"يوم الشهيد".. ملحمة وطنية وتخليد للتضحيات
بتاريخ التاسع من مارس من كل عام، تحتفل مصر بـ"يوم الشهيد" تقديرًا لأرواح من بذلوا دماءهم فداءً لهذا الوطن، لينتقلوا إلى جوار ربهم متنعمين بفضله الأعظم، ولم يقع الاختيار على هذا اليوم من قبيل الصدفة، بل لأنه يوافق ذكرى استشهاد الفريق أول عبدالمنعم رياض، إبان حرب الاستنزاف عام 1969، فكان ذلك تأبينًا له.
رمزية تاريخ 9 مارس
لكي نفهم رمزية يوم التاسع من مارس، في حياة أمتنا المصرية، لا بد أن نعود بالتاريخ إلى عام 1938، حين تخرج عبد المنعم رياض من الكلية الحربية، ليتعين بإحدى بطاريات المدفعية المضادة للدبابات.
وفي منصبه ذلك، أظهر عبد المنعم رياض، كفاءة ملحوظة، عين على إثرها في تشكيل الآلاي المصري للمدفعية المضادة للطائرات، ولم تمض شهور قليلة حتى شغل رياض نتيجة لكفاءته منصب أركان حرب الآلاي، بحسب أرشيف "دار الهلال".
واصل "رياض" تدرجه في المناصب العسكرية حتى عين عام 1964 رئيسًا لأركان القيادة العربية، بعد تولي المهمة قام رياض بنفسه بمسح كافة مسارح العمليات في دول المواجهة على الجبهة، وطرق الإقتراب إليها من العمل الإستراتيجي للدول العربية المجاورة.
وفي عام 1967، تولى رياض قيادة المركز المتقدم بـ"عمان" ورغم الهزيمة التي تعرض إليها العرب من قبل إسرئيل فيما عرف بـ"نكسة"، فإن كل العمليات التي خطط لها تشهد له بأنه خطط وأدار العمليات على الجبهة الشرقية بكل ما يملك من حنكة وعلم، لكن الظروف كانت أقوى والإمكانيات العسكرية المتاحة كانت أقل.
وفي الـ20 يونيو 1967، وصل رياض إلى مصر ليشغل منصب رئيس أركان حرب القوات المسلحة، وفور وصوله التقى برئيس الراحل جمال عبد الناصر، حيث شرح له خطته لإعادة بناء القوات المسلحة المصرية وتجهيزها إلى معركة التحرير.
حقق رياض نتائج مدهشة مع أول أيام إعادة البناء، ومنها: معركة رأس العش ونتائجها المشرفة، معركة إغراق المدمرة إيلات، إسقاط العديد من طائرات العدو بقوات الدفاع الجوي.
وفي مواجهة أعمال قواتنا المصرية المتزايدة ضد العدو، قامت إسرائيل ببناء خط بارليف لكي تحمي قواتها من نيران القوات المصرية.
وفي صباح السبت الموافق الثامن مارس 1969، بدأت قواتنا بالجبهة تنفيذ الخطة التي وضعها رياض؛ لتدمير خط بارليف، وفي صباح التاسع من مارس وصل رئيس الأركان عبد المنعم رياض إلى الجبهة لمتابعة تنفيذ الخطة، وهناك كان إرادة الله، حيث انهالت نيران العدو الإسرائيلي فجأة على المنطقة التي كان يقف فيها وسط جنوده.
بينما استمرت المعركة التي كان يقودها الفريق بنفسه حوالي ساعة ونصف، حتى انفجرت إحدى طلقات المدفعية بالقرب من الحفرة التي كان يقود المعركة منها، ونتيجة للشظايا القاتلة وتفريغ الهواء، استشهد الفريق عبد المنعم رياض.
وبذلك يتضح لماذا تم اختيار يوم التاسع من مارس على وجه التحديد ليكون يومًا لـ"الشهيد"، فقد قررت مصر في ذلك العام أن تجعل هذا التاريخ من كل عام عيدًا للشهيد، تأبينًا للزعيم الراحل.
كلمات خالدة
ومن كلمات الشهيد عبد المنعم رياض الخالدة، التي حفرت في وجدان الشعب المصري بشكل عام، وقواتنا المسلحة بشكل خاص:"كان لديكم الرغبة في مواجهتهم، لكن لم تتح لكم هذه الفرصة بعد، ستتمكنون من العبور ومواجهتهم ومطاردتهم أثناء فرارهم أمام أعينكم، كما شاهدتم بأم أعينكم خلال معارك المدفعية في سبتمبر 1968، حين قفزوا من دباباتهم المشتعلة وهربوا كالجراد إلى عمق سيناء".
"هذه هي حقيقة المقاتل الإسرائيلي، فالقوات الإسرائيلية قد تبدو برواز ساطع لامع، ولكن ما إن تخترقوه، ستكتشفون أنه لا توجد داخله أية تفاصيل حقيقية، بل سترون مجرد فراغ".
الاحتفال بـ"يوم الشهيد"
وتحرص الدولة المصرية والقوات المسلحة في التاسع من مارس من كل عام على الاحتفال بـ"يوم الشهيد"، وتكريم أسر الشهداء والمصابين وتوفير سبل الرعاية لهم، تقديرًا للتضحيات الكبيرة التي قدمها أبطال الوطن لحماية الشعب المصري وأمن واستقرار الوطن .
ومن المقرر أن يتم خلال الاحتفال بـ"يوم الشهيد" هذا العام وضع أكاليل الزهور على قبر الجندي المجهول وإقامة معرض فني للمحاربين القدماء بفرع الوفاء والأمل لعرض إبداعاتهم وأعمالهم، وإقامة المهرجان الرياضي بجهاز الرياضة للقوات المسلحة وتقديم عروض للموسيقات العسكرية.
بالإضافة إلى تكريم بعض قدامى قادة القوات المسلحة وأسر الشهداء ومصابي العمليات الحربية، وتكريم أسر الشهداء ومصابي العمليات الحربية في جميع المحافظات بمشاركة الجيوش الميدانية والمناطق العسكرية في الاحتفال، إلى جانب زيارة مصابي العمليات الإرهابية بالمستشفيات العسكرية، وتنفيذ رحلات لأسر الشهداء ومصابي العمليات للمناطق العسكرية والقواعد البحرية والجوية والكليات العسكرية ومصانع القوات المسلحة ونوادي القوات المسلحة والمزارات السياحية.