رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


نيويورك تايمز: أوروبا تشعر بالصدمة بعد تخلي ترامب عنها

8-3-2025 | 13:47


أوروبا

دار الهلال

وصفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أوروبا بأنها في حالة صدمة بعد تخلي الولايات المتحدة عنها، وقالت الصحيفة - في سياق مقال تحليلي نشرته اليوم السبت - إنه على مدى عقود من الزمان سعى الاتحاد السوفييتي لكسر التحالف الغربي من خلال فصل الولايات المتحدة عن أوروبا، ولكن في غضون أسابيع سلم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب روسيا الهدية التي أفلتت منها أثناء الحرب الباردة.

وأصبحت أوروبا في حالة صدمة بعد أن انقلبت الولايات المتحدة على حليفتها وتخلت عنها، وصارت تشعر بالانزعاج من مهمة إعادة التسليح الهائلة التي تنتظرها.

وقالت رئيسة مجموعة تجديد أوروبا الوسطية في البرلمان الأوروبي فاليري هاير "كانت الولايات المتحدة العمود الذي تم من خلاله إدارة السلام، لكنها غيرت تحالفها الآن، وأصبح ترامب يروج للدعاية التي يروج لها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لقد دخلنا عصرا جديدا ".

وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن التأثير العاطفي للوضع الراهن على أوروبا عميق، ففي الرحلة الطويلة من أنقاض عام 1945 بعد الحرب العالمية الثانية إلى قارة مزدهرة كاملة وحرة، كانت الولايات المتحدة تشكل محورا رئيسيا، فلسنوات عديدة وعلى الرغم من التوترات الأوروبية الأمريكية الحادة في بعض الأحيان، كان الغرب يشير إلى الولايات المتحدة باعتبارها جهة فاعلة استراتيجية واحدة متحدة في التزامها بقيم الديمقراطية الليبرالية، ولكن الآن هناك أوروبا وهناك روسيا وهناك الصين وهناك الولايات المتحدة.

ووصف المقال ترامب بأنه شخص متهور يغير مساره في أي وقت، ففي عام 2017 قال في زيارة إلى بولندا خلال ولايته الأولى "أعلن اليوم للعالم أن الغرب لن ينكسر أبدا، وسوف تسود قيمنا " .

وقالت نيكول باشاران أستاذة العلوم السياسية في جامعة العلوم السياسية في باريس "مهما كانت تعديلات ترامب، فإن الخطر الأكبر سيكون إنكار تخليه عن الديمقراطيات الليبرالية، ترامب يعرف إلى أين يتجه، والموقف الواقعي الوحيد لأوروبا هو أن تسأل نفسها ماذا لدينا كقوة عسكرية وكيف ندمج وننمي هذه القوة بإلحاح؟".

وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هذا الأسبوع أن القارة تواجه "تغييرات لا رجعة فيها" من جانب الولايات المتحدة، وحث على "تمويل مشترك ضخم" لتعزيزات عسكرية أوروبية سريعة، وأعلن عن اجتماع لرؤساء الأركان الأوروبيين وقال "إن السلام لا يمكن أن يكون استسلام أوكرانيا"، كما عرض تمديد المظلة النووية الفرنسية للحلفاء في أوروبا.

كانت هذه مؤشرات على تحولات استراتيجية كبيرة، ولكن لم يكن تأثير إعادة تنظيم الولايات المتحدة في أي مكان في أوروبا أكثر زعزعة للاستقرار من ألمانيا التي كانت بعد الحرب العالمية الثانية من صنع الولايات المتحدة إلى حد كبير.

ففي الشهر الماضي بكى رئيس مؤتمر ميونيخ للأمن كريستوف هوسجن وهو يتأمل نهاية السنوات الثلاث التي قضاها في منصبه، وقال إنه كان من السهل تدمير النظام القائم على القواعد والالتزام بحقوق الإنسان ولكن من الصعب إعادة بنائه، وذلك بعد أن اتهم نائب ترامب جيه دي فانس أوروبا بإنكار الديمقراطية من خلال محاولة منع تقدم الأحزاب اليمينية المتطرفة.

وقال جاك روبنيك عالم السياسة الفرنسي الذي كتب على نطاق واسع عن أوروبا الوسطى "لقد كان مشهدا مروعا، يجب على أوروبا أن تتدخل الآن للقتال من أجل الديمقراطية".

ووصف المؤرخ البريطاني سيمون شاما ذلك إلى جانب قطع المساعدات العسكرية والاستخباراتية الأميركية عن أوكرانيا بأنه يشكل "عارا فظيعا".

وكان رد فعل المستشار القادم في ألمانيا فريدريش ميرز بمثابة ناقوس موت النظام القديم، وقال "ستكون أولويتي المطلقة هي تعزيز أوروبا في أسرع وقت ممكن حتى نتمكن خطوة بخطوة من تحقيق الاستقلال عن الولايات المتحدة"، مشيرا إلى أن إدارة ترامب "غير مبالية إلى حد كبير بمصير أوروبا".

ويشير ذلك إلى أن ألمانيا بقيادة ميرز سوف تخرج من الوصاية الأمريكية، وتدرس تمديد الردع النووي الفرنسي إلى برلين، وتسمح بالديون المتنامية لتمويل بناء سريع لصناعة الدفاع.

ورأت "نيويورك تايمز" أن ألمانيا هي مؤشر لأوروبا، وإذا نما التعاون العسكري الفرنسي الألماني بسرعة واستكمل بالمشاركة العسكرية البريطانية - كما يبدو مرجحا في عهد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر - فقد تتخلص أوروبا من سمعتها كعملاق اقتصادي وقزم استراتيجي، لكن هذا لن يحدث بين عشية وضحاها.

العلاقات بين أوروبا والولايات المتحدة ليست بالأمر الهين ولن يتم فكها بسهولة، فهي أكثر من مجرد تحالف عسكري، فوفقا لأحدث أرقام الاتحاد الأوروبي بلغت التجارة في السلع والخدمات بين الاتحاد الأوروبي المكون من 27 دولة والولايات المتحدة 7ر1 تريليون دولار في عام 2023، وفي كل يوم تعبر المحيط الأطلسي سلع وخدمات بقيمة 8ر4 مليار دولار تقريبا.

وقد قال ترامب منذ توليه ولايته الثانية "إن الاتحاد الأوروبي تم تشكيله من أجل خداع الولايات المتحدة"، وكان هذا التصريح نموذجيا لوجهة نظره غير التاريخية والصفرية للعالم. 

وقالت زينيا ويكيت، وهي مستشارة مقيمة في لندن عملت في مجلس الأمن القومي الأمريكي "إن التحالف وصل إلى نقطة توتر مؤلمة للغاية، لكنني لا أستطيع أن أسميها نقطة انهيار، على الأقل ليس الآن"، وقد ميزت بين مطالبة ترامب لأوروبا بدفع المزيد من المال مقابل دفاعها، وهو طلب غير معقول من وجهة نظرها، وبين احتضانه لبوتين.

وفي هذا الصدد، قال المؤرخ البريطاني سيمون شاما "بالنسبة لبوتين، فإن أوكرانيا جزء من حملة أوسع نطاقا لتفكيك حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي، وإلى جانب الصين يريد بوتين أن يضع حدا لما يراه هيمنة غربية على العالم"، لافتا إلى أن احتضان ترامب لبوتين سيساعده على الوصول لهدفه.

وكتب بيير ليفي السفير الفرنسي السابق في موسكو "يتعين على الشعب الأمريكي أن يفهم أنه في مرمى نيران بوتين، من حيث نزع الطابع الغربي عن العالم وإنهاء الهيمنة الأمريكية، وإنهاء المكانة المهيمنة للدولار في الاقتصاد العالمي، والعمل بدعم من إيران وكوريا الشمالية والصين".

ولكن في الوقت الحالي ولأسباب غير واضحة، لا يبدو أن ترامب يكترث، فهو لن يتراجع عن حساسيته المطلقة للنقد تجاه بوتين، ويبدو أن أوروبا سوف تضطر إلى التغلب على ذهولها.