فهد البطل.. يعيش فى جلباب «وحش الشاشة»..!
«إنما الأعمار أقدار كُتبت علينا فى الدنيا.. وباتت خطانا فيها مصائر».. هكذا تلقيت رسائل مسلسلى «فهد البطل» و«حكيم باشا».
حيث اعتمد كاتباهما على تناول أولى المعاصى التى ارتكبها الشيطان فى حق آدم عليه السلام، ثم انتقلت بعد ذلك إلى ابنيه وإخوة يوسف عليه السلام فصار بئر نجاته مخرجًا لنبى الله يوسف من مكائد إخوته حتى قيام الساعة، فأصحاب كل هذه الشواهد يؤكدون أن الحسد كان سيد أفعالهم وتاج معاصيهم، وآفتهم العظمى هى «الغيرة» التى تُحمل النفوس بالأحقاد والضغائن.. فما كيد الخصومة بين الإخوة إلا بامتلاك أحدهم للفضائل.. فكل جرائم البشر كان مبعثها الحسد بنيران الغيرة، وهذا ما لمسته فى هذين المسلسلين اللذين يعكسان صورة غير حقيقية عن المجتمع الصعيدى، تتعمد الإساءة إلى أهل الجنوب، أهل الدفء والود العائلى، فمسلسل «فهد البطل» يشوب أحداثه العنف والبلطجة فى معظم حلقاته التى كتبها المؤلف محمود حمدان، وأخرجها محمد عبدالسلام، وكأنهما أرادا أن يلصقا سمة البلطجة بأحيائنا الشعبية المشهود لها فيما سبق فى معظم الأعمال الفنية التى تناولت الحياة داخل الحارة المصرية، ومنها المسلسل المتميز«الشهد والدموع» للكاتب الكبير الراحل أسامة أنور عكاشة الذى قدم لنا الصراع الدرامى داخل الأسرة بشكل متوازن بعيدًا عن مظاهر العنف والبلطجة التى قدمها مسلسل «فهد البطل» ضمن أحداثه كلغة تعبيرية تتنافى مع الأخلاقيات المعهودة للحارة المصرية التى يضرب بها الأمثال رمزًا للشهامة والرجولة والجدعنة، إلى أن تبدل حالها داخل مسلسلات الوقت الراهن والتى شوهت كل هذه السمات الطيبة لأحيائنا الشعبية بتقديمها صورًا ممسوخة، وكأنها صارت مرتعًا للقتل والبلطجة.
يندرج مسلسل «فهد البطل» تحت مفهوم الدراما الشعبية، حيث انطلق سرد الكاتب لأحداثه من داخل الصعيد بالصراع الأبدى الذى تناوله القصص القرآنى بقتل قابيل لأخيه هابيل بسبب الغيرة التى أشعل فتيلها الأب العمدة محمد أبو داود بين ابنيه «غلاب وحماد».
بسبب منحه العمدية لابنه الأصغر «حماد» الذى جسده أيضًا أحمد العوضى.. المسلسل يتطرق إلى استعراض فكرة البطل الشعبى الذى يخلص المجتمع من الظلم لكونه قد تعرض لهذا الظلم منذ أن كان صغيرًا بقتل عمه «غلاب» لأبيه «حماد» الذى راح ضحية الكره والطمع والغيرة.. المسلسل يجسد بشكل مكثف كمّ الغل والحقد بين الإخوة.. الأعجب أن المؤلف استلهم هروب أبناء «حماد» بعد مقتله من أحداث فيلم «وا إسلاماه»، حيث حرص ابنه «فهد البطل» على وشم يده وأيدى إخوته الصغار بالنار لكى يستدلوا على أنفسهم حينما يكبرون على غرار مشهد وشم «سلامة لجهاد ومحمود» من فيلم «وا إسلاماه» للكاتب الراحل أحمد على باكثير.
ومن أهم العلامات البارزة لأبطال هذا المسلسل هو أننى أرى بعضهم وكأنهم وجوه جديدة تطل علينا لأول مرة بتقديمهم الرائع لأدوارهم، وعلى رأس هؤلاء الفنان الكبير أحمد عبدالعزيز الذى أراد أن يتحرر من أدوار دفاعه عن الحق فى العديد من أعماله الفنية السابقة بانحيازه فى هذه المرة للقهر والظلم، الذى ارتكبه من خلال أدائه لشخصية «غلاب» الأخ الأكبر «لحماد والد فهد البطل»، حيث قتل غلاب أخاه طمعًا فى الفوز بالعمدية والزواج من أرملة أخيه وتزويره لنسب ابن حماد الرضيع فى الأوراق الرسمية على كونه ابنه بلا شك أن العملاق أحمد عبدالعزيز قد أبدع فى تجسيده لهذه الشخصية حليفة الشياطين، بإيعاز من صديقه «توفيق التمساح» الذى أبهرنا بأدائه المتفرد له الفنان الكبير محمود البزاوى الذى كان يوسوس لـ«غلاب» لكى يزرع المخدرات فى أرضه، كما أنه كان العقل المدبر لقتل حماد.
على الرغم من أن القضية التى يطرحها مسلسل «فهد البطل» ليست جديدة علينا، فإن هذا لا يمنع من أن سرد المؤلف لعلامات القهر التى تعرض لها بطل المسلسل فى طفولته جعلته يوجِد مبررًا لعنفه وإجرامه فى الكبر، ونمو النزعة الانتقامية لديه، ما جعلنى أصف «فهد البطل» بأنه أشبه بـ«فحل بصل» على مائدة الدراما الرمضانية هذا العام، فهذه الشخصية لها مذاق حار قد تدمع الأعين للوهلة الأولى أثناء مشاهدتنا لمآسيها وأفعالها فى حين أنها تستمد قوتها من أصولها الريفية التى تجعل صاحبها يتمسك بقيمه التى تربى عليها أثناء تعامله مع بعض المواقف، وفى الوقت نفسه يستهدف المؤلف باستعراضه لأحداث القهر التى تعرض لها البطل نوعًا من التعاطف معه، لكى يكتسب العوضى شعبية داخل ساحة الماراثون الرمضانى، ما يجعل جمهوره يتعاطف مع ظروفه، وما تعرض له من ظلم، لكن يبدو أن الرياح لم تأتِ بما تشتهى السفن، حيث فوجئت بشعور بعض الأصدقاء داخل مصر وفى بعض الدول العربية ممن يتابعون هذا المسلسل بالسخط والاشمئزاز من كثرة المشاهد التى تحرّض الأجيال الحالية على استخدام «الدراع» كلغة للحصول على حقوقهم وهذا أمر مرفوض، لأنه يُحدث خللا اجتماعيا بين أفراد المجتمع، ويعلى من قيمة مبدأ أن «البقاء للأقوى».
بلا شك أن دائرة الصراع فى هذا المسلسل تنحصر فى قضية الخير والشر الأزلية حيث تقدم «فهد البطل» الذى يغلب على سلوكه مظاهر الإجرام حتى لو كان مجمل سلوكياته عبارة عن رد فعل لما يتعرض له من إجحاف وطغيان.. إلا أن أداء العوضى لشخصية «فهد البطل» لم تخرج عن كونها مستوحاة من شخصية «سلطان» فى فيلم «جعلونى مجرمًا» للراحل «وحش الشاشة» فريد شوقى، كما أن اعتماد العوضى على اتباع أسلوب العملاق «زكى رستم» فى أدائه لأدوار الشر بــ«نظراته الحادة»،جعل الجمهور يشعر بأن أدائه متكرر لكل الشخصيات التى يقدمها لكن يبدو أن السر وراء تكرار العوضى لأدائه كان مبعثه أنه ما زال لا يعى أن وحش الشاشة وزكى رستم قد رحلا عن دنيانا منذ زمن طويل.
كما أن تقديم العوضى كل عام لـ«إفيه» معين لكى يردده البلطجية أصبح أمرًا غير مستحب على مسامع المشاهدين، فهذه الإفيهات لا تمت إلى طبيعة المصريين بصلة، بيد أنها مقززة جدًا، فهذا يجعلنى أتساءل بماذا يعنى العوضى بكلمة «بشويشة»؟! التى يرددها فى كل معاركه وأثناء احتكاكه بخصومه داخل هذا المسلسل سوى أنه ينشر لغة غير مفهومة إلا للبلطجية وولاد الليل.
كما أن السؤال الذى يطارد ذهنى أثناء مشاهدتى لهذا المسلسل: هل المغزى منه تقديم البلطجى «فهد البطل» كقدوة يقتدى بها الشباب فى تعاملاتهم مع مَن ظلموهم؟ وما الضرورة الدرامية التى جعلت العوضى يلعب دور الأب «حماد» والابن «فهد البطل» غير أنه يرغب فى أن يستأثر وحده بالدورين ويحجب الفرصة عن غيره من زملائه؟
فضلًا عن أننى لا أجد أى مبرر لحرص العوضى على وضع الكحل فى عينيه وإطلاقه للحيته فى أدائه لدور الأب بحجة أنه يكون مختلفًا عن أدائه لدور الابن «فهد البطل».
بل ما جعلنى أستشعر أيضًا أثناء رؤيتى للمشهد الذى جمع ما بين «فهد البطل» وعمه «غلاب» الذى اكتفى بأنه يشبّه عليه متناسيًا أنه صورة طبق الأصل من أخيه القتيل «حماد» بأننى أشاهد مسلسلًا للهنود الحمر.
خلاصة القول أننى أرى أن هذا المسلسل ما هو إلا مجموعة من الأفكار التى استوحاها المؤلف من أعمال فنية سبق تقديمها لكنه اجتهد فقط فى إضفاء طابع القتل والعنف عليها لكى يبعد أذهان المشاهدين عن إجرائهم مقارنة بين أحداث هذا المسلسل وهذه الأعمال الأخرى التى اقتبس منها أحداث مسلسله، كما أن إصرار العوضى على تقديمه لمثل هذه النوعية من المسلسلات التى تستبيح الدماء وتزهق الأرواح سنويًا له أثره ومردوده العكسى الذى يضر مصر، ويشيع أمام جمهور المنطقة العربية أن شوارعها وحواريها قد تحولت إلى ساحة لارتكاب الجرائم، لذا لا بد أن يعى صُناع وكُتاب الدراما التلفزيونية مدى خطورة ما يقدمونه للمجتمع، وما له من دور سلبى فى نشر واتساع معدلات الجريمة داخله، خاصة أن هذه المسلسلات لا تعبر عن واقعنا لأننا نعيش فى كنف دولة القانون.
لذا أرى أن «فهد البطل» ليس إلا بلطجى يعيش فى دور الضحية لكى يجعل المؤلف دافعًا له فى انتقامه من المجتمع وليس من خصومه فقط، وهذا قد يترتب عليه ظهور فئة من الشباب ستقلده فى ظل انتشار بعض الأفكار السامة وغياب الوعى والتربية السليمة للنشء الجديد.
وعلى الجانب الآخر، يطل علينا الفنان مصطفى شعبان بمسلسله «حكيم باشا» تأليف محمد الشواف وإخراج أحمد خالد أمين، حيث تدور أحداثه حول شخصية «حكيم باشا» الذى قضت التقاليد والأعراف داخل مجتمع الصعيد بجعله كبير عائلته بقرار من عمه «نوح» الذى يلعب دوره الفنان الكبير أحمد فؤاد سليم والسبب أن «حكيم باشا» الذى يجسّده مصطفى شعبان يتولى إدارة أعمال عمه فى تجارة الآثار، تاركًا والده الفنان الكبير أحمد صادق الذى رفض أن يعمل معهما فى الحرام، واكتفى بعمله بالفلاحة.
مسلسل «حكيم باشا» من الواضح أنه يسير على نفس نهج مسلسل «الحاج متولى» الذى شهد الظهور الأول للنجم مصطفى شعبان ومسلسله «الزوجة الرابعة»، حيث ينادى بتعدد الزوجات لكنه يتخذ من هذا التعدد فى هذه المرة وسيلة لانجابه لولى العهد، إلا أن المسلسل كشف لنا عكس ذلك لأنه أوضح بأن «حكيم باشا» لا ينجب، ومن ثم فإننى أرى أنه ليست هناك ضرورة لتعدد زوجاته، بينما أراد المؤلف أن يشبه حالة «حكيم باشا» بمعجزة إنجاب سيدنا زكريا لنبى الله يحيى عليهما السلام بظهور إحدى النساء اللاتى كان قد تزوج بها زواجًا عرفيًا بعد أن أنجبت له ابنه الذى أسماه «نوح» وتأكد من بنوته له بتحليل الــ«DNA» .. يتميز مسلسل «حكيم باشا» عن «فهد البطل» بميله إلى الطابع الكوميدى النابع من عدة مواقف بين أبطاله، ولا يعتمد بشكل مباشر على مشاهد العنف، فضلًا عن أن الفنانة الشابة سهر الصايغ أضفت عليه من خلال أدائها المتألق لشخصية «برنسة» ابنة عم حكيم باشا نوعًا من البهجة حيث تؤدى هذه الشخصية بحرفية، وتردد موسوعة من الأمثال الشعبية، وتتحكم فى نساء حكيم وإخوتها الرجال فى القصر الفخم الذى تسكنه هذه العائلة داخل المجتمع الصعيدى، ما جعل الجمهور يتساءل عن كيفية وجود قصر بهذا الشكل المبالغ فيه بين قرى الصعيد، خاصة أن تلك القرى يغلب على منازل أهلها طابعها المتواضع، بالإضافة إلى أن ديكور هذا القصر من الداخل يرمز لحالة من البذخ الشديد الذى تعيشه هذه العائلة ما يجعلها لا تمثل الصعايدة بشكل واقعى.
الأغرب من ذلك أن النجم مصطفى شعبان يؤدى دوره بأسلوب متناقض، مرددًا أنه لا يبيع المومياوات لأنه لا يجوز أن يبيع أمواتنا من القدماء المصريين للأجانب، فى حين أنه لا يشعر بأية غضاضة عند بيعه تماثيلهم «مساخيطهم» لهؤلاء الأجانب.
يتقاسم مع مصطفى شعبان جاذبية أدائه لدوره النجم الكبير المخضرم رياض الخولى الذى يثبت سنويًا للجميع أنه أصبح زعيم الفنانين الذين يبرعون فى أدائهم لأدوار الصعايدة، كما تطل علينا زوجته «جلالة» الفنانة الرائعة سلوى خطاب بإطلالة فنية متميزة، حيث اشتهرت داخل هذه العائلة بحسدها لهم، لدرجة أنها حسدت حفيدها ففارق الحياة فى التو واللحظة.
تفوقت سلوى خطاب على نفسها بأدائها لكوميديا الموقف، وإن كانت تذكرنى بأداء الفنان الكبير الراحل محمد عوض لشخصية «شرارة» الحسود فى مسلسل «برج الحظ» الذى سبق أن قدمه فى حقبة الثمانينيات من القرن الماضى.
بينما يتخذ الفنان الكبير أحمد صادق والد «حكيم باشا» بحكم جذوره الريفية داخل إحدى القرى المجاورة لمدينة طنطا بمحافظة الغربية من الحكمة حصنًا له بعدم انجرافه خلف أخيه وابنه بالعمل معهما فى تجارة الآثار التى تندرج تحت مفهوم الأعمال المحرمة وغير المشروعة، ما أهّله لكى يصبح الملجأ الوحيد لابنه «حكيم باشا» لتلقيه منه النصائح والخبرة والمشورة.
المسلسل فى مجمله يعد من الأعمال الجيدة التى تضفى البسمة على نفوس الجمهور، إلا أنه فى الوقت نفسه يراه البعض أنه يسيء إلى مجتمع الصعايدة بلجوئهم إلى الأعمال غير المشروعة.

