مدفع رمضان.. صدفة خرجت من مصر إلى العالم
"مدفع الإفطار اضرب".. كلمات عالقة في وجدان المصريين، لا يمكن فصلها عن شهر رمضان المبارك، حيث تشير إلى "مدفع" تلك الوسيلة التي اتخذها أجدادنا قديمًا لتنبيههم إلى دخول وقت الصيام والإفطار، بما يتناسب مع زمنهم، ورغم أن الحاجة إليها تلاشت في يومنا هذا، إلا أنها خرجت من هذا الطور، لتصبح تراثًا شعبيًا أصيلًا.
مدفع رمضان.. من مصر إلى العالم
لا يوجد اتفاق بين الروايات التاريخية حول السنة التي شهدت انطلاق أول طلقة مدفع ليعلم بها الصائمون بدخول وقت الإمساك أو الإفطار، فهناك من يجزم بأن العهد المملوكي كان أول شاهد على ذلك، فيما يقول آخرون إنه كان عهد محمد علي، ويذهب البعض إلى أبعد من ذلك ويقول إنه تم في عهد حفيده إسماعيل، إلا أن سردية جميع هذه الروايات تتشابه إلى حد كبير.
الرواية الأولى في شأن ظهور "مدفع رمضان" في مصر، تفيد بأن ذلك تم في عهد السلطان المملوكي "خشقدم" في رمضان من العام 865 هـ الموافق 1461م، وذلك حين كان الجنود يقومون بتجربة واختبار مدفع أُهدي للسلطان، فتصادف انطلاق المدفع مع غروب الشمس وآذان المغرب في أحد أيام رمضان، وهنا، ظن سكان القاهرة أن السلطان من أمر بهذا ليعلم الناس بموعد الإفطار.
وعلى أثر ذلك، طالب المصريون السلطان باستمرار إطلاق المدفع طوال شهر رمضان، وذلك لأن أصوات المؤذنين في المساجد لا تصل إلى كل أهل القاهرة، وبالفعل، وافق السلطان على مطلبهم.
أما الرواية الثانية، فتشير إلى أن المصريين عرفوا "مدفع رمضان" أيام حكم محمد علي الذي كان في الفترة من 1805 حتى 1848م، دون الوقوف عند سنة معينة، حيث كان ذلك حين بدأ في خطة تطوير الجيش.
تتشابه هذه الرواية بشكل كبير مع الرواية السابقة، حيث تقول إن دوي انفجار المدفع تصادف مع غروب شمس إحدى أيام شهر رمضان المبارك، مما دفع المصريون إلى المطالبة باستمرار إطلاق المدفع طوال الشهر المبارك.
قابل محمد علي من جانبه هذا المطلب بالموافقة، حيث خصص لذلك مدفعًا ينطلق مرتين، واحدة منهما في وقت الإفطار والأخرى في وقت السحور.
الرواية الثالثة لا تختلف كثيرًا عن سابقاتها، حيث تقول إن ظهور "مدفع رمضان" كان في عهد الخديوي إسماعيل، حفيد محمد علي باشا، الذي حكم مصر في الفترة من 1863 حتى 1879م.
مدفع الحاجة فاطمة
ففي إحدى أيام الشهر المبارك، في عهده، كان بعض الجنود يقومون بتنظيف أحد المدافع فانطلقت منه قذيفة دوت في سماء القاهرة تزامنًا مع انطلاق آذان المغرب.
تلك الواقعة، وصلت أخبارها للحاجة فاطمة ابنة الخديوي إسماعيل فأعجبتها الفكرة، حيث طالبت الخديوي بإصدار فرمان يجعل من إطلاق المدفع عادة رمضانية جديدة، وعُرف وقتها باسم "مدفع الحاجة فاطمة".
هذه الفكرة لم تتوقف عند حدود الدول المصرية، حيث راجت في جميع أقطار العالم الإسلامي، فوصلت إلى الشام، ثم إلى العراق، ودول الخليج، وكذلك اليمن، والسودان، ونواحي أخرى في كل من آسيا وأفريقيا.
تراث مصري أصيل
ومنذ أن عرف المصريون "مدفع رمضان"، أصبح دوي طلقات المدفع عادة يومية في الشهر الفضيل، بغرض تنبيه الصائمين بحلول موعد الإفطار أو الإمساك.
لكن بحلول عام 1992، وجراء التطور الهائل الذي شهدته البلاد في القرن الماضي، سكت المدفع، ومع ذلك، ظل في قلوب وأذهان المصريين، حيث أصبح من التقاليد الراسخة ومظهرًا من مظاهر الشهر الكريم.
استمر صمت المدفع حتى رمضان 2021، ففي ذلك العام، قررت وزارة السياحة والآثار إطلاق المدفع مرة أخرى من قلعة صلاح الدين الأيوبي بالقاهرة، وذلك بعد ترميمه حفاظًا على التراث الأثري.