شنَّ الحرب.. ثم عاد للهدنة ترامب يثير الجدل من جديد
«غباء».. هكذا وصف الرئيسى الكندى جاستن ترودو قرار ترامب بفرض تعريفات جمركية جديدة على المكسيك وكندا والصين، القرار الذى سرعان ما عاد ترامب وأجل تنفيذه لشهر كامل بعد موجة من الانتقادات وجهت لترامب، واتهامات بأنه يريد شن حرب اقتصادية ليست فقط على هذه الدول فحسب بل على العالم كله لا يدرى أحد تأثيرها ولا كيف ستنتهى.
التعريفات الجمركية.. تلك الكلمة التى لم تفارق ترامب منذ توليه منصبه للفترة الثانية فى يناير الماضى، يصدر قراراً بتفعيلها بعض الوقت وسرعان ما يرجئ تنفيذ بعضها لوقت آخر، انطلقت منذ يوم تنصيبه فى 20 يناير، حينما صرح بأنه سيفرض تعريفات جمركية على كندا والمكسيك والصين، وأعلن موعد تفعيلها فى الرابع من فبراير، وفى نفس الشهر، وقبل يوم من تفعيلها أعلن تعليق التعريفات على كندا والمكسيك لمدة شهر بعد اتصال مع الرئيس الكندى ورئيسة المكسيك.
وفى اليوم المقرر فى الرابع من فبراير، فرضت الولايات المتحدة 10 فى المائة رسوم على الصين وردت بكين بفرض رسوم انتقامية هى الأخرى، ليأتى فى اليوم التالى قرار باستثناء السلع ذات القيمة المتدنية من الرسوم المفروضة على الصين –فى شبه تراجع جزئى عن القرار- . وأخيرا فى 4 مارس أعلن ترامب عن مهلة انتهاء 30 يوما وبدء تنفيذ قرار بفرض 25 فى المائة تعريفة جمركية على الواردات من الصين وكندا والمكسيك، وفى اليوم التالى أعلن استثناء صناعة السيارات من الرسوم، وفى 6 مارس أعلن استثناء معظم السلع التى تخضع لاتفاقية التجارة الأمريكية المكسيكية الكنديةusmca والتى تشمل الدول الثلاث وذلك حتى 2 أبريل.
وجاء القرار خاصا للمكسيك فى البداية بعد محادثة مع الرئيسة المكسيكية كلاوديا شيبناوم، ثم شمل القرار كندا التى فرضت هى الأخرى رسوما انتقامية، كما توترت العلاقات بين ترامب وترودو، حيث وصف ترودو قرار ترامب «بالغباء»، فى حين اتهم ترامب ترودو بأنه يستغل قضية التعريفات للبقاء فى السلطة.
يعود السبب الرئيسى لهذا التراجع الأخير إلى الهبوط الحاد التى شهدته أسواق المال الأمريكية والعالمية يوم الاثنين الماضى مما دفع ترامب للتراجع خطوة للوراء ومحاولة تهدئة الموقف، إلى جانب الارتباك الذى شهده مجال صناعة السيارات، والتى تعد محورا أساسيا لكل من أمريكا وكندا والصين، حيث يتم تجميع وتصنيع أغلب السيارات فى المكسيك وكندا ومن ثم تدخل السوق الأمريكية باعتبارها صناعة أمريكية، مما يعنى أن فرض رسوم على هذه الصناعة هو طلقة فى صدر ترامب ليس إلا.
لاسيما أن البعض يتهم ترامب بأنه فرض هذه التعريفات دون أى مبررات واضحة، مما أدى إلى إشعال حرب تجارية تهدد بتقويض اقتصاد الولايات المتحدة نفسه، ويعزو ترامب هذه التعريفات إلى مجموعة من الأسباب، قائلا إنها عقاب لفشل الدول الأخرى فى وقف تدفق المخدرات والمهاجرين إلى الولايات المتحدة وانتقاما للدول التى تستغل الولايات المتحدة ووسيلة لإجبار التصنيع على العودة إلى أمريكا وانتقاما للدول التى تستغل الولايات المتحدة على حد تعبيره.
ويقول دكتور إدموند غريب أستاذ العلاقات الدولية: إن هدف ترامب الأول هو تقليل تجارة المخدرات عبر الحدود وخاصة الفانتنيل الذى انتشر بشكل كبير فى الولايات المتحدة ويقول ترامب إنه يأتى من الصين خلال كندا والمكسيك، كما أنه يظن أن هذه الإجراءات تضغط بشكل كبير على كندا والمكسيك لمعالجة قضية الهجرة واتخاذ تدابير أكثر صرامة للحد منها، لكن على الرغم من ذلك يقول د. غريب.. إن فاعلية هذه الخطوات غير معلومة الملامح، بل إن الأمر سار بشكل عكسى وأصبحت هناك ردود فعل انتقامية، وتوتر فى العلاقات الدبلوماسية، الأمر الذى يؤثر سلبا على سمعة ومصداقية الولايات المتحدة.
بل إن الأخطر أن هذه الإجراءات قد تؤدى إلى خلل فى سلاسل التوريدات وارتفاع الأسعار يلحق الضرر بالدول الثلاث، كما أن هذا القلق والتوتر قد يمتد عالميا –وهو ما حدث قبل تعليق القرار بالفعل- وإذا حدث بالفعل قد يؤدى إلى ارتفاع التضخم فى عدة أطراف فى العالم، بسبب الردود الانتقامية التى فرضتها الدول الأخرى كرد على الولايات المتحدة.
فكندا على سبيل المثال فرضت تعريفات انتقامية على واردات أمريكية بقيمة 20.5 مليار دولار، وقال ترودو نصا «نعم، يمكنه أن يلحق الضرر بالاقتصاد الكندى لكنه سيكتشف بسرعة، كما ستكتشف الأسر الأمريكية بسرعة أن ذلك سيؤذى الناس على جانبى الحدود».
أما المكسيك فاتخذت نهجا أكثر دبلوماسية، ووافق القادة فى المكسيك على إرسال أكثر من 20 من زعماء العصابات (الكارتال) للمحاكمة فى الولايات المتحدة، وهو انحراف عن موقف الحكومة السابق بشأن عمليات التسليم، كما أرسلت الرئيسة كلوديا شينباوم آلافا من قوات الحرس الوطنى إلى ولاية سينالوا –مركز الاتجار بالفنتانيل- حيث استولوا على كميات هائلة من المواد الأفينونية الاصطناعية ودمروا مئات المختبرات، كما أرسلت آلافا أخرى إلى الحدود الأمريكية، مما ساهم فى انخفاض عدد المعابر غير القانونية، لتبقى القضية معلقة لحين إشعار آخر الشهر القادم.
