رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


هناء.. حفيدة الشيخ محمد رفعت: كانت دموعه تبلل وجهه إذا قرأ القرآن

15-3-2025 | 18:43


.

حوار يكتبه: صلاح البيلى

علاقة خاصة جدا جمعت بين صوت الشيخ محمد رفعت وشهر رمضان، فشهر القرآن، هو شهر الشيخ رفعت بلا جدال، ويعتبر التاسع من مايو يوما خالدا فى حياة الشيخ، ففيه ولد وفيه مات (9 مايو 1882 .. 9 مايو 1950). والحق أن صوت "رفعت" بما فيه من طاقة روحية وخشوع وصدق وتنغيم يجذب مسامع كل الناس، عربا وأجانب.

 

إنه ناظر دولة التلاوة، وأحد مؤسسيها الكبار، والقارئ الذى أجمع على محبته المتخصصون والعوام، الأثرياء والفقراء. ورغم مرور هذه السنوات على رحيله، يظل جالسا على عرش دولة التلاوة، «المصور» التقت حفيدته هناء حسين رفعت.

 

سألت حفيدته: عن حفظه للقرآن الكريم وانطلاق شهرته بعد ذلك؟

 

ولد الشيخ رفعت فى حى المغربلين بالدرب الأحمر، و أتم حفظ القرآن قبل العاشرة بكتاب (بشتاك) الملحق بمسجد فاضل باشا، وكف بصره وعمره عامان، حين رأته سيدة فى يد والده وكان مبصرا وجميلا، فقالت عنه إنه (ابن ملوك)، فعاد به أبوه للبيت وظل يتألم وكف بصره! وظل الشيخ وفيا للمسجد الذى تربى فيه (فاضل باشا)- وهو أخو الخديو إسماعيل- فلم يغيره طيلة ثلاثين عاما.

 

وكيف وصلت إلينا تسجيلات الشيخ رفعت؟

 

معظم تسجيلات الشيخ رفعت التى نسمعها اليوم حفظها لنا معجبوه، وعلى رأسهم زكريا باشا مهران، ومحمد بك خميس، وذلك على أسطوانات شمع قديمة. ومن جمعها وحفظها من الضياع مهندس صوت مسيحى بالإذاعة اسمه جورج يوسف، حيث ساعد أبى، وهو ابن الشيخ الأصغر (حسين رفعت)، فى استعادة عشرات التسجيلات، وإعادة نسخها على أسطوانات حديثة. ثم واصلت الدور أنا وبقية الأحفاد الـ 26، خاصة ابن عمى (إبراهيم أحمد رفعت)، ونجحنا فى إنقاذ بقية تسجيلات الشيخ، ونقلها على وسائط حديثة.

 

صوت الشيخ رفعت افتتح إرسال الإذاعة المصرية.. فكيف جاء ذلك خاصة أنه كان يمانع فى البداية؟

 

اجتمع على حب صوت الشيخ رفعت كل المصريين والأجانب، وكانت إذاعات لندن وبرلين وباريس تتنافس على جذب المستمعين العرب بإذاعة تسجيلاته، وقد صار صوته علامة من علامات الجودة الفائقة. افتتح بصوته إرسال الإذاعة المصرية فى 31 مايو سنة 1934، ثم نشرة الأخبار، ثم فقرات غنائية لعبد الوهاب وأم كلثوم، وذلك بعد اتفاق الحكومة المصرية مع شركة (ماركوني) لإنشاء إذاعة لاسلكية للحكومة المصرية، وكانت تتبع وزارة المواصلات آنذاك. ولم يكن للشيخ رفعت تسجيلات كاملة للقرآن، بل كانت متفرقة، إما بالمساجد أو فى البيوت، وجمعها معجبوه. وقد نجحت هذه المهمة فى إنقاذ الكثير من تسجيلاته القديمة. ولرداءة بعض التسجيلات قام نقيب القراء الأسبق الشيخ أبو العينين شعيشع، باستكمال بعض الآيات والحروف الضائعة لتشابه صوته مع صوت الشيخ رفعت، خاصة أنه لحق به وقرأ معه قبل رحيله.

 

وكم تبلغ ساعات القرآن المسجلة بصوت الشيخ رفعت اليوم فى الإذاعة المصرية؟

 

يوجد للشيخ بالإذاعة (40 تلاوة مدة كل منها 45 دقيقة، و60 تلاوة مدة كل منها 30 دقيقة، و80 تلاوة مدة كل منها 15 دقيقة، و100 تلاوة مدة كل منها 10 دقائق، و110 تلاوات مدة كل منها خمس دقائق)، فضلا عن عشرات الأسطوانات القديمة التى تحوى عشرات التلاوات والتى توجد لدى أحفاده اليوم، وبحاجة لعملية نقل وإنقاذ سريع لتظهر للنور ويكتمل تراث الشيخ، هذا بخلاف ما أنقذه إبراهيم ابن عمى على نفقته الخاصة.

 

وكيف أثر الشيخ رفعت فى أبناء عصره؟

 

ذكر الكاتب الصحفى كامل الشناوى قصة بليغة توضح أسطورة رفعت، ومفادها أن عبد الوهاب اصطحبه للاستماع لصوت الشيخ بمسجد فاضل باشا بالسيدة زينب صباح يوم جمعة، وتندر به الشناوي: (هل نحن ذاهبون لصلاة الفجر أم الجمعة؟)، لأن عبدالوهاب اصطحبه مبكرا جدا كى يحجزا مكانهما قرب دكة الشيخ فى الصف الأول. ثم قال الشناوى بعدها: (ما إن بدأ الشيخ يتلو القرآن بصوته حتى شعرت أن كيانى كله اهتز ولم أشعر بنفسي!). أيضا كان الشيخ رفعت ممن تنبأوا للشيخ مصطفى إسماعيل بالنجومية حين استمع إليه فى طنطا، فى عزاء القصبى باشا.

 

وقال الشيخ الشعراوى فى وصف صوته: (إنه جمع كل أصوات المقرئين فى صوته، فهو جماع كل مدارس تلاوة القرآن). ووصفه الناقد الأدبى كمال النجمى بأنه: (أعظم من تغنى بالقرآن)، وقال فؤاد حلمى إن صوته قريب من طبقة (الألتو) الأوبرالية. وهذا ليس بغريب على الشيخ رفعت فقد وجدنا فى مكتبته الخاصة يوم رحيله، أسطوانات مشاهير أهل الطرب والموسيقى من مصر والعالم، بما فيها أسطوانات بيتهوفن وموزار وشوبان وباخ، كما وجدنا دواوين الشعر من العصر الجاهلى للعصور التالية، ووجدنا عدة عصى، أسطوانات لمشاهير عصره مثل منيرة المهدية وصالح عبد الحى وسلامة حجازى وغيرهم، وكان الشيخ يترنم بالطقاطيق مع ضيوفه وقت سمره. ومما يذكر أن حيدر باشا وهو من أثرياء الهند عرض عليه السفر للقراءة فى الهند بأى مقابل، ورفض الشيخ، ومرة منحه أهل المتوفى قروشا قليلة، وكان أجره بالجنيهات الذهبية، وجاءوا إليه معتذرين، فرفض استلام الذهب، وقال أخذت أجرى، أيضا أمر أولاده مرة بتجهيز عربة الحنطور الخاصة به والتى تجرها الخيول، وعرفوا أنه سيقرأ فى مأتم سيدة فقيرة كانت أوصت أولادها بأن الشيخ دون غيره يقرأ فى عزائها.

 

وكيف امتحنه الله تعالى بحبس صوته لسنوات؟

 

امتحنه الله عز وجل بحبس صوته لسبع سنوات، إذ كان يقرأ فأصابه ما يشبه (الزغطة) فلم يستطع أن يكمل التلاوة وبكى، ولزم بيته، وأصابه سرطان الحنجرة، واختار أن يبيع أثاث بيته، وقطعة أرض كان يملكها لسد تكاليف العلاج، كما أجر الدور الأرضى من بيته المكون من ثلاثة طوابق، ورفض أن يأخذ العشرين ألف جنيه التى جمعها له رئيس تحرير "المصور" الأسبق فكرى باشا أباظة لعلاجه من اكتتاب كان دعا إليه على صفحات المجلة، ثم قرر له وزير الأوقاف آنذاك الدسوقى باشا أباظة والد الأديب ثروت أباظة معاشا شهريا بطلب من جموع قراء "المصور".

 

من أين أتى الشيخ رفعت بفهمه للمقامات وسحر التلاوة؟

 

أغلب تلاواته يبدأ من مقام بياتي، وهو من المقامات الشعبية المصرية، ثم يتبعه بنغمات مقام حجاز الذى غالبا ما يستخدم فى الأذان، ثم يعرج على نغمات مقام نهاوند، وتحمل نغماته شجنا نسبيا، ويعود إلى مقامين شعبيين آخرين هما راست وسيكا، وأحيانا أخرى نغمات مقامى رمل وجهاركاه، وكان الشيخ دارسا لقواعد الموسيقى العربية، ويحفظ عددا من الأدوار والقصائد والتواشيح، كما كان يعزف على العود، وكان مستمعا جيدا لأسطوانات كبار موسيقى الغرب مثل باخ وبيتهوفن وموتسارت وباجانيتي.

 

وقال عنه عازف العود نصير شمة: (صوته سر وجوده، وهو مزيج لتكنيك شيوخ الطرب، ومغنى الأوبرا، وقراء القرآن، مع سلامة نطق، ووضوح نغم، وفتح ربانى لعقله وقلبه وصوته)، كان بيته منتدى ثقافيا لأساطين الفكر والثقافة والطرب، وبهذا أضاف قيمة واحتراما لبيئته، وأثر فيمن حوله تأثيرا بالغا، أتاه الله الفتح الربانى فى التحكم والتلوين فى الأداء وتنغيمه وتفخيمه وهى علم وموهبة ودراسة، كيانه ملائكي، وصوته يحدث حالة رفعة لمن يسمعه، وينفذ إلى الروح، مع تفرده بالتلاوة والتجويد، وما زال صوته يحير العارفين بالمقامات الموسيقية والانتقالات النغمية.