رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


التطرف وأدوات المكافحة

6-3-2025 | 12:51


د. إكرام بدرالدين

د. إكرام بدرالدين

يقصد بالتطرف المغالاة وعدم الاعتدال، والتطرف بهذا المعنى يمكن أن يكون فكريا، أو سياسيًا، أو سلوكيا، بمعنى المغالاة في رفض فكرة معينة، أو المغالاة في تقبلها، ومحاولة فرضها على الآخرين وعدم تقبل فكرة الحوار، أو السماح بتبادل الآراء، أو ما يمكن التعبير عنه بمفهوم التعصب، وربما تزداد حدة التعصب والتطرف بالنظر إلى بعض العوامل والتي قد تكون ثقافية، أو اجتماعية، أو اقتصادية، أو عوامل تتعلق بالسن ومستوى التعليم، وبحيث يمكن القول إن التطرف يكون أكثر سهولة في ظهوره لدى غير المثقفين أو ذوى المستوى التعليمي المنخفض دون أن يعني ذلك أنه لا يظهر في بعض الأحيان لدى المتعلمين والمثقفين ولكن ربما يكون الفارق في هذه الحالة فارقا في الدرجة أو الشدة.

ويمكن أن يرتبط التطرف أيضا في شدته وحدته بالاعتبارات الاجتماعية والاقتصادية بمعنى أنه يكون أكثر احتمالًا في ظهوره وفي حدته لدى أصحاب المكانة المتدنية في السلم الاجتماعي والذين يعانون متاعب اقتصادية حادة، ولذلك فإنه في حالات متكررة يرتبط التطرف بالمناطق العشوائية والتي تعاني نقص الخدمات وتدهور الأحوال المعيشية، وعدم الاهتمام من جانب الدولة مما يؤدي إلى تزايد مشاعر الاستياء، وعدم الرضا، ويجعل الظروف مهيأة لظهور التطرف، واللجوء إلى السلوك السياسي العنيف، كما يمكن أن يكون التطرف أيضا مرتبطا بالعمر بمعنى إنه من المتصور أن تزداد احتمالات ظهور التطرف لدى فئات الشباب مقارنة بكبار السن، كما تزداد احتمالات ظهوره لدى الرجال مقارنة بالسيدات، كما قد تلعب بعض المتغيرات الإقليمية أو الدولية دورا مهما في المساعدة على ظهور التطرف سواء على المستوى الفكري، أو على المستوى السلوكي، فظهور فكر متطرف أو جماعات متطرفة في دولة معينة يمكن أن ينتقل إلى دول أخرى مجاورة وذلك نتيجة لما يطلق عليه أثر التقليد والمحاكاة أو نظرية الدومينو، بمعنى أن التطورات السياسية في دولة معينة يمكن أن تمتد إلى دول أخرى مجاورة وخصوصا بالنظر إلى الثورة التي يشهدها العالم في وسائل الاتصال، وتكنولوجيا الاتصالات وبحيث أن التطورات التي تحدث في أي جزء من العالم، أو في أي دولة تكون معلومة للجميع، كذلك فإن التطورات الاقتصادية التي يشهدها العالم، أو أقاليم معينة والمتمثلة في ارتفاع درجة التضخم على سبيل المثال أو زيادة البطالة، أو زيادة أسعار الخدمات، أو تقلب أسعار الصرف، أو زيادة أسعار المواد الأولية و الطاقة يمكن أن تكون من العوامل المحفزة للتطرف لما تطرحه من آثار سلبية من النواحي الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية.

وتوجد عدة أشكال وأنماط للتطرف، ولعل أهمها التطرف الديني والذي يرتبط بالتعصب والمغالاة وخصوصا في حالة اختلاف الأديان، أو المذاهب، وبحيث يشعر كل طرف وكل جماعة، وأصحاب كل مذهب أنهم على صواب وأن الآخرين على خطأ مما يزيد من حدة التعصب واحتمالات المجابهة بين الجماعات المختلفة، كما قد يكون التطرف أيضا مرتبطا بالاتجاهات السياسية في حالات متعددة، فالأيديولوجيات والاتجاهات السياسية في عالم السياسة معروفة وأهمها ثلاثة اتجاهات وهي اليمين، والوسط، واليسار، وفي بعض الحالات تحدث مغالاة لدى المنتمين إلى هذه الاتجاهات، وفي هذه الحالة تظهر اتجاهات وأحزاب يمينية متطرفة سواء كان هذا التطرف دينيا أو علمانيا، ويمكن الإشارة في هذا الإطار إلى الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة برئاسة بنيامين نتنياهو، كما ظهرت اتجاهات يمينية متطرفة أيضا في عدد من الدول الأوروبية والتي تطرح آثارها سواء على المستوى الداخلي، أو المستوى الدولي كما يمكن أن يكون التطرف أيضا في الاتجاه نحو اليسار المتطرف لبعض الأحزاب.

ويطرح التطرف آثاره السلبية إذا وجد داخل الدولة لما يؤدي إليه من انقسامات، واحتمال حدوث مجابهات وبما يمثل تهديدا للدولة وأمنها واستقرارها، فتواجد التطرف والتعصب داخل الدولة يمكن أن يؤثر على الولاء المفترض للدولة ككل نتيجة لانشغال الجماعات المختلفة بنظرتها الضيقة والتي تحاول أن تفرضها على الآخرين وبما قد يتعارض مع مصلحة الدولة وخصوصا إذا لجأت أحد الجماعات المتطرفة إلى محاولة فرض أفكارها على الآخرين من خلال السلوك السياسي العنيف، وبعبارة أخرى فإن تواجد التطرف والتعصب داخل الدولة يطرح آثاره السلبية من مختلف الجوانب السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والأمنية، فالتطرف يؤثر سلبا على الشرعية وهي أحد المقومات المهمة التي يستند إليها أي نظام، فالشرعية يقصد بها درجة التقبل والرضا عن النظام ومؤسساته وسياساته، والتي تتأثر بالضرورة نتيجة لوجود التطرف والتعصب خصوصا إذا تم اللجوء إلى السلوك السياسي العنيف من جانب الجماعات المتطرفة مما يطرح آثاره السلبية على الدولة ككل ويؤثر سلبا على الجميع، ولذلك يكون من المرغوب فيه نزع فتيل التطرف ومكافحته لكي تتجنب الدولة ما يترتب عليه من آثار سياسية متعددة إضافة إلى الآثار الاقتصادية، والاجتماعية، والأمنية ولذلك يثار تساؤل مهم حول أنسب الأساليب التي تتبع لمواجهة التطرف والتخلص منه، وتجنب الآثار السياسية المترتبه عليه.

ويمكن الإشارة إلى عدد من السياسات والعوامل التي يمكن اتباعها لمواجهة التطرف والتي يطلق عليها أدوات مواجهة التطرف ويلاحظ أن هذه الأدوات المتبعة يجب أن يكون بينها درجة من التجانس وأن تسير كلها في نفس الاتجاه لتحقيق المكافحة الناجحة للتطرف، وتعتبر هذه المكافحة مسئولية مؤسسات الدولة المختلفة في مجال اختصاص كل منها لمواجهة التطرف وما يترتب عليه من آثار سلبية، وتتمثل أهم هذه الأدوات في الحالة المصرية فيما يلي:-

1 - دور الأزهر الشريف، حيث يمثل الأزهر الاتجاه المعتدل ويعبر عن الوسطية في الدين، ولذلك يعتبر الأزهر كمؤسسة ورجال الأزهر بمثابة حائط الصد في مواجهة الاتجاهات الدينية المتطرفة حيث يعبر الأزهر ورجاله عن التيار الديني المعتدل والمتوازن ويقومون بالتعريف بصحيح الدين والتخلص من البدع والخرافات التي حاول البعض إلصاقها بالدين، ويعمل الأزهر على التخفيف من غلواء التطرف ويحقق التوازن والاعتدال في الأفكار التي تعمل بعض الجماعات المتطرفة على نشرها، كما أن لمؤسسة الأزهر دورها أيضا في غرس قيم التسامح وقبول الآخر ويصبح الأزهر بذلك أحد الأدوات المهمة التي تحد من درجة التطرف والتعصب، كما يوضح الأزهر ورجاله أيضا خطورة اللجوء إلى السلوك العنيف لفرض الرأي، وبما يتعارض مع مصالح المجتمع ككل.

2 - دور وسائل الإعلام الجماهيري كالإذاعة، والتلفزيون، والصحافة والتي تعمل على توضيح الحقائق للمواطنين، وبأسلوب مبسط، وإقناعهم بخطورة اللجوء إلى التطرف الفكري أو السلوك العنيف، وأن الرأي يواجهه رأي آخر، وأن المجتمع توجد فيه العديد من الآراء والأفكار التي يتم التعبير عنها بالطرق السلمية، ومن خلال الحجة والإقناع وليس من خلال السلوك العنيف أو التطرف وذلك حفاظا على الوطن ومؤسساته وثرواته، وأيضا حفاظا على الأمن القومي، وتعتبر وسائل الإعلام الجماهيري من أهم أدوات التنشئة السياسية أي غرس القيم الإيجابية في المواطنين وتعريفهم بأهمية الحفاظ على أمن الوطن واستقراره، وعدم اللجوء إلى التطرف بمختلف أشكاله سواء كان التطرف الفكري أو السلوك السياسي العنيف، وتعمل على غرس قيم الثقافة السياسية المهمة مثل قيم المشاركة، والتسامح، والثقة، والتعددية حيث تؤدي هذه القيم إلى مواجهة التطرف وتساعد على انحساره في حالة وجوده.

3 - الأحزاب السياسية: حيث تعتبر الأحزاب السياسية من المؤسسات المهمة التي تتوسط في العلاقة بين النخبة والمواطنين، وتعمل على رفع مطالب العامة للنخبة، كما تعمل في نفس الوقت على إقناع المواطنين بسياسات وقرارات النخبة، وتؤدي هذه القناة الاتصالية المزدوجة إلى تنفيذ البرامج والسياسات النخبوية والتعبير عن مطالب ورغبات المواطنين بطريقة سلمية ومنظمة ودون الحاجة إلى اللجوء إلى السلوك العنيف بل تتم العملية بطريقة سلمية  بين الطرفين، كما أن الأحزاب بما تعقده من مؤتمرات ولقاءات جماهيرية تسهم في إقناع المواطنين بالبرامج والسياسات وتتراجع بالتالي إمكانية اللجوء إلى السلوك السياسي العنيف أو التطرف.

4 - الجامعات والوزارات والتي تلعب أيضا أدوارا مهمة، فالجامعات يكون لها تأثيرها بصفة خاصة على الشباب الجامعي، والعمل على غرس الأفكار الإيجابية لديهم، ويرتبط ذلك أيضا بعملية التنشئة والتي يمكن أن تتحقق في حالة الجامعات من خلال المناهج الدراسية، والندوات، والمؤتمرات العلمية، واستضافة شخصيات سياسية، والمناقشات المتبادلة مع الطلاب، وبما يتيح لهم التعبير عن الرأي والمطالب بطريقة سلمية، ويكفل ذلك أيضا تعددية الآراء والأفكار، ويسهم في تراجع التطرف الفكري والسلوكي.

ويمكن لوزارات الدولة المختلفة من خلال أنشطتها الإسهام أيضا في تدعيم قيم التعددية، والتسامح، وقبول الآخر، والبعد عن التعصب، فوزارة الثقافة على سبيل المثال من خلال أنشطة لجانها المختلفة  وما تعقده من ندوات في قصور الثقافة في المحافظات، والأقاليم والمدن المختلفة تسهم في مواجهة التطرف، وكذلك وزارة الشباب من خلال أنشطتها في مراكز الشباب في المدن والقرى والمحافظات يمكن أن تغرس هذه القيم الإيجابية، وأن تسهم في رفع درجة الوعي وبما يحقق المواجهة الناجحة للتطرف سواء على المستوى الفكري أو السلوكي.