رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


في ذكرى العاشر من رمضان| الشرطة في قلب المعركة.. تأمين الداخل ومواجهة العدو

10-3-2025 | 10:38


دور الشرطة المصرية فى حرب أكتوبر

هويدا على

لم يكن الانتصار العظيم في حرب أكتوبر 1973 مجرد نتاج لعبقرية التخطيط العسكري فقط، بل كان ثمرة تكاتف الجيش مع الشعب وكافة أجهزة الدولة، وعلى رأسها جهاز الشرطة، الذي لعب دورًا محوريًا في تأمين الجبهة الداخلية والمشاركة الفعالة في الدفاع عن المدن المصرية، خاصة في معارك السويس والإسماعيلية.

مع بدء التحضير للحرب، كلف الرئيس الراحل أنور السادات اللواء ممدوح سالم، وزير الداخلية آنذاك، بمهمة تأمين الجبهة الداخلية استعدادًا لمعركة التحرير. ومنذ مايو 1973، بدأت سرايا الأمن المركزي تدريبات قتالية مكثفة شملت أساليب الكمين والإغارة ومواجهة عمليات إنزال العدو بالمظلات، بالإضافة إلى تأمين المنشآت الحيوية والمرافق العامة والموانئ والمطارات لضمان استقرار البلاد خلال الحرب.

وفي الأيام التي سبقت العبور، عقد ممدوح سالم اجتماعات مكثفة مع قيادات الشرطة ومديريات الأمن لوضع خطط التعامل مع أي طارئ، وظل متابعًا لمجريات الأحداث من مكتبه بوزارة الداخلية، حيث كان على تواصل دائم مع القيادة السياسية والعسكرية.

ملحمة الصمود في السويس

عقب اختراق العدو الإسرائيلي لوقف إطلاق النار ومحاولته اقتحام مدينة السويس في 23 أكتوبر 1973، وجد نفسه أمام مقاومة شرسة جمعت بين قوات الجيش والشرطة والمقاومة الشعبية، مما أجبره على التراجع بعد تكبيده خسائر فادحة في الأرواح والمعدات.

اجتماع تاريخي لضباط الشرطة

في مساء يوم 23 أكتوبر، اجتمع ضباط الشرطة في قسم شرطة الأربعين بالسويس، وقرروا الاندماج مع المقاومة الشعبية، حيث ألقى النقيب عاصم حمودة كلمة تحفيزية، داعيًا الجميع للتبرع بالدم وحمل السلاح للدفاع عن المدينة. وفي صباح اليوم التالي، ومع بدء قصف العدو للمدينة، توجه رجال الشرطة إلى مواقع القتال، وشاركوا في عمليات الدفاع، سواء بإطلاق النار على الدبابات أو بتوزيع الأسلحة على المتطوعين.

وفي واحدة من أشرس المواجهات، استطاعت المقاومة، بقيادة رجال الجيش والشرطة، تدمير أول دبابة إسرائيلية في ميدان الأربعين، مما أدى إلى ارتباك القوات المعادية.

واضطر العدو إلى الاحتماء داخل قسم شرطة الأربعين واتخاذ من بداخله رهائن في محاولة للخروج من المأزق، إلا أن قوات الشرطة والمقاومة قررت اقتحام المبنى.

تضحيات خالدة

خلال عملية الاقتحام، استشهد الرائد نبيل شرف والنقيب عاصم حمودة، إلى جانب عدد من رجال الشرطة، أبرزهم الرقيب أول محمد سلامة حجازي والعريف محمد عبد اللطيف والعريف محمد مصطفى حنفي. لكن هذه التضحيات لم تذهب هباءً، إذ نجح الأبطال في أسر 68 جنديًا وضابطًا إسرائيليًا، بينهم قائد القوة المهاجمة، مما شكّل ضربة قاسية للعدو.

وقد كرّم الرئيس السادات كلا من الشهيدين نبيل شرف وعاصم حمودة، بمنحهما نوط الواجب من الطبقة الأولى، تقديرًا لبطولاتهما في الدفاع عن السويس.

الأمن المركزي في معارك الإسماعيلية

في الإسماعيلية، لعبت قوات الأمن المركزي دورًا بارزًا في حماية خطوط الإمداد وتأمين المنشآت الحيوية، حيث شارك أفراد الشرطة في عمليات التصدي لمحاولات العدو تعطيل أجهزة الرادار، بالإضافة إلى تأمين طريق العباسة – الإسماعيلية، الذي كان شريانًا رئيسيًا لنقل الإمدادات العسكرية.

كما تولت قوات الأمن المركزي حماية جزيرة الفرسان، التي تعرضت لقصف مكثف، ونجحت في منع الإسرائيليين من احتلالها. وفي داخل المدينة، استعدت الشرطة لحرب شوارع إذا ما حاول العدو التوغل، وجهزت قواتها بالأسلحة والقذائف المضادة للدبابات، مما ساهم في الحفاظ على الأمن الداخلي للمدينة خلال المعارك.

اعتراف العدو بصلابة المصريين

لم تكن بطولة رجال الشرطة والمقاومة الشعبية مجرد صفحات ناصعة في التاريخ المصري، بل نالت تقدير العدو نفسه. ففي مذكراته عن الحرب، قال حاييم هيرتزوج، رئيس دولة إسرائيل الأسبق:
"لقد تعلم المصريون كيف يقاتلون، بينما تعلمنا نحن كيف نتكلم... هذه الحرب جعلتنا نعيد تقييم نظرتنا للمحارب العربي، فقد دفعنا ثمنًا باهظًا جدًا".

أما زئيف شيف، المعلق العسكري الإسرائيلي، فقال في كتابه "زلزال أكتوبر": "هذه أول حرب للجيش الإسرائيلي يعالج فيها الأطباء جنودًا مصابين بصدمة القتال، هناك من نسوا أسماءهم... لقد أذهلنا نجاح المصريين في تحقيق المفاجأة والانتصار عسكريًا".

ملحمة لا تُنسى

إن دور الشرطة في حرب أكتوبر لم يكن مجرد تأمين للجبهة الداخلية، بل كان امتدادًا لروح التضحية والفداء التي جمعت أبناء الوطن. فبدمائهم الزكية، سطّر رجال الشرطة صفحات مشرقة من البطولة، جنبًا إلى جنب مع رجال القوات المسلحة، ليؤكدوا أن مصر كانت وستظل عصية على الأعداء، بشعبها وجيشها وشرطتها.