الاحتراف الكروى بمعناه الحقيقى، المجرد من كثير مما يجرى بشأنه، فى الأوساط الرياضية، لا يحمل معنى أفضل من صناعة المال والمتعة الكروية، شريطة أن يؤسس، ويتوسع ويترسخ فى بيئة آمنة مستقرة، كما أنه وسيلة لصناعة رأس المال وتطوير قدراته وإعجاب الجماهير التى تسهم إيجابا فى حل الأزمات ودعم الفريق كلاعب آخر، هذا المعنى طالما سمعنا وشاهدنا الكثير من المواقف الدالة عليه فى الأندية العالمية الكبرى التى تدير أزماتها بأفضل الأشكال وأكثرها مهنية واحترافية، مهما كانت الضغوطات، وذلك يعود لحنكة الهيئات الإدارية ودراية المالكين ووعى الجماهير الداعمة ووفاء أبناء النادى المساندين له..

وللأسف الشديد فإننا نفتقد لهذه المقومات، فى أوساطنا الرياضية العربية التى اتخذت من الاحتراف مجرد واجهة شكلية فقط يوقع فيها اللاعب عقده ويستلم مستحقاته المالية، وكثير من الأندية المحلية العربية للأسف لا تعى من الاحتراف سوى عملية توقيع عقد مملوء من قبل إدارة النادى بصورة روتينية يتم فيها مشاهدة اللاعب والإعجاب بأدائه، وما يمكنه من تحقيق المطلوب المرسوم فى رؤوس بعض أعضاء الإدارة لأغراض شتى قد لا تكون من بينها فنية أو تطويرية.. ومن ثم يتم توقيع العقد وتسديد المبالغ وتسوية حساباتها وإن لم يلعب المحترف أى دور فى تطوير الفريق والنادى عامة..

وطوال الأعوام الأخيرة، وحتى الساعات الماضية، فى الوسط الكروى المصرى، لاسيما فى الكبيرين الأهلى والزمالك، نجد المنظومة كلها تنشغل بقصة تجديد عقد لاعب، أو انتقاله لناد آخر، ويتحول الموقف البسيط إلى أزمة حقيقية تنشغل بها كل الأطراف من جماهير وإدارة ووسائل اتصال اجتماعى، دون دراية أو منهج علمى، فى الزمالك أصبح «زيزو» هو الأزمة الحقيقية للنادى، وسرعان ما انتقلت العدوى للجماهير، وفى الأهلى ثارت الجماهير الأهلاوية على لاعب الوسط أكرم توفيق، لمجرد عدم اتفاقه مع إدارة النادى على المقابل المادى، وتلويحه بالانتقال إلى ناد آخر..

ودائماً ما نرى ونتابع أن سياسة إدارات الأندية فى مصر تهتم بتضخيم الطلبات المادية من أجل رحيل أى نجم من نجوم الفريق لأوروبا، وهذا ما يجعل الفرق المتوسطة فى الدوريات الأوروبية تبتعد عن شراء أى لاعب مصرى، مفضلة الذهاب لأندية الجزائر وتونس والمغرب بلاعبين بنفس الجودة ومتطلبات مادية أقل، وفى نفس الوقت رغبة فى الاحتراف وإتقان اللغات الفرنسية والإنجليزية.

الاحتراف أصبح فكرًا وتطبيقًا له ضوابط وشروط ولوائح، وضعت من أجل النهوض بالرياضة والرياضيين، «الاحتراف»، معنى مشتق من كلمة «حرفة» أى مهنة أو «عمل»، والاحتراف فى كرة القدم يعنى التفرغ الكامل لممارسة الكرة، يتقاضى فيها اللاعب لقاء ممارسته لها مبالغ مالية كرواتب ومكافآت وبدلات بموجب عقد محدد المدة، والاحتراف فى الرياضة يعنى الانضباط فى السلوكيات المهنية والانصياع التام وتنفيذ بنود الاتفاق أو العقد الاحترافى الموقّع بين اللاعب أو المدرب وبين النادي، مما يستوجب على اللاعب أن يلتزم بالتدريب فى الأوقات التى يحددها النادي، وأن يؤدى المباريات وفق ما يطلبه المدرب، واحتياجات الفريق، وهذا المفهوم يحتاج إلى أن يتفهم ويمتلك اللاعب ثقافة الاحتراف الحقيقية، حتى يعرف حقوقه وواجباته والتزاماته تجاه ناديه؛ حسب شروط الاحتراف التى يضعها اتحاد الكرة، ومثال لذلك، فإن التدريب مثلا يكون بنظام اليوم الكامل، فالرياضى المتفرغ لممارسة كرة القدم عليه أن يتدرب مثلًا ما يعادل أربع إلى ست ساعات يوميًا، إضافة إلى حصص التدريب المهارى والمحاضرات النظرية، وجلسات المعالجة الطبية والنفسية، واتباع نظام غذائى محدد، وانضباط فى السلوكيات والأخلاقيات، وكذلك يجب أن يلم المحترف إلمامًا كاملًا بما يترتب على مخالفته لهذه البرامج من العقوبات الموجودة فى اللوائح، والتى تطبق بحزم على الجميع، وهكذا فإن هذا هو مفهوم الاحتراف الرياضى الصحيح، كما تُطبقه أوروبا فى كرة القدم، وعلينا أن نتعلم معنى الاحتراف الحقيقى لكى نستطيع تطبيقه، فأولى قواعد الاحتراف هى إيجاد لوائح شاملة وواضحة، تتوافر فيها شروط الاحتراف الحقيقية، وإيجاد المرجعية القانونية للفصل فى المنازعات التى تحدث نتيجة لقصور فى اللوائح، وعدم شموليتها، أو عدم التزام أحد الأطراف بتطبيق مفردات اللائحة وبنود العقد الموقّع بين الطرفين، على أن تكون هذه اللوائح مستمدة من لوائح الفيفا ومواده المنظمة لانتقالات اللاعبين، ولكننا للأسف نجد أن واقعنا الحالى لا يعكس المفهوم الحقيقى للاحتراف؟! وعلينا من أجل تطبيق مثالى للاحتراف وبث ثقافته، أن نهتم بصناعة الناشئين منذ الصغر، وعلينا أن نُكثِّف من نشر ثقافة الاحتراف بعدة طرق أهمها، أن تقدم محاضرات وندوات يحاضر فيها خبراء اللعبة فى العالم..