«بوليتيكو»: أوروبا تسابق الزمن لسد فراغ المعلومات الاستخباراتية بعد تعليق واشنطن دعم أوكرانيا
رأت مجلة "بوليتيكو" الأوروبية أن ملء الفراغ الاستخباراتي الذي خلفه قرار تعليق الإدارة الأمريكية لتبادل المعلومات الاستخباراتية مع أوكرانيا يجعل مهمة الحلفاء في أوروبا صعبة للغاية.
وذكرت المجلة الأوروبية أن حلفاء أوكرانيا في أوروبا يسارعون إلى سد الفراغ الذي خلفه قرار ترامب. وكانت الولايات المتحدة قد قدمت لكييف كل شيء، من استخبارات وصور الأقمار الصناعية إلى بيانات الاستهداف المستخدمة لضرب المواقع الروسية خلال الحرب التي استمرت ثلاث سنوات، وأشارت إلى أن العبء الآن سيقع على عاتق القوى الاستخباراتية الكبرى الأخرى داخل حلف الناتو -بريطانيا وفرنسا وإلى حد ما ألمانيا- لتعويض هذا النقص، ومن غير المرجح أن يتمكن الحلفاء في أوروبا من تقديم نفس حجم ونطاق مجتمع الاستخبارات الأمريكي الواسع.
ونقلت المجلة عن مسؤول أوروبي مطلع على قدرات الحلفاء طلب عدم الكشف عن هويته للحديث بصراحة عن الترتيبات الأمنية في القارة، قوله “لست متأكدًا من أن الدول الأوروبية يمكنها بالفعل سد هذه الفجوة”.
ويتفوق مجتمع الاستخبارات الأمريكي، الذي يضم 18 وكالة، بشكل كبير على أي نظير أوروبي، لا سيما في مجالات تكنولوجيا الأقمار الصناعية والقدرات التحليلية.
ونقلت (بوليتيكو) عن جيم تاونسند، الذي شغل منصب نائب مساعد وزير الدفاع لشؤون أوروبا والناتو خلال إدارة أوباما: “الأمر يتعلق بالحجم”. وأضاف: “لدينا عدد أكبر من المحللين والمزيد من الأنظمة، وفي بعض النواحي، أنظمة أكثر تطورًا”.
وأدى تعليق تبادل المعلومات الاستخباراتية إلى زيادة القلق في أوروبا بشأن كيفية التصدي لروسيا، حيث أصبحت إدارة ترامب أكثر تساهلًا مع موسكو وأكثر عدائية تجاه أوكرانيا، بما في ذلك وقف نقل الأسلحة إلى كييف. وساد الارتباك بعد إعلان الإدارة الأمريكية، حيث أقر وزير الدفاع الأوكراني يوم الخميس بأن بلاده لم تتلق بعد تفاصيل حول كيفية تقييد المعلومات الاستخباراتية. وقال المسؤول الأوروبي يوم الخميس إن الأمر “لا يزال غامضًا” فيما يتعلق بمدى اتساع نطاق الحظر.
وتم تطوير العلاقة الاستخباراتية بين الولايات المتحدة وأوكرانيا بعناية على مدى عقد من الزمن. وتمتلك واشنطن مجموعة واسعة من الأدوات، التي لعبت دورًا حاسمًا في تنبيه أوكرانيا إلى خطط موسكو لغزوها عام 2022، والدفاع ضد الهجمات الصاروخية الروسية. ورفض مجلس الأمن القومي الأمريكي التعليق عند سؤاله عن نطاق تعليق تبادل المعلومات الاستخباراتية، وما إذا كان يشمل المعلومات التي يمكن استخدامها لأغراض دفاعية.
وقال كاميل جراند الأمين العام المساعد السابق للاستثمار الدفاعي في الناتو -وفقا للمجلة- "إيقاف تبادل المعلومات الاستخباراتية هو القرار الأكثر ضررًا وعدائية”. وأضاف: “خفض إمدادات الأسلحة سيستغرق بضعة أشهر حتى يكون له تأثير كبير، ويمكن تعويضه جزئيًا من قبل الأوروبيين. لكن إذا لم يكن منع الاستخبارات مجرد تعليق مؤقت، فسيكون له عواقب فورية".
وناقش حلفاء الناتو كيفية التعامل مع إعلان الولايات المتحدة عن تعليق تبادل المعلومات الاستخباراتية مع أوكرانيا.
وقال شخص مطلع على تلك المناقشات إن أعضاء الناتو ليسوا ممنوعين من مشاركة بعض المعلومات الاستخباراتية الأمريكية مع أوكرانيا، لكن هذه المشاركة ستكون محدودة للغاية، حيث لا يريد الحلفاء تعريض علاقاتهم مع واشنطن أو بعضهم البعض للخطر.
وأكد مسؤول في الناتو أن تعليق الولايات المتحدة لشحنات الأسلحة وتبادل المعلومات الاستخباراتية مع أوكرانيا يُعرض للحلفاء على أنه إجراء مؤقت حتى ترى واشنطن تقدمًا في المحادثات لإنهاء الحرب، وأن إدارة ترامب لا تضغط على الحلفاء للحد من تعاونهم مع أوكرانيا في تبادل المعلومات الاستخباراتية أو شحنات الأسلحة.
ومع ذلك، ذكرت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية يوم الأربعاء الماضي أن الولايات المتحدة أمرت المملكة المتحدة بوقف مشاركة المعلومات الاستخباراتية الأمريكية التي كان مسموحًا سابقًا بمشاركتها مع أوكرانيا.
وقال وزير القوات المسلحة الفرنسي، سيباستيان لوكورنو، يوم الخميس الماضي، إن الاستخبارات الفرنسية “سيادية”، وإن بلاده ستواصل تبادل المعلومات الاستخباراتية مع أوكرانيا. لكنه لم يقدم تفاصيل حول طبيعة المعلومات التي تشاركها فرنسا مع الأوكرانيين.
وبدأت آثار تعليق الاستخبارات الأمريكية تظهر بالفعل. فلقد قامت شركة “ماكسار” الأمريكية للأقمار الصناعية، وهي واحدة من أبرز مزودي أوكرانيا بصور الأقمار الصناعية التجارية، بحظر وصول أوكرانيا إلى خدماتها، والتي يستخدمها الجنود الأوكرانيون لدراسة تضاريس ساحة المعركة والتخطيط للهجمات على المواقع الروسية.
وفي بيان، قالت المتحدثة باسم “ماكسار”، جيا ديهارت، إن الحكومة الأمريكية علّقت وصول أوكرانيا إلى برنامج “التسليم العالمي المعزز للصور الجغرافية الاستخباراتية”، الذي يتم تقديمه بموجب عقد حكومي أمريكي.
وبدون الاستخبارات الأمريكية، أصبحت أوكرانيا تمتلك معلومات أقل بكثير في الوقت الفعلي عن التشكيلات العسكرية الروسية وتحركاتها ولوجستياتها.
وقال ميكولا بيلييسكوف، المحلل في المعهد الوطني الأوكراني للدراسات الاستراتيجية: “لدينا الآن معلومات أقل عما يحدث على الجانب الآخر من الخطوط الأمامية”. وأضاف: “لدينا بعض القدرات المحلية من مصادر استخبارات بشرية، لكن الاستخبارات الأمريكية كانت ذات قيمة كبيرة في إبقائنا على اطلاع”.
وتشعر أوكرانيا بقلق خاص من أي انقطاع في التحذيرات بشأن الهجمات الصاروخية الروسية.
وقال بيلييسكوف: “في الدفاع ضد الصواريخ الباليستية، كل ثانية مهمة”. وأضاف: “تحتاج إلى استخبارات عسكرية من الأقمار الصناعية لاكتشاف إطلاق الصواريخ”.
ومنذ بداية الحرب، أطلقت روسيا في المتوسط 24 صاروخًا يوميًا على أوكرانيا. وكان هناك فترات هادئة، ربما بسبب تحديات الإنتاج في موسكو، ولكن كان هناك أيضا أيام يتم فيها إطلاق ما يصل إلى مئة صاروخ تستهدف البنية التحتية الحيوية والمناطق السكنية في المدن الأوكرانية.
وقالت النائبة الأوكرانية ماريانا بيزوغلا، التي كانت حتى وقت قريب عضوًا في لجنة الدفاع والاستخبارات البرلمانية: “سيؤثر ذلك على مدننا وقد يؤدي إلى دمار واسع النطاق”.
كما سيحرم تعليق تبادل المعلومات الاستخباراتية القوات المسلحة الأوكرانية من بيانات الاستهداف عند إطلاق صواريخ “هيمارس” الأمريكية.
وقال بيلييسكوف: “ما زلنا قادرين على إطلاقها، لكننا نطلقها ونحن شبه عميان”.