رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


حكايات على ألسنة الحيوانات «كليلة ودمنة».. قصة «كما تدين تدان» (19ـ 30)

19-3-2025 | 11:26


كليلة ودمنة

فاطمة الزهراء جمدي

يُعَدُّ كتاب «كليلة ودمنة» من أشهر الكتب العالمية التي تحمل بين طياتها عالماً واسعًا من الحكايات والحكم. يضم الكتاب مجموعة متنوعة من القصص التي ترجمها عبد الله بن المقفع من اللغة الفارسية إلى اللغة العربية في العصر العباسي، وتحديدًا في القرن الثاني الهجري، مضيفًا إليها أسلوبه الأدبي المميز. ويُجمِع العديد من الباحثين على أن أصل الكتاب يعود إلى التراث الهندي، حيث تُرجم في البداية إلى الفارسية، ثم نقله ابن المقفع إلى العربية بأسلوبٍ راقٍ ومبدع.

يُروى أن سبب تأليف «كليلة ودمنة» يعود إلى رغبة ملك هندي يُدعى دبشليم في تعلم الحكمة بأسلوب مشوّق ومسلٍ، فطلب من حكيمه بيدبا أن يضع له هذا الكتاب، فجاءت الحكايات في قالبٍ أدبي رائع استخدم فيه بيدبا أسلوب الحكايات على لسان الحيوانات، لتقديم دروسٍ أخلاقية وحِكَمٍ إنسانية خالدة.

أصبحت النسخة العربية من «كليلة ودمنة» محطةً هامةً في تاريخ الأدب، حيث أسهمت بشكل كبير في انتشار الكتاب وترجمته إلى العديد من لغات العالم. ويصنّفه النقاد العرب القدامى ضمن الطبقة الأولى من كتب الأدب العربي، ويعدونه واحدًا من أبرز أربعة كتب مميزة. يتألف الكتاب من خمسة فصول تحتوي على خمسة عشر بابًا رئيسيًا، تتناول قصصًا تراثية تعكس تجارب البشر من خلال حواراتٍ شيقة على ألسنة الحيوانات.

تُقدّم بوابة «دار الهلال» لقرائها طوال شهر رمضان المبارك لعام 1446 هـ حكاياتٍ يومية من كتاب «كليلة ودمنة»، في إطار سلسلةٍ مميزة تستعيد من خلالها عبق التراث الأدبي. وتُقدَّم اليوم قصة بعنوان « كما تدين تدان »، لتستمر الرحلة الممتعة مع عالم الحكايات والحكمة.

وجاء بالقصة: زعموا أن لبؤة كانت في غيضة، ولهما شبلان، وأنها خرجت قي طلب الصيد وخلفتهما في كهفهما، فمرّ بهما إسوار فحمل عليهما ورماهما فقتلهما، وسلخ جلديهما فاحتقبهما، وانصرف بهما إلى منزله، ثم إنها رجعت، فلما رأت ما حلّ بهما من الأمر الفظيع اضطربت ظهراً لبطن وصاحت وضجّت.

 وكان إلى جانبها ابن أوي، فلما سمع ذلك من صياحها قال لها: ما هذا الذي تصنعين؟ وما نزل بك؟ فأخبريني به.

قالت اللبؤة: شبلاي مرّ بهما إسوار فقتلهما، وسلخ جلديهما فاحتقبهما، ونبذهما بالعراء.

 قال لها ابن أوي: لا تضجِّي وأنصفي من نفسك، واعلمي أن هذا الإسوار لم يأت إليك شيئاً إلا وقد كنت تفعلين بغيرك مثله، وتأتين إلى غير واحد مثل ذلك، ممن كان يجد بحميمه ومن يعز عليه مثل ما تجدين بشبليك. فاصبري على فعل غيرك كما صبر غيرك على فعلك: فإنه قد قيل: كما تدين تدان. ولكل عمل ثمرة من الثواب والعقاب، وهما على قدره في الكثرة والقلة، كالزرع إذا حضر الحصاد أعطى على حسب بذره.

 قالت اللبؤة: بين لي ما تقول، وأفصح لي عن إشارته.

 قال ابن أوي: كم أتى لك من العمر؟

 قالت اللبؤة: مائة سنة.

 قال ابن أوي: ما كان قوتك؟

 قالت اللبؤة: لحم الوحش.

 قال ابن أوي: من كان يطعمك إياه؟

قالت اللبؤة: كنت أصيد الوحش وآكله.

 قال ابن أوي: أرأيت الوحش التي كنت تأكلين، أما كان لها آباء وأمهات؟

 قالت: بلى.

 قال: فما بالي لا أرى ولا أسمع لتلك الآباء والأمهات من الجزع والضجيج ما أرى وأسمع لك؟ أما أنه لم ينزل بك ما نزل إلا لسوء نظرك في العواقب وقلة تفكيرك فيها، وجهالتك بما يرجع عليك من ضرها.

 فلما سمعت اللبؤة ذلك من كلام ابن أوي عرفت أن ذلك مما جنت على نفسها، وأن عملها كان جوراً وظلماً، فتركت الصيد، وانصرفت عن أكل اللحم إلى الثمار والمسك والعبادة.