رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


حرف السين ديمومة المعجزات

15-3-2025 | 20:57


.

بقلـم: محمد الشافعى

 

“سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِى الآفَاقِ وَفِى أَنفُسِهِمْ”

 

عندما استمع الوليد بن المغيرة “وهو الكافر” إلى القرآن الكريم قال شهادة حق، تؤكد إعجاز القرآن الكريم، ومما قاله فى هذا الشأن “إن له لحلاوة.. وإن عليه لطلاوة.. وإن أعلاه لمثمر.. وإن أسفله لمغدق”، فكل آيات الله فى كتابه العزيز معجزة تتحدى البلغاء، وكثير من الآيات متجددة العطاءات، دائمة الفيوضات.. ومنها قوله تعالى “سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِى الآفَاقِ وَفِى أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَىءٍ شَهِيدٌ” (فصلت: 52).

 

فلو قرأنا هذه الآية كرسالة لقريش وأهل زمانهم لوجدنا أن الله سبحانه وتعالى يخبرهم أنه سيريهم آياته فى آفاق الأرض.. مما يفتحه على المسلمين.. ومن فتح مكة ذاتها، حتى يتضح لهم أن هذا القرآن هو الحق الذى لا مرية فيه، وكان على هؤلاء المشركين أن يؤمنوا بأن القرآن حق لأنه من عند الله، ومَن أعظم شهادة من الله، ولو كانوا يريدون الحق لاكتفوا بشهادة ربهم.

 

وإذا توسعنا فى قراءة هذه الآية الكريمة بعيدا ًعن قريش سنجد أن الله سيرِى خلقه فى آفاق السماوات والأرض.. من المعجزات والنبات والأشجار، وفى أنفسهم من لطيف الصنعة وبديع الحكمة.. حتى يتبين لهم أن القرآن هو الحق المنزل بالبعث والحساب والعقاب.. وقد ذهب بعض المفسرين إلى أن «سنريهم» تعنى منازل الأمم الخالية.. وفى أنفسهم بالبلاء والأمراض وفى هزيمة قريش يوم بدر، وفى فتح مكة للمسلمين.

 

وإذا توسعنا فى قراءة هذه الآية بمقاييس عصرنا، أو بمقاييس الزمن الآتى لوجدنا أن الله سبحانه وتعالى قد بعث الكثير من الرسائل إلى المشركين فى كل زمان ومكان بأن أراهم الكثير من المعجزات.. ولكنهم أغمضوا أعينهم عنها، مثل وعده بنصرة أنبيائه وجنوده.. فتمادت فى إيذاء الرسول والمسلمين تضييقا واستهزاء.. وتآمروا على قتله وإخراجه فتحداهم الله بقوله تعالى “سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم”.

 

والإسلام كما يقول الشيخ الشعراوى لم يأت لقريش فقط، أو حتى للجزيرة العربية ولكنه جاء للعالم كله.. فراحت أرض الكفر تنقص كل يوم، وأرض الإيمان تنمو كل يوم، وقد رأت قريش كيف انتشر الإسلام ليحتوى أكبر حضارتين.. فارس فى الشرق، والروم فى الغرب.. حدث ذلك فى وقت واحد، وخلال نصف قرن تمدد الإسلام حتى ضم نصف الدنيا.. لنقرأ قوله تعالى “سنريهم آياتنا فى الآفاق” والأفق هو الناحية التى يعيش فيها الإنسان الذى هو المركز وحوله فضاء واسع.. والآفاق جمع أفق.. أما “وفى أنفسهم” فإذا كان الخطاب موجها لقريش.. فهذا يعنى التضييق عليهم بنشر الإسلام فى كل مكان من حولهم.

 

أما عطاءات حرف السين فى “سنريهم” فهى بلا حدود.. فقد أثبت العلم الحديث ما جاء به القرآن قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام.. من معجزة خلق الإنسان “ولقد خلقنا الإنسان من سُلَالة من طين ثم جعلناه نطفة فى قرار مكين ثم خلقنا النطفة علَقة فخلقنا العلقة مُضغة فَخَلَقنا المُضغة عظَٰاما فكسونا العظامَ لَحما ثم أنشَأۡناه خلقًا آخَر فتبارك الله أَحسن الخالقين.

 

ومن عطاءات “سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم”.. تلك الاكتشافات التى دفعت الإنسان إلى سطح القمر.. أما فى أنفسهم فآيات الله أكثر من أن تحصى أو تعد.. فالإنسان جوارح وكل جارحة لها درجة حرارة.. فالكبد 40 درجة مئوية.. والعين تسع درجات مئوية بينما درجة حرارة الجسم 37 درجة مئوية.. وغير ذلك من المعجزات التى اكتشفها العلماء فى جسد الإنسان مثل كيفية عمل الكلى أو الكبد أو القلب.

 

كل ذلك بنظام محكم ودقيق، ولا يملك تلك الكيفية إلا الله الواحد الأحد.. والآيات هى الأمر العجيب، وقد تحدى الله بمعجزاته وآياته اكتشافات البشر فى الآفاق وفى أنفسهم فهو القائل فى قرآنه الكريم «وَمَعَارِجَ عَلَيهَا يَظهَرُونَ” (الزخرف:33) ، ولم يعرف الإنسان المصعد “الأسانسير” إلا فى القرن العشرين، كما أنه سبحانه وتعالى القائل فى قرآنه الكريم «وله الجوار المنشآت فى البحر كالأعلام” (الرحمن: 24)، ولم يعرف الإنسان المراكب العملاقة التى تسير فى البحر إلا فى القرن العشرين أيضا، وتتوالى معجزات القرآن الكونية. فى حكمة إلهية تؤكد استدامة العطاءات وطلاقة القدرة “حتى يتبين لهم أنه الحق” والحق هو الشىء الثابت الذى لا يتغير.. ويقابله الباطل وهو زهوق، فسبحان الذى طلاقة قدرته تضمن ديمومة آياته فى الآفاق وفى البشر لعلهم يؤمنون.