رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


سعيد سلامة: شعر العامية ذاكرة وطن.. قادر على حمل التفاصيل الصغيرة (حوار)

7-3-2025 | 13:09


سعيد سلامة

بيمن خليل

سعيد سلامة، شاعر مصري واعد، نال جائزة أحمد فؤاد نجم لشعر العامية المصرية، جمع بين حب اللغة الإسبانية والإبداع الشعري بالعامية، على الرغم من صغر سنه، استطاع أن "يمضي كالطير" كما هو اسم ديوانه الأبرز، ليحلق في سماء الشعر والترجمة، تُرجمت دواوينه إلى الإسبانية، وحظيت بانتشار واسع في الدول الأوروبية والعربية، أجرت معه "بوابة دار الهلال" هذا الحوار للحديث حول رحلته الأدبية، وتأثره باللغتين العربية والإسبانية.

إلى نص الحوار..

- كيف بدأت رحلتك مع الشعر؟ وما الذي ألهمك للكتابة بالعامية المصرية؟

الشعر بالنسبة لي لم يكن بداية بقدر ما كان اكتشافًا، كأن الكلمات كانت مختبئة في زوايا روحي، تنتظر لحظة مناسبة كي تظهر، بدأت حين أدركت أن الحياة ليست مجرد أحداث وأيام، بل هي إحساس يحتاج إلى ترجمة، إلى صوت قادر على التقاط ما لا يُرى بالعين، وجدت نفسي أكتب لأرتب الفوضى بداخلي، لأبحث عن إجابات، أو لأترك الأسئلة عائمة، الشعر مرآةً، لكنه في الوقت نفسه نافذة، أرى فيها العالم كما أشعر به، لا كما يُقال لي أن أراه.

- ما الذي ألهمك للكتابة بالعامية المصرية؟

العامية المصرية ليست مجرد لغة عابرة، إنها ذاكرة وطن، وإيقاع يومي يُسمع في الأسواق، ويُرى في عيون الناس، اخترت الكتابة بها لأنها قادرة على حمل التفاصيل الصغيرة، على أن تكون حميمية وشاملة في آن واحد، الإلهام جاء من عمقها، من قدرتها على البوح دون تصنّع، ومن قربها للإنسان البسيط الذي يحمل الحكايات في قلبه، شعرت أن العامية ليست فقط أداة للتعبير، بل وسيلة للخلق، لبناء عوالم شعرية تصل إلى الجميع دون حواجز، وكأنها لغة الروح حين تخرج من قيد الكلمات.

- ماذا يعني لك الفوز بجائزة أحمد فؤاد نجم لشعر العامية المصرية عن ديوان "خطر"؟ وماذا أضافت لك الجائزة؟

الفوز بجائزة تحمل اسم أحمد فؤاد نجم هو كأنك تتلقى مباركة من صوت العامية المصرية نفسه، ذلك الصوت الذي لم يكن يومًا مجرد كلمات، بل ثورة تنبض بالحياة والحرية، أن يُمنح ديوان "خطر" هذا التكريم يعني أن كلماتي وصلت، وأن ما كتبته من وجع وأمل قد صار جزءًا من حوار أوسع مع الوطن، ومع الإنسان البسيط الذي يحمل الحقيقة في عينيه. هذه الجائزة أضافت لي أفقًا جديدًا ومسؤولية أكبر، جعلتني أدرك أن الكتابة ليست ترفًا، بل التزامًا نحو القارئ، نحو الأرض التي أنتمي إليها، ونحو اللغة التي تنبض بروح هذا الشعب، لقد منحتني ثقةً بأن الكلمة قادرة على العبور إلى القلوب مهما بدت الطرق مستحيلة، وشجعتني على مواصلة السير في درب الكتابة دون خوف من المخاطر.

- ما هي أكبر التحديات التي تواجهها كشاعر يكتب بالعامية المصرية ولديه اهتمام باللغة الإسبانية؟

التحدي الأكبر يكمن في التوازن بين الجذور والأفق؛ فالكتابة بالعامية المصرية تمثل الانتماء للشارع والنبض البسيط، بينما يمثل الاهتمام باللغة الإسبانية انفتاحًا على فضاء أوسع وربطًا بين عالَمين، أسعى للحفاظ على الروح المصرية واكتشاف أبعاد جديدة في الإسبانية، العامية المصرية لها إيقاعها الخاص، بينما تتطلب الإسبانية إيقاعًا عالميًا يُحَسّ دون ترجمة، الشعر هنا يصبح رحلة مزدوجة بين الوفاء للذات والانفتاح على الآخر، بين الحفاظ على الهوية وتجاوز الحدود، مما يجعل هذا التحدي فرصة لصنع لغة ثالثة ترتبط بالإنسان أكثر من الحرف.

- قمت بترجمة قصيدة (لا تصالح) للشاعر الكبير أمل دنقل.. لماذا اخترت هذه القصيدة؟

ترجمة قصيدة "لا تصالح" كانت بمثابة ترجمة لروح القصيدة وليس مجرد كلمات، اخترتها لأنها نقش في وعي أمة تبحث عن الكرامة والصمود، تحمل القصيدة رسالة كونية تتجاوز الزمان والمكان، وترجمتها إلى الإسبانية كانت تهدف إلى إيصال هذا الصوت العميق إلى العالم الآخر، القصيدة اختبار دائم لضمير الإنسان، وترجمتها إعلان بأن الكلمة، مهما كانت مقيدة بلغة، يمكنها أن تصل إلى كل من يمتلك قلبًا ينبض بالعدل.

- حدثنا عن مؤلفاتك الأدبية، وما هي أبرز الكتب التي ترى أنها تركت أثراً لدى القراء أو كانت الأقرب إلى قلبك؟

كتبي ليست مجرد أوراق مطبوعة؛ إنها امتداد لروحي وصراعاتي، كل ديوان منها كان محاولة لتحويل الألم إلى لغة.

- "شيتا": صراخ الروح بحثاً عن دفء.

- "خطر": رقصة الروح على حافة المجهول.

- "يمضي كالطير": احتفاء بالحرية.

- "Libre": لقاء بين لغتين وحضارتين.

صدرت جميع الأعمال بين عامي 2021 و2025، ورغم أن كل كتاب يحمل جزءًا من روحي، فإن الأثر الحقيقي هو ما يتركه في نفوس قرّائي، فالكتابة ليست مجرد فعل، بل نجاة متبادلة بين الكاتب والقارئ.

- حصلت على جوائز في إسبانيا عن ديوان "يمضي كالطير" و"Libre"، كيف تعاملت مع هذا الاحتفال الدولي؟

أن تُحتفى كلماتي في وطن بعيد، حيث اللغة صديقة وليست أمًا، كان أشبه برؤية الطيور تعبر المحيطات دون أن تضيع، الجوائز لم تكن مجرد تكريم، بل اعتراف بأن الإحساس الإنساني يتجاوز حدود اللغة والجغرافيا، تعاملت مع الاحتفال بتواضع وشغف لإعادة تعريف نفسي، لم أعتبره نهاية الرحلة، بل بداية لمسؤولية أكبر، شعرت أن الشعر هو لغة لا تحتاج إلى ترجمة، وأن الحلم الذي بدأ في مصر يمكنه أن يصل إلى العالم. تلك الجوائز أكدت أن الإبداع هو لقاء صامت بين أرواح البشر، وأن ما يوحدنا كإنسانية أعمق من أي اختلافات سطحية.

- ما الذي دفعك لاختيار كتابة ديوان "Libre" باللغتين العربية والإسبانية؟

كتابة ديوان "Libre" باللغتين العربية والإسبانية كانت حالة من الانفتاح الثقافي، لرسم جسر بين روحين تتشاركان شغف الحرية، اللغة العربية هي جذوري، بينما الإسبانية نافذتي نحو عالم آخر، مضيفة ألوانًا جديدة إلى لوحتي الشعرية. الحرية في الديوان لا تعرف لغة واحدة، بل تبحث عن التنوع والتعبير بطرق تفهمها القلوب قبل العقول، "Libre" هو رسالة مزدوجة: للعربية موسيقى تُطرب العالم، وللإسبانية دفء يتسع لتجارب الشرق، إنه لقاء بين حضارتين، يكتب عن الحلم والإنسان، ويدعو القارئ إلى أن يرى نفسه في مرآة الآخر، حيث الحرية هي المبدأ المشترك.

-  كيف ترى الفرق بين شعر العامية والفصحى؟ وهل ترى أن أحدهما أقدر على التعبير عن مشاعر الناس وهمومهم؟

شعر العامية هو ابن اللحظة، يعانق الوجع ويواسي الفرحة بلهجة الصدق المباشر، أما الفصحى، فهي صوت الأزل، تعانق الخلود بمعانيها العميقة، كل منهما يملك أدواته وسحره،  العامية قد تلمس القلب فوراً، لكنها الفصحى التي تترك أثراً لا يُمحى على الروح.

- هل سبق أن واجهت رفضاً أو نقداً لشعرك؟ وكيف تعاملت معه؟

النقد هو المطر الذي يروي حديقة الشعر، والرفض هو الرياح التي تعصف بالأغصان الضعيفة لتترك القوية، لم أخشَ النقد يوماً، بل اعتبرته فرصة لصقل أدواتي، لأن الشعر الذي لا يتحمل النقد، لا يستحق الحياة.

- ما هي اللحظة التي شعرت فيها أن موهبتك حصلت على التقدير الذي تستحقه؟

التقدير الحقيقي ليس في الجوائز ولا في التصفيق، شعرت به حينما قرأت في عيون أحدهم دمعةً، وسمعت في صوت آخر تنهيدةً، لأنهم وجدوا في شعري تعبيراً عن مشاعرهم التي عجزوا عن صياغتها.

- كيف تتفاعل مع الأحداث السياسية والاجتماعية الكبرى في كتاباتك؟

أنا لا أكتب عن الحدث، بل عن أثره في الإنسان، السياسة والأحداث ليست سوى خلفية للوحة أكبر، لوحة الروح البشرية التي تهتز تحت وطأة المعاناة أو ترفرف تحت أجنحة الحرية، أكتب لأوثّق هذا الاهتزاز.

-كيف ترى مستقبل شعر العامية في ظل المنافسة مع الفنون الأخرى؟

شعر العامية مثل الماء، يأخذ شكل الوعاء الذي يوضع فيه، قد تتغير الأشكال، لكن الروح تبقى حية، طالما هناك إنسان يتحدث العامية ويحلم بها، سيظل لشعر العامية مكانه.

- لو خُيرت بين أن تُذكر كواحد من أهم شعراء العامية أو أن تظل شاعرا قريبا من الناس دون ألقاب، أيهما تختار ولماذا؟

أختار أن أكون قريباً من الناس، لأن الشعر بلا قلوبٍ تسكنه يصبح مجرد كلمات، الألقاب تزول، لكن البصمة التي يتركها الشاعر في قلوب الناس تظل خالدة.

- تم ترجمة ديوانك "يمضي كالطير" للإسبانية، كيف كانت التجربة؟ وكيف سعيت إليها؟

ترجمة "يمضي كالطير" للإسبانية كانت رحلة بحث في عمق المعنى، وليست مجرد نقل للكلمات، كانت تجربة تمزج بين الحلم والواقع ومحاولاتنا للعثور على أنفسنا في عيون الآخرين، كل كلمة في هذا الديوان تكتسب هوية جديدة بلغة أخرى، كانت الترجمة وسيلة لخلق جسور بين الثقافات وإيصال نفس الإحساس إلى قارئ لا يملك مفاتيح البيئة الأصلية للنص. كانت التجربة كإطلاق طائر يغرد في أرضي ويطير في سماء جديدة، يحمل رسالتي دون أن يفقد جوهره، كانت عملية تنقية للشعر، تحافظ على أجنحة الكلمات وتمنحها قوة الطيران عبر حدود اللغة دون أن تُسجن داخلها.

- ما هو إحساسك عند رؤية أعمالك تُقرأ وتُقدَّم في مدريد وبرشلونة وغرناطة؟

عندما تُقرأ أعمالي في مدريد وبرشلونة وغرناطة، أرى لقاءً حميمًا بين الروح المصرية والروح الإسبانية، الإحساس يتجاوز الفخر، وهو لحظة من الغموض العميق حيث تتشابك الأزمنة والأماكن، كلماتي تتحول إلى أصوات تحيي كل زاوية، وتجد طريقها في ثقافة أخرى. الأدب يسافر دون أن يفقد هويته، والكلمة تملأ المسافة بين الضفتين وتستمر في العيش في قلوب متباعدة.. ما أكتبه يصبح ملكًا للجميع، ويتواصل بين الأرواح عبر الأزمان.

- ما هي خططك المستقبلية في الأدب والشعر؟

خططي المستقبلية في الأدب والشعر هي رحلة مستمرة في اكتشاف أعماق جديدة للكلمة وطرق بوح غير مرئية، أسعى لرسم خريطة جديدة للغة تجمع بين التقاليد والحداثة، وبين الشرق والغرب، أهدف لكتابة ديواني الجديد أو ترجمة أعمال تحمل رسائل لم تُقل بعد، مع توسيع نطاق الأدب الذي أقدمه.. الشعر بالنسبة لي هو قوة تبني جسورًا بين الناس، تغذي الأرواح وتشعل الفكر، أطمح أيضًا للتفاعل الثقافي وتوسيع دائرة القراء حول العالم، مع الحفاظ على صدقيتي مع النفس والكلمة، متوجهًا نحو الحقيقة في كل زوايا الوجود.

- إلى أي مدى تعتمد في كتاباتك على التجربة الشخصية؟

التجربة الشخصية هي البذرة التي تنبت منها أشعاري، لكنني لا أكتب عن ذاتي فقط، بل أكتب عنها كي أُصوّر ذات الجميع، أعيش التجربة لأحولها إلى مرآة يرى فيها الآخرون أنفسهم، وكأنني أستعير صوتي لأحكي عن آلامهم وأحلامهم.

- ما هي النصيحة التي تقدمها للشعراء الشباب الذين يحاولون إثبات أنفسهم في مجال شعر العامية؟

اكتبوا ما تشعرون به، لا ما تتوقعون أن يسمعه الآخرون، لا تخشوا البدايات المتواضعة، ولا تنحنوا أمام النقد الجارح. الشعر صرخة، ومن يصرخ بصدق يسمعه العالم.

- ما هو السؤال الذي كنت تتمنى أن أسألك إياه ولم أطرحه؟

كنت أتمنى أن تسألني: "لماذا تكتب؟" لأن الكتابة ليست مجرد حرفة أو وسيلة للتعبير، بل هي فعل مقاومة للعدم، ورحلة مستمرة نحو اكتشاف الذات، أكتب لأعيد ترتيب الفوضى داخل روحي، لأمنح العالم معنى وسط العبث، ولأترك أثراً صغيراً على جدار الزمن، وكأنّ الكلمات هي طريقتي لملامسة الخلود.