رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


نساء في الإسلام (16ـ 30)| «خَوْلَة بنت ثعلبة» اشتكت إلى الله فنزل الوحي من أجلها

16-3-2025 | 17:22


خولة بنت ثعلبة

همت مصطفى

في أروقة التاريخ وإشراقة الحضارة، تتلألأ صور «نساء الإسلام» كنجومٍ سطعت في سماء الإيمان والعطاء، خلدهن إيمانهن و مواقفهن القوية دفاعًا عن ديننا الحنيف ينشدون ثواب الآخرة والهدى للبشرية كلها فتركن أثرًا كبيرًا  محفوظًا في ذاكرتنا ووجداننا وهدى وبوصلة لنا في الطريق.
ومع بوابة «دار الهلال» في أيام شهر رمضان الكريم لعام 1446 هجريًا  نقدم كل يوم حلقة من سلسلة «نساء في الإسلام» لتأخذنا إلى عمق النفوس، حيث تتجسد شجاعة المرأة وعزمها في مواجهة تقلبات الزمان، في كل حلقةٍ، نكتشف حكاياتٍ نسجت بخيوط العزيمة والإيمان، رسمت بمسحاتٍ من النور ملامح الحضارة الإسلامية هنا، يتلاقى الجمال الروحي مع القوة الإنسانية، وتنبثق من رحم التحديات أروع معاني التضحية والكرامة، لتكون المرأة ركيزة لا غنى عنها في بناء حضارتنا وإرثها العريق.

ولقاءنا في اليوم السادس عشر من رمضان 1446 هجريًا الموافق 16 مارس 2025 ميلاديًا مع الصحابية الجليلة..السيدة خَوْلَة بنت ثعلبة

السيدة خولة بنت ثعلبة بن مالك الخزرجية، أسلمت وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزوجها هو أوس بن الصامت أخو عبادة بن الصامت ،وهي من نزل فيهما الآيات الأربعة الأولى من سورة المجادلة،بالقرآن الكريم، وسميت السورة بذلك؛ لأنها افتتحت بقضية مجادلة امرأة أوس بن الصامت لدى النبي صلى الله عليه وسلم في شأن مظاهرة زوجها.

وكان سبب نزول هذه الآيات هو الحُكْم في قضية مظاهرة «أوس بن الصامت من زوجه خولة»، وإبطال ما كان في الجاهلية من تحريم المرأة إذا ظاهر منها زوجها.
رُوِيَ أنَّ السيدة  خولة بنت ثعلبة، امرأة أوس بن الصامت أخي عبادة بن الصامت رآها زَوْجُهَا وهي تُصَلِّي، وكانت حسنة الجسم، فلما سلَّمت راودَها، فأبت، فغضب، وظَاهَر منها، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت: إن أوسًا تزوَّجني وأنا شابة مرغوب فيَّ، فلما خلا سِنِّي وكثر ولدي جعلني كأمِّه، وإن لي صبية صغارًا إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إلي جاعوا.

 قصة «خولة بنت ثعلبة»  والمظاهرة
و يُرْوَى عن  ما حدث  في قصة «خولة بنت ثعلبة» روايتان:  الأولى أن عليه السلام قال لها: « مَا عِنْدِي فِي أَمْرِكِ شَيْءٌ»، والرواية الثانية، رُويَ  فيها أن رسول  الله  قال لها: «حَرُمْتِ عَلَيْهِ»، فقالت: يا رسول الله ما ذكر طلاقًا، وإنما هو أبو ولدي وأحبُّ الناس إليَّ، فقال: «حَرُمْتِ عَلَيْهِ» فقالت: أشكو إلى الله فاقتي ووجدي، وكُلَّما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « حَرُمْتِ عَلَيْهِ» هتفت وشكت إلى الله، فبينما هي كذلك إذ تربد وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية، ثم إنه عليه الصلاة والسلام أرسل إلى زوجها، وقال: «مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ فقال: الشيطان، فهل من رخصة؟ فقال: «نعم»، وقرأ عليه الأربع الآيات التي نزلت من سورة المجادلة ، وقال له: «هل تستطيع العتق؟» فقال: لا والله، فقال: «هل تستطيع الصوم؟» فقال: لا والله، لولا أني آكل في اليوم مرة أو مرتين لَكَلَّ بصري ولظننت أني أموت، فقال له: «هل تستطيع أن تُطْعِم ستين مسكينًا؟» فقال: لا والله يا رسول الله إلا أن تعينني منك بصدقة، فأعانه بخمسة عشر صاعًا، وأخرج أوس من عنده مثله فتصدق به على ستين مسكينًا.


وبدأت هذه  الآيات  في  أول سورة «المجادلة» بصورة عجيبة من صور هذه الفترة في تاريخ البشرية، حيث فترة اتصال السماء بالأرض في صورة مباشرة محسوسة، ومشاركتها في الحياة اليومية لجماعة من الناس مشاركة ظاهرة، فنشهد السماء تتدخل في شأن يومي لأسرة صغيرة  مسلمة ، لتقرِّر حكم الله في قضيتها، وقد سمع سبحانه وتعالى لهذه المرأة وهي تحاور رسول الله فيها، ولم تكد تسمعها عائشة وهي قريبة منها، وهي صورة تملأ القلب بوجود الله وقربه وعطفه ورعايته.

مفهوم المظاهرة
توضح لنا هذه الآيات مدى حِرْص هذه السيدة والمرأة المسلمة  على بيتها وزوجها وأولادها من خلال مجادلتها لرسول الله  في شأن ما قاله زوجها من قول كان يقال في الجاهلية
«تحرم به المرأة على زوجها حيث قال  زوج  خَوْلَة بنت ثعلبة، لها   «أنت عليَ كظهر أمي»  ويعني ذلك تحريمها عليه .
 

ولم يرد اسم خَوْلَة بنت ثعلبة، المرأة صريحًا في القرآن؛ وقد يكون  المراد ليس إثبات اسم صريح يخصُّ صاحبة القضية، بل المقصود وصف قضية وتقرير الحكم عليها.
 

وروي في شأن  السيدة خَوْلَة بنت ثعلبة، رضي الله عنها أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر بها في زمن خلافته وهو أمير المؤمنين وكان راكبًا على حمار، فاستوقفته خولة طويلًا و وعظته ، وقالت له: «يا عمر، عهدتك وأنت تسمى عميرًا في سوق عكاظ ترعى الصبيان بعصاك، فلم تذهب الأيام حتى سميت عمر ثم تذهب الأيام حتى سميت أمير المؤمنين، فاتق الله في الرعية، واعلم أنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد، ومن خاف الموت خشي الفوت، ومن أيقن بالحساب خاف العذاب».

«خَوْلَة بنت ثعلبة» المجادلة الفصيحة 
ويروى أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه  كان واقفًا أمامها، يسمع كلامها في إمعان وقد أحنى رأسه مصغيًا إليها .. وكان برفقته أحد مرافقيه وهو جارود العبدي، فلم يستطع صبرًا لما قال خولة لأمير المؤمنين فقال لها في غضب: «قد أكثرت أيتها المرأة العجوز على أمير المؤمنين»، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «دعها ... أما تعرفها؟ هذه «خولة» التي سمع الله قولها من فوق سبع سماوات و عمر أحق والله أن يسمع لها..»
وفي رواية أخرى: قيل له: يا أمير المؤمنين اتقف لهذه العجوز هذا الموقف  قال رضي الله عنه: «والله لو حبستني من أول النهار إلى آخره ما زلت إلا للصلاة المكتوبة، إنها  خولة بنت ثعلبة، سمع الله قولها من فوق سبع سموات، أيسمع رب العالمين قولها ولا يسمعه عمر»،  رحم الله السيدة  «خَوْلَة بنت ثعلبة» المجادلة الفصيحة .