاع غزة أو الضفة الغربية، وهو موقفٌ غير قابل للمساومة، وأن محاولة تعليق المساعدات لن تُضعف إصرار القاهرة على حماية مصالحها الوطنية والإقليمية.. فمصر تدرك جيدًا تداعيات التبعية للدعم الخارجى، لذا عملت خلال السنوات الماضية على تنويع مصادر تسليحها، وتعزيز التعاون العسكرى مع دول مثل روسيا وفرنسا والصين، إلى جانب تطوير صناعة دفاع محلية طموحة.

 

كما أن الجيش المصرى وضع خططًا استباقية لمواجهة أى سيناريو محتمل لتجميد المساعدات الأمريكية، بما فى ذلك إعادة هيكلة الأولويات الدفاعية، وزيادة الاعتماد على البدائل المحلية والإقليمية.. بدورها، حذرت القاهرة من استخدام المساعدات كأداة ابتزاز، الأمر الذى قد يُعيد تشكيل التحالفات الإقليمية، ويُعقّد الجهود الدولية لاحتواء الأزمات فى الشرق الأوسط، ففى الوقت الذى تلوح واشنطن بورقة المساعدات، تُصر القيادة السياسية المصرية على أن الأمن القومى العربى ليس سلعةً تفاوضية، وأن حماية الحقوق الفلسطينية جزءٌ من حماية الأمن المصرى نفسه.. فالتحدى اليوم ليس فى قدرة مصر على الصمود فحسب، بل فى إرسال رسالة واضحة مفادها أن الضغوط الخارجية لن تُغير من ثوابت الدولة المصرية، التى تتعامل مع تحدياتها بمنطق القوة والاستعداد لكافة الاحتمالات.

 

فى البداية، قال اللواء أركان حرب محمدالغبارى، الخبير الاستراتيجى ومدير كلية الدفاع الوطنى الأسبق، إن المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر لا يمكن إيقافها، ولكن من الممكن تعليقها لفترات زمنية معينة، وذلك لأن المساعدات العسكرية جزء أصيل من اتفاقية السلام، وهى عبارة عن حزمة من أدوات تمنح لمصر وإسرائيل والقوة متعددة الجنسيات التى تشرف على تنفيذ اتفاقية السلام بتصديق سنوى من الكونجرس الأمريكى فى شهر فبراير من كل عام، مشيرًا إلى أن الغرض الرئيسى لتلك المساعدات، هو حفظ مصالح الأمن القومى الأمريكى فى منطقة الشرق الأوسط، بما يعنى أن وقف هذه المساعدات، يعنى احتمالية تعرض مصالح واشنطن فى المنطقة للخطر.

 

واستشهد «الغبارى» بفترة الرئيس الأسبق أوباما، حينما قرر تعليق المساعدات العسكرية لمصر، خاصة فيما يتعلق بصيانة الطائرات - وقتها، لم تتأنِ الدولة المصرية فى الاتجاه إلى روسيا لعقد صفقات تسليح، منها الطائرات الهليكوبتر الكامووف وغيرها من الأنظمة التسليحية الأخرى، الأمر الذى أثار حفيظة إسرائيل لتبدأ فى الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية لإعادة المساعدات العسكرية لمصر مرة أخرى.

 

وأشار «الغبارى» إلى أن مصر دولة قوية لها تاريخ يمتد لأكثر من 7000 عام، تجمعها مصالح وعلاقات دبلوماسية مع مختلف دول العالم، وبالأخص الولايات المتحدة، التى تدرك أهمية الدور المصرى، وثقله فى المنطقة العربية والشرق الأوسط، لذلك فإن الدولة المصرية جاهزة للتعامل مع أى سيناريوهات محتملة خلال الأيام المقبلة، ومن المؤكد أنها لن تتهاون فى الدفاع عن أمنها القومى، الذى يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالقضية الفلسطينية بشكل مباشر، مضيفًا أن القوات المسلحة المصرية منتبهة جيدًا لذلك السيناريو منذ زمن بعيد، وقد اتخذت كافة تدابيرها عبر مختلف الأفرع لمواجهة قرارات تتعلق بإرجاء المساعدات العسكرية، خاصة أن الكثير من «عمرات الأسلحة»، كالمدرعات على سبيل المثال، تتم داخل مصر وبأيادٍ محلية.

 

وفى سياق متصل، أكد اللواء أركان حرب عادل العمدة، المستشار بالأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية، أن الحديث عن أى قرارات تخص تعليق المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر سابق لأوانه خلال الفترة الحالية، فلا داعى لاستباق الأحداث، مطالبًا الشعب المصرى بضرورة الالتفاف حول قياداته السياسية وجيشه الوطنى، من أجل التصدى لكل المحاولات التى من شأنها المساس بالأمن القومى، وهو ما تجلى فى المشاهد التى احتشد فيها الآلاف من المصريين بالقرب من معبر رفح، تعبيرًا عن رفضنا لأى مخططات من شأنها تهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم، وتأييداً ومساندة الشعب للرئيس السيسى فى قراراته الجريئة، بعدم المشاركة فى ظلم الفلسطينيين.

 

وأوضح «العمدة»، أن مصر دولة مؤسسات، ولها من الخبرة العملية الكثير والكثير التى تؤهلها لأن تكون جاهزة ومستعدة فى التعامل مع كافة السيناريوهات المحتملة والمتداولة، فمن المعروف عن الدولة المصرية أنها تتحرك دائمًا وفق استراتيجيات ثابتة، سواء للتعامل مع الأزمات الإقليمية المحيطة بالقطر المصرى، أو التعامل مع القرارات الدولية المتعلقة بمثل هذا الأمر، أو الرد على تصريحات المسئولين فى دول العالم، خاصة إن كانت تتعلق بأمننا القومى، موضحًا أن الإدارة الأمريكية - من قبل، سبق لها أن اتخذت مثل هذه الإجراءات المطروحة حاليًا، ولم تتأثر القاهرة ولم تهتز القوات المسلحة مطلقًا.

 

وأشاد «العمدة» بما قام به الرئيس السيسى بالتوسع فى تنويع مصادر السلاح عبر العديد من دول العالم، الأمر الذى جعلنا أسياد الأرض، ليفشل مخطط الابتزاز العسكرى، وهى الفلسفة التى تنتهجها القيادة السياسية الحالية، مشددًا على أن الدولة المصرية لن ترضخ ولن تستسلم، إلا بثوابت الدولة المعروفة والشريفة.

 

كما أثنى اللواء أركان حرب عادل العمدة، على «وعى» الشعب المصرى، كونه دائمًا هو العامل الذى ما يفوز بالرهان فى النهاية، وذلك نتج عن إطلاع المصريين، على بيانات الدولة الرسمية بشأن الأوضاع، سواء فى الشأن الداخلى أو الخارجى، الأمر الذى يقطع الطريق أمام أهل الشر والمخربين، لمحاولاتهم زعزعة الاستقرار وبث الفتنة بيننا، بنشرهم أخبارًا مغلوطة مضللة.

 

فى هذا الإطار، أوضح السفير على الحفنى، مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن العلاقات التى تجمع جمهورية مصر العربية بنظيرتها الأمريكية، تقوم فى الأساس على التعاون الاستراتيجى، حيث تشمل كافة المجالات، ولاسيما القطاع الأمنى والعسكري، مضيفًا أنه منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد، والتى من بين بنودها منح مصر وإسرائيل معونة عسكرية سنوية، لضمان استتباب الأمن، فإن واشنطن تستمر - منذ ذلك الحين وإلى الآن، فى التزامها بشأن تلك المعونة.

 

وأشار «الحفنى» إلى أن المعونة العسكرية تعمل على دفع وتنمية علاقات التعاون العسكرى بين مصر والولايات المتحدة، حيث يتم صرف المعونة فى صورة أنظمة تسليح أمريكية، بجانب عقود صيانة وقطع غيار للعديد من المعدات الأمريكية، التى تخدم فى صفوف الجيش المصرى، بجانب تزويد القوات المسلحة المصرية، بعدد من الذخائر الخاصة ببعض الأسلحة ومنظومات الدفاع بأشكالها المختلفة، مشيرًا إلى أن هذا الأمر يعكس وجود علاقة مصلحة مشتركة بين مصر وأمريكا، ويمكن بلورة تلك العلاقة فى منح القاهرة حق تصنيع مدرعات «إبرامز» الأمريكية، ولعل أبرز تلك الطرازات الدبابة M1A1، فضلًا عن إجراء الصيانات والعمرات اللازمة لها.

 

وواصل «الحفنى»: «أن مسألة المساعدات العسكرية تعرضت لحالات صعود وهبوط خلال العقود الماضية، نظرًا للعديد من المواقف المتغيرة، التى نشأت على أساس دوافع مختلفة من مؤسسات داخل الولايات المتحدة، سواء الرئاسة ممثلة فى إدارة البيت الأبيض أو الكونجرس الأمريكى، وأحيانًا تتعرض تلك المساعدات العسكرية للتخفيض أو الحجب على فترات متباينة، بما يوحى بأن قضية المعونة لا تتسم بالاستقرار الكافى.

 

وأضاف السفير على الحفنى، أن هناك مؤسسات بالولايات المتحدة الأمريكية، مثل البنتاجون وكذا وزارة الخارجية، تحرص على بقاء العلاقة جيدة مع مصر، لذلك فهى تُدرك أن المعونة العسكرية مجرد علاقة منفعة متبادلة بذات القدر من النفع، ومن هنا يأتى الحرص على وصول تلك المساعدات للقاهرة دون المساس بها، مضيفًا أنه منذ أسابيع اتخذت الإدارة الأمريكية قرارًا بمنح المعونة لمصر كاملة للعام الحالى، ثم تم تخفيضها لمبلغ دون الـ100 مليون دولار، حيث تم تحويل ذلك المبلغ إلى لبنان لتعزيز قدرات الجيش اللبنانى، مما يؤكد على عدم استقرار أمر المعونة العسكرية الأمريكية بشكل عام، ولكنها تحقق مصالح مصرية وأمريكية على حد سواء، مع الأخذ فى الاعتبار أن مصر تقوم بإجراء صفقات عسكرية خارج إطار المعونة الأمريكية.

 

وأتم السفير على الحفنى، حديثه، موضحًا أن العلاقات المصرية الأمريكية ماضية فى طريقها، وتظل قنوات الحوار مستمرة وممتدة، خاصة أن الولايات المتحدة الأمريكية أحد الوسطاء الثلاثة فى هدنة غزة، وبالتالى فإن هناك العديد من المصالح التى تتعلق بالأمن الإقليمى بالشرق الأوسط واستعادة الاستقرار فى المنطقة، مضيفًا أن أهداف مصر والولايات المتحدة لا بد أن تتفق حتى وإن اختلفت الرؤى فيما يتعلق بضرورة إقرار السلام بعد ما شهدناه طيلة 15 شهرًا مضت، بشأن محاولة التوصل لوقف دائم لإطلاق النار فى قطاع غزة الفلسطينى، وقد كان الأمر بقيادة مصرية.