حكايات على ألسنة الحيوانات «كليلة ودمنة».. قصة «الثعلب والحمار» (12-30)
يُعَدُّ كتاب «كليلة ودمنة» من أشهر الكتب العالمية التي تحمل بين طياتها عالماً واسعًا من الحكايات والحكم. يضم الكتاب مجموعة متنوعة من القصص التي ترجمها عبد الله بن المقفع من اللغة الفارسية إلى اللغة العربية في العصر العباسي، وتحديدًا في القرن الثاني الهجري، مضيفًا إليها أسلوبه الأدبي المميز. ويُجمِع العديد من الباحثين على أن أصل الكتاب يعود إلى التراث الهندي، حيث تُرجم في البداية إلى الفارسية، ثم نقله ابن المقفع إلى العربية بأسلوبٍ راقٍ ومبدع.
يُروى أن سبب تأليف «كليلة ودمنة» يعود إلى رغبة ملك هندي يُدعى دبشليم في تعلم الحكمة بأسلوب مشوّق ومسلٍ، فطلب من حكيمه بيدبا أن يضع له هذا الكتاب، فجاءت الحكايات في قالبٍ أدبي رائع استخدم فيه بيدبا أسلوب الحكايات على لسان الحيوانات، لتقديم دروسٍ أخلاقية وحِكَمٍ إنسانية خالدة.
أصبحت النسخة العربية من «كليلة ودمنة» محطةً هامةً في تاريخ الأدب، حيث أسهمت بشكل كبير في انتشار الكتاب وترجمته إلى العديد من لغات العالم. ويصنّفه النقاد العرب القدامى ضمن الطبقة الأولى من كتب الأدب العربي، ويعدونه واحدًا من أبرز أربعة كتب مميزة. يتألف الكتاب من خمسة فصول تحتوي على خمسة عشر بابًا رئيسيًا، تتناول قصصًا تراثية تعكس تجارب البشر من خلال حواراتٍ شيقة على ألسنة الحيوانات.
تُقدّم بوابة «دار الهلال» لقرائها طوال شهر رمضان المبارك لعام 1446 هـ حكاياتٍ يومية من كتاب «كليلة ودمنة»، في إطار سلسلةٍ مميزة تستعيد من خلالها عبق التراث الأدبي. وتُقدَّم اليوم قصة بعنوان « الثعلب والحمار»، لتستمر الرحلة الممتعة مع عالم الحكايات والحكمة.
وجاء بالقصة: زعمو أن ملك الغابة جاع فقال للثعلب: أحضر لي طعاماً أيها الثعلب وإﻻ أكلتك
قال الثعلب: سأحضر لك حماراً، ثم انطلق الثعلب للحمار وقال له: إن ملك الغابة يريد أن يسود السلام في المنطقة، لذلك قرر أن يختار أميراً جديداً للغابة، فرح الحمار وذهب مسرعاً إلى الملك وما إن دخل عليه حتى ضربه الملك فقطع أذنيه، فخاف الحمار وهرب.
قال ملك الغابة للثعلب: أحضر لي الحمار مرةً ثانية وإﻻ أكلتك، قال الثعلب: سأحاول إحضاره، ولكن إياك أن تفشل، ذهب الثعلب للحمار وقال له: لماذا تركت اﻷسد وهربت؟، قال: إنه يريد أن يأكلني أﻻ ترى كيف قطع أذني؟!، قال الثعلب: أنت بالفعل حمار، كيف يستقر التاج على رأسك ولك أذنان طويلتان؟!، فرح الحمار ورجع مسرعاً، حالماً بالإمارة، وما إن دخل عليه حتى قفز عليه الملك وقطع ذنبه، ففر الحمار من جديد خائفا.ً
قال الملك للثعلب: أحضر الحمار وإﻻ أكلتك، قال الثعلب: ربما اكتشف الحمار مكرنا، ولكنني لن أيأس وسأحاول، ذهب الثعلب للحمار وقال له: لماذا هربت ياحمار؟، قال: إن الملك يريد أكلي أﻻ تراه كيف قطع ذنبي؟.!
قال الثعلب: وكيف تستطيع الجلوس على كرسي العرش بذنبك!
اقتنع الحمار، وعاد إلى ملك الغابة، يمني نفسه باﻹمارة، وما إن دخل عليه حتى قفز الملك وقتله، ثم قال للثعلب: اذهب واسلخه وأحضر لي القلب والكبد والمخ، ذهب الثعلب فسلخ الحمار وأكل المخ وجاء بالقلب والكبد.
قال ملك الغابة: أين المخ؟
فضحك الثعلب وقال: لم أجدفيه مخاً، لأنه لو كان له مخ لما رجع إليك ثلاث مرات.