حق تقرير المصير.. مبدأ مصر
مصر لا تعرف سوى السلام القائم على الحق والعدل.. مصر لن تشارك فى أى ظلم يقع على الشعب الفلسطيني.. وتؤكد الالتزام تجاه قضايا أمتنا المشروعة».. ثلاثة تصريحات، ضمن مجموعة من التصريحات، أدلى بها الرئيس عبدالفتاح السيسي، فى كلمته خلال افتتاح القمة العربية الطارئة التى استضافتها مصر، أمس الثلاثاء، لبحث مستقبل غزة.
وجاءت تصريحات الرئيس السيسى، لتؤكد«مبدأ مصر» فى التعامل مع الأزمات التى ضربت - ولا تزال تضرب - منطقة الشرق الأوسط، سواء تلك التى على حدودها الغربية فى الجانب الليبى، أو جنوبًا فى السودان، أو شمالًا فى قطاع غزة، ففى الأزمات الثلاث السابقة، تحملت القاهرة مسؤوليتها كاملة، ولم تحاول مرة واحدة التنصل من هذه المسؤولية، بل على العكس تمامًا، كانت القيادة المصرية حاضرة فى كل مشهد لـ«الوساطة» أو «التفاوض»، دافعة بكل الجهود المبذولة لتهدئة الشرق الأوسط.
«مبدأ مصر»، فى التعامل مع الأزمات يمكن تلخيصه فى ثلاث كلمات«حق تقرير المصير»، فكما أعلنت سابقًا رفضها التدخلات الغربية فى ليبيا وحذرت من تفاقم الأمور هناك، لم تقف صامتة أمام ما يحدث فى السودان، حيث أعلنت رفضها - مرات عدة - لكل ما يجرى ترتيبه خارج الحدود السودانية، أو رغبة بعض الأطراف فى فرض سيناريو لا يخدم مصلحة الأشقاء فى الخرطوم، ولعل آخر هذه المواقف ما أعلنته وزارة الخارجية، الأحد الماضى، عن رفضها لأى محاولات تهدد وحدة وسيادة وسلامة أراضى السودان الشقيق بما فى ذلك السعى نحو تشكيل حكومة سودانية موازية.
الرفض المصرى كان واضحًا، فـ«القاهرة»، وبحكم سنوات طويلة من إدارة هذه النوعية من الملفات، أكدت أن السعى نحو تشكيل حكومة سودانية موازية يعقد المشهد فى السودان، ويعوق الجهود الجارية لتوحيد الرؤى بين القوى السياسية السودانية، ويفاقم الأوضاع الإنسانية، مطالبة كافة القوى السودانية بتغليب المصلحة الوطنية العليا للبلاد والانخراط بصورة إيجابية فى إطلاق عملية سياسية شاملة، دون إقصاء أو تدخلات خارجية.
والمتابع الجيد للموقف المصرى منذ اندلاع الصراع فى السودان، يجد أن «القاهرة» لم تقف فى صف طرف على حساب الآخر، لكنها التزمت بـ«الدعوة إلى التهدئة» والتحذير من الانجرار إلى مستنقع المواجهات الدموية التى لا طائل منها، والدعوة إلى تغليب المصلحة الشعبية والتخلى عن أى أطماع أو رغبات خاصة من شأنها الإضرار بمصلحة الشعب السودانى.
مبدأ «حق تقرير المصير»، كان حاضرًا أيضا فى المشهد الفلسطينى، فلسنوات طويلة التزمت مصر فى تعاملها مع القضية الفلسطينية بـ«الوساطة» و«التفاوض» و«النصح»، ولم تتقدم يومًا ناحية فرض الوصاية أو الدفع باتجاه تحقيق مصالحها، بل على العكس تمامًا، يمكن القول إن القاهرة تكبدت العديد من الخسائر الاقتصادية والسياسية نتيجة موقفها الواضح من القضية الفلسطينية، وتحملت كثيرا من التهديدات والاتهامات منذ بداية العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، لا لشيء إلا لتمسكها الدائم والواضح بـ«حل الدولتين»، ورفضها أى سيناريوهات أخرى يجرى طرحها، سواء من جانب تل أبيب أو العواصم الغربية التى تقف إلى جانب الكيان المحتل.
واليوم.. ومصر تحتضن القمة العربية الطارئة، التى أقيمت مساء أمس الثلاثاء، فإنها أكدت مبدأها على لسان الرئيس عبدالفتاح السيسى، وطرحت على العالم خطة مصرية بموافقة عربية لإعمار غزة وتحقيق التعافى المبكر، وهى خطة وحيدة أعدتها القاهرة، وعرضتها على الأشقاء العرب، لمواجهة مؤامرة التهجير التى حاول - ولا يزال- الرئيس الأمريكى دونالد ترامب تنفيذها على أرض غزة، غير أن الموقف المصرى الرافض للتهجير، ورغبة القاهرة فى تأكيد أحقية الشعب الفلسطينى فى تقرير مصيره وعدم فرض أى نوع من الوصاية عليه، ساهم فى تراجع ترامب عن موقفه قليلا، وإن كانت هناك بعض الأصوات داخل الكيان المحتل عادت خلال الأيام الماضية للحديث عن التهجير مرة ثانية، وهو أمر سبق وأن عارضته مصر وحذرت العالم من النتائج التى يمكن أن تترتب على المضى قدمًا ناحية تنفيذه.
