في كل زاوية من زوايا الأرض، قامت صروح شاهقة تنطق بالجلال، وتعكس نور الإيمان، وتُردد أصداء التكبير والتهليل. إنها المساجد والجوامع، بيوت الله التي جمعت القلوب، ووحدت الصفوف، واحتضنت أرواحًا وجدت فيها السكينة والطمأنينة.
وفي هذا الشهر المبارك، شهر رمضان، حيث تصفو الأرواح وتسمو النفوس، نأخذكم في رحلة روحانية عبر الزمان والمكان، لنطوف بكم حول أجمل وأعظم الجوامع والمساجد في العالم، من قلب الحرمين الشريفين، إلى مآذن الأندلس الشامخة، ومن سحر مساجد إسطنبول العتيقة إلى عبق التاريخ في مساجد المغرب العربي، سنعيش معًا حكاياتٍ من الجمال المعماري، والتاريخ العريق، والمواقف الإيمانية الخالدة.
وعبر بوابة «دار الهلال» خلال أيام شهر رمضان الكريم، لعام 1664 هجريًا / مارس 2025 ميلادي، نستعرض معكم أحد أشهر المساجد، والجوامع التاريخية في دول العالم الإسلامي، والدول العربية، حيث يجتمع الفن والهندسة والإيمان في لوحات تأسر القلوب، وتروي قصصًا من العظمة والروحانية، في ليالي رمضان المباركة.
ونرتحل في سابع أيام رمضان المبارك 1446هـ/ 7 مارس 2025 في جولة ورحلة إلى ونلتقي اليوم في جولة حول ومن داخل جامع عقبة بن نافع «القيروان الكبير»

يعد جامع «القيروان الكبير» أو جامع عقبة بن نافع، الذي بناه هذا القائد عند إنشاء المدينة، من أهم معالم القيروان عبر التاريخ، وكان يُعد أكبر جوامع المغرب العربي حتى أواخر القرن العشرين، مع بناء جامع الحسن الثاني، بالدار البيضاء.

تأسيس وبناء الجامع
وبعدما أنشأ عقبة بن نافع مدينة القيروان، في أعقاب فتح جيشه إفريقية «تونس حاليًّا»، أسس جامع القيروان الكبير، الذي كان حينها بسيط البنيان وصغير المساحة، إذ كانت أسقفه تستند على الأعمدة مباشرة، دون عقود تصل بين الأعمدة والسقف.

توسيع مساحة جامع عقبة بن نافع
وعقب مرور 30 عامًا، هدم حسان بن نعمان الغساني، وهو من ملوك العرب، الجامع، وأعاد بناءه، وزاد من قوة بنيانه ووسع مساحته، مع الإبقاء على المحراب القديم فقط، وفقًا لـ المعهد الوطني للتراث في تونس.

وفي عام 105 هجرية الموافق 724 ميلادية، أمر الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك بزيادة مساحة الجامع، وأضاف إليه حديقة كبيرة في شماله، وخصص فيه مكانًا للوضوء، وشيد مآذنه.

وفي 155 هجرية الموافق 771 ميلادية، أعيد بناء المسجد على يد يزيد بن حاتم، والي أبي جعفر المنصور على إفريقية، وقام يزيد بإصلاح وترميم وزخرفة المسجد، ليظل على حالته هذه إلى أن تولى زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب، ثاني أمراء الأغلبيين، إمارة إفريقية عام 201 هجرية الموافق 971 ميلادية، فزاد فيه وطورّه.

مساحة جامع القيروان الحالية
وتوالت التوسعات في العصور المختلفة، حتى أصبح الجامع يشغل اليوم مساحة 9700 متر مربع تقريبًا، ويبلغ طوله 126 مترًا، وعرضه نحو 77 مترًا، وتتسع مساحة بيت الصلاة فيه، إذ يبلغ طوله 70 مترًا، وعرضه نحو 38 مترًا، وصحنه المكشوف طوله نحو 67 مترًا وعرضه 56 مترًا.

ويستند الجامع إلى مئات الأعمدة الرخامية، إلى جانب الصحن الفسيح الذي تحيط به الأروقة، ومع ضخامة مساحته، يُعد جامع "القيروان الكبير" أو "عقبة بن نافع" أيضًا تحفة معمارية، وأحد أروع المعالم الإسلامية على الإطلاق.

من أقدم مساجد المغرب الإسلامي
ويقول مؤرخون: إن جامع القيروان من أقدم مساجد المغرب الإسلامي، والمصدر الأول الذي اقتبست منه العمارة المغربية والأندلسية عناصرها الزخرفية والمعمارية، كما كان هذا المسجد ميدانًا للحلقات الدينية والعلمية واللغوية التي ضمت نخبة من أكبر علماء ذلك العصر.

ويعكس جامع «عُقبة» الوجه المتألق للعمارة القيروانية، وتعد مئذنة الجامع من أجمل المآذن التي بناها المسلمون في إفريقيا، وجاءت جميع المآذن التي بنيت بعدها في بلاد المغرب العربي على شاكلتها إلى حد كبير، مثل: مئذنة جامع صفاقس ومآذن جوامع تلمسان وأغادير والرباط وجامع القرويين.
وتتكون المئذنة من 3 طبقات كلها مربعة الشكل، والطبقة الثانية أصغر من الأولى، والثالثة أصغر من الثانية، ويصل ارتفاع المئذنة الكلية إلى 31.5 متر
أبرز معالم مدينة القيروان
ولا يزال جامع «عقبة بن نافع» أو «القيروان» ، يجتذب أفئدة المسلمين، من كل أرجاء المدينة، وتشد إليه الرحال من خارجها، لاسيما في شهر رمضان المبارك، كما يعد الجامع أبرز معالم مدينة القيروان، التي بقيت طيلة 4 قرون عاصمة الإسلام الأولى لإفريقية والأندلس، ومركزًا حربيًّا للجيوش الإسلامية ونقطة ارتكاز رئيسية لإشاعة اللغة العربية.
واشتهرت مدينة القيروان بأداء دورين مهمين في آن واحد، هما الجهاد والدعوة، فبينما كانت الجيوش تخرج منها للغزو والفتوحات، كان الفقهاء يخرجون منها لينتشروا بين البلاد يعلِّمون الناس العربية وينشرون الإسلام.