فن الابتهال الديني فن مصري خالص محبب لقلوب السامعين.. ارتبط بحب الله ورسوله وبالصفاء الروحي والسمو بالذات إلى آفاق علوية.
وقد ارتبط فن الابتهال بفن التواشيح الدينية ارتباطاً وثيقاً كروافد من الإنشاد الديني، واعتبر تراثاً شعبياً من فرط عراقته وأصالته.
وكلمة ابتهال تعني لغوياً الدعاء بأسلوب أداء يتسم بالعاطفة والتقوى، والابتهال له أصوله في التراث المصري القديم المسجل على جدران المعابد الفرعونية وحينما جاء الإسلام تبلورت فنونه وأصبح الابتهال والتوشيح فرعين مستقلين من فروع الإنشاد الديني.
وهو متنوع المقامات والموضوعات وإن كان معظم موضوعاته تدور حول التقرب إلى الله عز وجل ومدح الرسول صلى الله عليه وسلم.
ومن الفنانين الذين أشربوا فنون الابتهالات والتواشيح في وجداناتهم أبو العلا محمد وسلامة حجازي وسيد درويش وزكريا أحمد وأم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وأحمد صدقي وسيد مكاوي وقد سبقهم الشيخ محمد عبدالرحيم المسلوب.
الابتهال والتوشيح والإذاعة المصرية
منذ بدء إرسال الإذاعة المصرية في 31 مايو 1934 كان الابتهال والتوشيح من أكثر المواد الإذاعية التي تتفنن الإذاعة في تقديمها لعشاق الراديو الذين كانوا يتقبلونها بشغف بالغ خاصة مع إمام المنشدين الشيخ علي محمود وموشحه الشهير:
حيوا رسول العلا.. والكوكب المرسلا
وأخذ الراية بعده الشيخ إبراهيم الفران والشيخ محمد الفيومي ثم الشيخ طه الفشني.. إلى أن وصلنا إلى الشيخ سيد النقشبندي الذي اكتشفه الإذاعي الكبير أحمد فراج في المسجد الأحمدي بطنطا وقدمه إلى رئيس الإذاعة محمد محمود شعبان (بابا شارو) فقدمه في رمضان في بداية السبعينيات من القرن العشرين وأبهر المستمعين بابتهالاته عقب أذان المغرب في رمضان من كل عام من يومها وإلي الآن.. وأشهر ابتهالاته: الله يا الله ومعه بطانته.. وقد أعجب به الرئيس السادات وطلب من الموسيقار بليغ حمدي أن يلحن له، وقد فعل، فكانت رائعته: (مولاي)
وقد زاوج بعض القارئين بين تلاوة القرآن الكريم وبين إنشاد الابتهالات والتواشيح.. ومنهم محمد الطوخي ومحمد عمران وطه الفشني والفيومي وعبدالفتاح الشعشاعي لكن الذي انفرد بفن الابتهال والتواشيح هو الشيخ نصر الدين طوبار الذي رحل عام 1986 بعد أن أثرى مكتبة الإذاعة المصرية وإذاعة القرآن الكريم بمئات التسجيلات الرائعة من الابتهالات والتواشيح التي تذيعها المحطة إلى الآن كفواصل بين فترات التلاوات القرآنية وفقرات البرامج والأخبار وتلقي إقبالاً شديداً من المستمعين..
وقد كان لي حظ استضافة الشيخ نصر الدين طوبار كبير المبتهلين في الإذاعة وذلك في سهرة إذاعية رمضانية في البرنامج العام قبل رحيله بقليل.. وأسعد المستمعين بعشرات الابتهالات والتواشيح الرائعة.
وبعد.. إن الابتهالات والتواشيح الدينية ثروة قومية مصرية ثمينة ينبغي الحفاظ عليها وتنميتها واكتشاف كنوزها والبحث عن الموهوبين من الشباب فيما بعد أن كاد معينهم أن ينضب.
نماذج من الابتهالات
ابتهال (إلهي):
إلهي.. أفضلت نعم إفضالك
وأنعمت فهم نوالك
وسترت العيوب فتكامل إحسانك
وغفرت الذنوب فتواصل غفرانك
إلهي..
لك الحمد على عقل ثقفته
ولك الحمد على فهم وفقته
ولك الحمد على توفيق أهديته
ولك الحمد علي حائر هديته
جل جلالك فتعالى
وتم نوالك فتوالى
وسري رفقك فتتالى
وجرى رزقك حلالا
فتعاليت في دنوك وتقربت في علوك
ولا يدركك وهم ولا يحيط بك فهم
وتنزهت في أحديتك عن بداية
وتعظمت في إلهيتك عن نهاية
فأنت الواحد لا عن عدد، الباقي بعد الأبد
لك خضع من ركع، كما ذل من سجد
وبك اهتدى من طلب، وأدرك من وجد
لم تلد ولم تولد ولم يكن لك كفواً أحد
كيف يحيط بك علم أنت خلقته؟
بل كيف يدركك بصر أنت شققته؟
أم كيف يحيط بك فكر أنت وفقته
أم كيف يشكر لك لسان أنت أنطقته؟
... إلخ...
وهذا ابتهال (يا رب العالمين ما لي سواك):
يا رب مالي سواك
من ملجأ في جفاك
قد أرهقتني ذنوبي
وأوردتني الهلاك
فأثقلتني همومي
فلم أجد لي فكاك
حتي هويت بجب
وصرت أرجو سناك
فصرت حياً كميت
يزكو لقلب حراك
تضرعي وابتهالي
بدفع عاصي جفاك
فارحم فقيراً ضعيفاً
بذنبه قد أتاك
تبتلي وصلاتي
أدعو وأرجو رضاك
فاغفر ذنوبي وهب لي
من كل أمري ؟؟؟
يا رب وعدك أرجو
داع أجب من دعاك