يسعى فريدريش ميرتس، زعيم الحزب المسيحي الديمقراطي الألماني، إلى إعادة تشكيل العلاقات بين ألمانيا وفرنسا.. فبعد فوز حزبه في الانتخابات الفيدرالية، بدأ بتقديم نفسه كقائد محتمل لحكومة جديدة، ويبدو أن هدفه هو إعادة ألمانيا إلى دائرة الضوء كقوة وسطى رائدة في السياسة الأوروبية.
وذكرت شبكة "دويتشه فيله" الألمانية أن التحديات التي يواجهها في طريقه، سواء من الداخل الألماني أو من أوروبا الأوسع، تثير الكثير من التساؤلات حول مدى نجاحه في تحقيق هذه الرؤية. فمن خلال سعيه لتعزيز التحالف الفرنسي-الألماني، يظهر أن ميرتس لا يسعى فقط إلى تحسين العلاقات الثنائية، بل يسعى - أيضًا - إلى أن يكون محركًا رئيسيًا في تشكيل مستقبل أوروبا بأكملها.
وذكرت الشبكة أنه بعد ثلاثة أيام فقط من فوز الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي في الانتخابات الفيدرالية في ألمانيا، اجتمع زعيم الكتلة، فريدريش ميرتس، مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتناول عشاء خاص في باريس.
وبعد العشاء، نشر ميرتس على منصة "إكس": "شكرًا لك، عزيزي إيمانويل ماكرون، على صداقتك وثقتك في العلاقات الفرنسية الألمانية. معًا، يمكن لبلدينا تحقيق أشياء عظيمة من أجل أوروبا".
وأشارت الشبكة إلى أنه إذا تمكن ميرتس من تشكيل حكومة ائتلافية، فقد يتولى المنصب في غضون أسابيع قليلة، ولكن حتى ذلك الحين، يظل المستشار أولاف شولتز في منصبه.
لكن ميرتس يسعى لذلك بسرعة لسبب وجيه: فقد يكون الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على وشك التوصل إلى اتفاق سلام مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن الحرب في أوكرانيا. ومع ذلك، لا تشارك أوكرانيا ولا دول الاتحاد الأوروبي في هذه المفاوضات، رغم أن ترامب صرح بأن أوروبا يجب أن تتحمل مسؤولية تقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا بعد الاتفاق. وأصبح ماكرون أول زعيم أوروبي يزور ترامب في واشنطن الأسبوع الماضي، لكن لم يتم إحراز أي تقدم بشأن أوكرانيا، بينما لا تزال الولايات المتحدة تهدد بفرض رسوم جمركية على الواردات الأوروبية.
ويرغب ميرتس في تحويل ألمانيا إلى "قوة وسطية رائدة" واتهم ميرتس الحكومة الألمانية الحالية بأنها سلبية جدًا وأنها السبب في تدهور العلاقات الفرنسية الألمانية.
وقال في خطاب رئيسي قبل الانتخابات حول السياسة الخارجية: "يجب أن نتحول من كوننا قوة وسطية نائمة إلى قوة وسطية رائدة".
وأكد ميرتس أنه إذا أصبح رئيسًا للحكومة، سيعطي الأولوية لإعادة بناء العلاقات مع فرنسا وبولندا، مشيرًا إلى أن الدول الثلاث معًا تشكل ما يُعرف بـ"مثلث فايمار"، الذي كان يُعتبر تحالفًا مهمًا في الماضي.
وفيما يتعلق بالعلاقات مع بولندا فهناك إشارت واعدة في الآفاق. ولفتت الشبكة الألمانية أنه بينما كانت الحكومة القومية المحافظة في بولندا بقيادة حزب القانون والعدالة في السلطة، كانت المواقف بين برلين ووارسو مختلفة تمامًا بشأن الهجرة والكثير من القضايا الاجتماعية. ومنذ تولي رئيس الوزراء البولندي الليبرالي دونالد توسك منصبه عام 2023، تحسنت العلاقات إلى حد ما، لكنها ما زالت بعيدة عن التقارب الكامل.
وتلعب بولندا دورًا بارزًا في النصف الأول من هذا العام، إذ تترأس رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي الدورية؛ مما يمنحها القدرة على تحديد أولويات السياسة الأوروبية الخاصة بها. وفيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية، قالت ماجدالينا سوبكوياك-تشارنيتسكا، نائبة وزير الشؤون الأوروبية في بولندا: "الشعار الأساسي لرئاستنا هو: الأمن في أوروبا." وأضافت: "هدفنا الأول حاليًا هو ضمان استمرار تقديم المساعدات لأوكرانيا".
لكن ذلك ليس أمرًا مضمونًا: فدول مثل المجر وسلوفاكيا تميل أكثر إلى دعم ترامب وترغب في تطبيع العلاقات مع موسكو حتى وإن كان ذلك على حساب أوكرانيا.
وهنأت سوبكوياك-تشارنيتسكا ميرتس بفوزه في الانتخابات الألمانية وقالت: "نحن جيران مقربون. التعاون مع شركائنا في ألمانيا دائمًا ما يكون مهمًا بالنسبة لنا، ونحن سعيدون بالحكومة الجديدة."
وأشارت الشبكة الألمانية إلى أن تحالف فرنسي ألماني قوي قد يواجه تحديات فالعلاقات بين البلدين شهدت توترًا كبيرًا مؤخرًا، ليس فقط بسبب الخلافات داخل الائتلاف الحكومي الألماني المنتهية ولايته، بل أيضًا بسبب اختلاف الشخصيات بين شولتز وماكرون. وفي حين أن شولتز يتمتع بالهدوء والتحفظ، يظل ماكرون حيويًا ولديه رؤى طموحة.
ويرغب فريدريش ميرتس وإيمانويل ماكرون في بدء فصل جديد في العلاقات بين بلديهما، لكن هناك عقبات قد تعترض طريقهما. فقبل أن يتم تشكيل حكومة جديدة في ألمانيا، قد يواجه ميرتس بعض المنافسة مع المستشار الحالي، أولاف شولتز.
وأعلن ميرتس أنه أرسل "مذكرة تفاهم" إلى شولتز تتضمن إرشادات واضحة حول ما يمكن وما لا يمكن للمستشار الحالي القيام به خلال الفترة المتبقية من ولايته. وقد ردت صحيفة "بيلد" الألمانية بعنوان: "الاتحاد يريد وضع شولتز تحت السيطرة!"
بالإضافة إلى ذلك، يواجه ماكرون تحديات داخلية، حيث يتغير رئيس الوزراء بشكل مستمر، وهو ما يجعله يشعر بالقلق بشأن أغلبية البرلمان. وإذا جرت انتخابات جديدة في فرنسا اليوم، فإن استطلاعات الرأي تشير إلى أن السياسية اليمينية المتطرفة مارين لو بان قد تفوز.
وبينما يتفق ميرتس وماكرون على أهمية أن يكون المحرك الفرنسي-الألماني هو دافع الاتحاد الأوروبي، لا يوافق جميع أعضاء الاتحاد الأوروبي على أن تقود "الدولتان الكبيرتان" أوروبا. فمع انتخاب رئيسة وزراء إيطاليا اليمينية جورجيا ميلوني، التي تعتبر حليفة لترامب، أصبح هناك منافس داخلي جديد في أوروبا. وهناك انقسامات داخل الاتحاد الأوروبي وخاصة فيما يتعلق بالسؤال عن إرسال الاتحاد الأوروبي قوات حفظ سلام إلى أوكرانيا للمساعدة في تأمين اتفاق سلام بين ترامب وبوتين. فماكرون يؤيد هذا الطرح، بينما يظل ميرتس متشككًا.
أما بولندا، فقد أكدت ماجدالينا سوبكوياك-تشارنيتسكا أنه "يجب على كل دولة اتخاذ قراراتها الخاصة – لا نقوم بذلك على مستوى الاتحاد الأوروبي". وأضافت: "لقد قررنا أننا لن نرسل قوات إلى أوكرانيا. يمكننا دعم أوكرانيا لوجستيًا وبطرق أخرى، ولكن باعتبارنا دولة جارة لمنطقة حرب، يجب أن نركز أولاً على ضمان أمننا".
وسيجتمع قادة الاتحاد الأوروبي في 6 مارس في بروكسل لعقد قمة أزمة بشأن أوكرانيا لمناقشة تقديم المساعدات لأوكرانيا.
ولن يتمكن ميرتس من حضور القمة بصفته رئيسًا للحكومة الألمانية، لكن المستشار الحالي أولاف شولتز وعد بإبقائه على اطلاع خلال مرحلة الانتقال.
وما إذا كان ميرتس سينجح في وضع العلاقات الفرنسية الألمانية على مسار جديد، سيظهر في الأشهر القادمة.