وكالات التصنيف الائتمانية.. هل تستمر فى توقعاتها الإيجابية للاقتصاد العُماني؟
تقرير إخبارى: أحمد تركى .. خبير الشؤون العربية
عام بعد عام يكتسب الاقتصاد العُماني قوة وثباتاً واستقراراً، بفضل السياسات التنويعية الحكيمة على مدار 5 سنوات من التخطيط والاستراتيجيات والمبادرات الحكومية والخاصة، خاصة مع استمرار تحسن المؤشرات المالية ونمو الاقتصاد، ومواصلة الحكومة خططها لإدارة الالتزامات المالية وخفض مستويات الدين العام، وتعزيز الإيرادات غير النفطية.
هذه القوة وتلك المتانة للاقتصاد العُماني، كانت محل تقدير وإشادة ـ ولا تزال ـ من قبل وكالات التصنيف الائتمانى الثلاث الكبرى "وكالة ستاندرد آند بورز"، ووكالتى "موديز وفيتش" لتحديث تصنيفاتها للجدارة الائتمانية لسلطنة عُمان، والتى تتوقع تقارير الاقتصاد العالمية أن يواصل الاقتصاد العُمانى التحسن خلال عام 2025، مرتكزة على تقرير وكالة "ستاندرد آند بورز" برفع التصنيف إلى درجة الجدارة الاستثمارية خلال العام الماضي، ومن المتوقع أن تحذو وكالتى "موديز وفيتش" ذات الجدارة والتصنيف الإئتمانى.
وفى واقع الأمر، يتضمن التصنيف الائتمانى الذى تصدره وكالات التصنيف العالمية عددًا من فئات التصنيف، بدءًا من فئة تصنّف التطورات المالية والاقتصادية للدولة عند مستوى متردٍّ غير مشجّع على جذب الاستثمار، وصولًا إلى أعلى فئة فى التصنيف من خلال حلول الدول فى الفئة الجاذبة جدًا للاستثمار، وبينهما فئات متفاوتة يبدأ أفضلها من دخول الدولة إلى فئة الجدارة الائتمانية المشجعة للاستثمار، وهو الإنجاز الذى حققته سلطنة عُمان من خلال التحسين المتواصل فى تصنيفها الائتمانى خلال السنوات الماضية لتصل إلى أول درجات الجدارة الاستثمارية خلال العام الماضى.
وخلال العام الماضى، قامت وكالة ستاندرد آند بورز برفع التصنيف الائتمانى لسلطنة عُمان مرتين، الأولى فى شهر مارس، حيث تم تعديل النظرة المستقبلية من مستقرة إلى إيجابية مع إبقاء درجة التصنيف دون تغيير، وبعد ذلك قامت الوكالة فى سبتمبر 2024 برفع درجة التصنيف الائتمانى لسلطنة عُمان من +BB إلى -BBB مع نظرة مستقبلية مستقرة، وكان ذلك تقدمًا مهمًا استعادت به سلطنة عُمان جودة تصنيفها الائتمانى الذى كان قد تراجع بشكل كبير وسريع خلال فترة الأزمة المالية الناجمة عن انخفاض أسعار النفط.
وفيما يتعلق بتطورات التصنيف المتوقعة من قبل ستاندرد آند بورز خلال الفترة المقبلة، يتطلب رفع التصنيف مجددًا قيام الوكالة بتعديل النظرة المستقبلية أولًا إلى إيجابية، وهو ما يعتمد على استمرار التقدم فى العوامل المواتية لرفع النظرة إلى إيجابية وتحسين درجة التصنيف، وقد أشارت الوكالة فى آخر تقرير لها حول سلطنة عُمان العام الماضى إلى أن رفع التصنيف إلى درجة الجدارة الاستثمارية جاء نتيجة استمرار تحسن الأداء المالي، وتحقيق الفوائض، وخفض المديونية العامة، وأكدت الوكالة أن التصنيف الائتمانى لسلطنة عُمان قد يشهد مزيدًا من التحسن خلال العامين القادمين إذا استمرت الحكومة فى إدارة المالية العامة للدولة كما هو مخطط، من خلال زيادة الإيرادات غير النفطية ورفع كفاءة الإنفاق العام.
أما التصنيف الائتمانى والنظرة المستقبلية لسلطنة عُمان من قبل وكالتى (موديز وفيتش)، فمن المرجح أن يشهد تحسنًا جديدًا خلال العام الجارى، إذ قامت موديز فى نهاية أغسطس عام 2024 بتعديل نظرتها المستقبلية لسلطنة عُمان من مستقرة إلى إيجابية، وأبقت التصنيف الائتمانى عند "Ba1"، وأرجعت الوكالة هذا التحسن فى النظرة المستقبلية إلى استمرار تراجع مستويات الدين العام وتحسن إيرادات النفط، والتزام حكومة سلطنة عُمان باستراتيجية إدارة الدين العام التى أدت إلى تقليل مخاطر الديون الخارجية، وتعزيز قوة المركز المالى للدولة، وتحقيق نتائج إيجابية ومستويات مستقرة فى الاحتياطيات الأجنبية.
وفى ديسمبر 2024، عدّلت وكالة فيتش نظرتها المستقبلية لسلطنة عُمان من مستقرة إلى إيجابية، وثبّتت التصنيف الائتمانى عند +BB نتيجة استمرار الإجراءات الحكومية فى خفض الدين العام وديون الشركات الحكومية، وضبط المالية العامة، إلى جانب ارتفاع صافى الأصول الأجنبية السيادية، وأكدت الوكالة أن التصنيف الائتمانى لسلطنة عُمان قد يرتفع فى حال استمرار إجراءات ضبط الأوضاع المالية وتراجع الدين العام كنسبة من الناتج المحلى الإجمالي، ونمو الإيرادات غير النفطية، وارتفاع معدل الاحتياطات بالعملة الأجنبية.
وتمهّد هذه النظرة الإيجابية حاليًا من قبل كل من (موديز وفيتش) لقيامهما برفع درجة التصنيف خلال العام الجارى 2025، خاصة أن وكالة "ستاندرد آند بورز" قد سبقتهما فى هذا القرار العام الماضي، كما تواصل الحكومة خططها لضبط الوضع المالى وتقوية المركز المالى للدولة.
ومنذ بدأ تنفيذ الخطة المالية متوسطة المدى 2020 ـ 2024 وبرامج الضبط المالى ورفع كفاءة الإنفاق العام الداعمة للاستدامة المالية كمُمْكِن رئيسى لنجاح "رؤية عُمان 2040"، شهد الوضع المالى فى سلطنة عُمان تحولًا جذريًا من مخاطر واسعة أحاطت بالمركز المالى للدولة ليصل حاليًا إلى استقرار ملموس، وقد عززت سلطنة عُمان مركزها المالى من خلال توجيه الجانب الأكبر من الفوائض المحققة من ارتفاع النفط لتسريع سداد الديون وإيصال الدين العام لحدود آمنة من حيث نسبته من الناتج المحلى الإجمالى.
وفى مطلع مارس 2025، قامت وكالة "موديز" للتصنيف الائتمانى برفع نظرتها المستقبلية للقطاع المصرفى العُمانى من مستقرة إلى إيجابية، وكان ذلك التعديل الوحيد الذى قامت به الوكالة فى نظرتها للقطاع المصرفى فى دول مجلس التعاون، حيث أبقت نظرتها مستقرة دون تغيير للقطاع المصرفى فى بقية دول المجلس، وقد أشارت الوكالة إلى أن تحسن النظرة المستقبلية للقطاع المصرفى العُمانى يعكس عوامل تتعلق بمسار الاقتصاد، منها استمرار نمو الناتج المحلى وأداء جيد للقطاعات غير النفطية، والمبادرات التى تقدمها الحكومة لتعزيز أداء القطاع، فضلًا عن عوامل إيجابية تتعلق بأداء القطاع المصرفى، منها مستويات الربحية الجيدة للبنوك المحلية وحفاظها على جودة الأصول ونسب معتدلة من القروض المتعثرة.
وفى تقييمها للتطورات المقبلة فى القطاع المصرفى العُمانى، توقعت وكالة "موديز" أن تتواصل جودة القروض، حيث تسهم قوة النشاط الاقتصادى فى دعم قدرة المقترضين على السداد، وتتوقع "موديز" انخفاضًا فى القروض المتعثرة وأن تظل المراكز المالية فى البنوك العُمانية مرنة، مع استقرار مستويات الربحية، حيث من المرجح أن يمثل صافى الدخل حوالى 11 بالمائة من الأصول الملموسة فى عام 2025، ومن المتوقع أن يستفيد القطاع من انخفاض مخصصات القروض، حيث يتواصل تحسن أداء الاقتصاد، ويسهم التوجه نحو رقمنة الخدمات والمدفوعات فى تعويض النفقات التشغيلية المتزايدة، كما تواصل الحكومة دعم القطاع المصرفي، ويوفر هذا التحسن المالى أساسًا أقوى للاستقرار المالى والنمو.
وأشارت وكالة "موديز" إلى النمو المطرد للقطاع غير النفطي، الذى من المتوقع أن يتوسع بنحو 3 بالمائة فى عامى 2025 و2026، وتشمل العوامل الدافعة لهذا التوسع ارتفاع ثقة المستهلكين والشركات، وانتعاش السياحة، واستثمارات القطاع الخاص فى التصنيع والنقل والطاقة المتجددة، كما توقعت الوكالة أن يصل نمو الناتج المحلى الإجمالى لسلطنة عُمان إلى 2.4 ب
المائة فى عام 2025.
