رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


وماذا عن باحثة البادية…؟

15-3-2025 | 17:32


.

بقلم: سناء السعيد

لفت نظرى كتاب تحت عنوان «شتاء امرأة فى إفريقيا»، وهو من تأليف امرأة إنجليزية تدعى «شارلوت كاميرون»، وفيه تتحدث عن أديبة عربية وتعرض لها من خلال حياتها ونشأتها ونبوغها. إنها «باحثة البادية» أو «ملك حفنى ناصف»، التى ولدت فى القاهرة عام 1886.

 

لم يأت نبوغها بمحض المصادفة، وإنما جاء متأثرا بنشأتها الأدبية فى بيت والدها الأديب الكبير واللغوى اللامع «حفنى ناصف».. وبالنسبة لتحصيلها الثقافى، فلقد تلقت قسطا منه فى المدارس الفرنسية، ثم التحقت بمدرسة السنية، وكانت أول فتاة فى مصر تحصل على دبلوم التدريس فى ذلك الوقت.. وقد عملت فى التدريس واتخذته ميدانا لجهودها الداعية إلى تعليم الفتاة وتثقيفها، وجعل المرأة إنسانا جديدا متحررا من قيود الجهل. واستطاعت فى تلك الأثناء الاتصال بنسبة كبيرة من أولياء الأمور وإقناعهم بضرورة القيام بتعليم بناتهم.

 

إنها «ملك حفنى ناصف» الأديبة المصرية الداعية للإصلاح الاجتماعى، وإنصاف وتحرير المرأة المصرية فى أوائل القرن العشرين، وهى أول من جاهر بدعوة عامة لتحرير المرأة والمساواة بينها وبين الرجل.

 

عرفت بثقافتها الواسعة وكتاباتها فى العديد من الدوريات والمطبوعات. كانت تجيد الإنجليزية والفرنسية، وهذا ما ساعدها فى عملها.. بعد زواجها عاشت فى قصر زوجها شيخ العرب “عبد الستار الباسل” بالفيوم.. اتخذت اسم “باحثة البادية» اشتقاقا من بلدية الفيوم، التى تأثرت بها. قامت بتأسيس اتحاد النساء التهذيبى ليضم الكثير من السيدات المصريات والعربيات وبعض الأجانب ويهدف إلى توجيه المرأة إلى ما فيه صلاحها. كونت جمعية للتمريض لإغاثة المنكوبين المصريين والعرب، وكانت الأساس لما عرف فيما بعد بـ”الهلال الأحمر”.. أقامت بمنزلها بالقاهرة مدرسة لتعليم الفتيات مهنة التمريض، وبدأت فى إنشاء مشغل للفتيات وملجأ للمعوذات.

 

وإذا تركنا المجال لقلم الباحثة ليتحدث بلسانها عن «نسائيات»، وهو اسم الكتاب الذى حوى الكثير من مقالاتها عن المرأة والدفاع عنها والدعوة إلى تحريرها، وجدنا فيه إيرادًا لعيوب يتصف بها الرجال، وأخرى تتصف بها النساء. وفيه تتحدث عن الرابطة الزوجية والعلاقة بين الطرفين. وامتد نشاطها الاجتماعى بعد ذلك، فشمل اتصالات ومكاتبات بينها وبين عدد من اللواتى أسهمن فى الحركة النسائية فى أوروبا، ومساهمتها فى جريدة تركية، وفى أخرى ألمانية وثالثة فرنسية.

 

رفضت الباحثة الزواج فى بادئ الأمر، وآثرت أن تخصص مجهوداتها ووقتها لرسالتها التعليمية، وانصرفت إلى توسيع مدارك إخوتها الستة والعناية بوالدها الذى أحبته حبا ملك عليها حياتها. وشاءت الظروف أن يتقدم الشيخ “عبد الستار الباسل» طالبا يدها، فرضيت به مختارة بعد أن رأت رغبة والدها الملحة فى الاقتران به.. وشاء القدر أن تضن عليها الطبيعة بالطفل الذى لم تنفك تنتظره ثمرة لذلك الزواج، وبذلك سلب منها غريزة المرأة كأم.. ولعل فى هذه الحقيقة ما يفسر لنا انصرافها إلى حب الأطفال جميعا، وكأن ذلك بمثابة معين يعوضها ما افتقرت إليه.

 

تألق نشاطها فى أعمال البر والإحسان، فقامت بجمع التبرعات لجمعية الهلال الأحمر، باعت حليها فى سبيل عمل الخير، وأنفقت دخلها الصغير على بعض النساء والأطفال المعوزين. وضعت برنامجا لإقامة مشغل للفتيات وملجأ للنساء، وملكت حاسة الدبلوماسية فى جميع المشروعات التى أقدمت عليها. إذ إنها سعيا وراء إنكار الذات أسندت رئاسة الجمعيات التى قامت بإسنادها إلى غيرها من النساء الفاضلات بعدا عن حب المظهر. وقد أحبت الأديبة «ملك» البساطة فى كل شىء يخصها أو يتعلق بها، ولا سيما فى اختيارها لملابسها، وكرهت التصنع والتكلف.

 

ولعل القارئة للموضوع تتساءل كما تساءلت أنا عن السبب الذى دفع الكاتبة «شارلوت كاميرون» إلى نشر آراء باحثة البادية بين بنات جنسها؟ وإجابة عن هذا السؤال لا أملك سوى أن أقول: إن حساسية “ملك حفنى ناصف” بالموقف وشعورها بالتجربة خلع على آرائها الصدق، وجعلها أداة قوية للتأثير والإقناع. وبعد فهذه هى باختصار «ملك» الأديبة الكاتبة المعلمة… تناقش فى الفلسفة والاجتماع من خلال نظريات «دارون»، و»سبنسر»، وتبحث بحثا جادا فى أمور تخص جنسها، وتعلق عليه نتائج خطيرة تهم المرأة.

 

شاء القدر مرة أخرى أن يسدل الستار على حياة هذه الرائدة العربية فى الثانى عشر من شهر أكتوبر عام 1918، عن عمر يناهز الثالثة والثلاثين مخلفة وراءها سيرة امرأة أحبت المبدأ، وأصلحت التعليم، وكان سلاحها فى هذا الميدان التضحية والحب وإنكار الذات.