رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


عُمان بين تشجيع جذب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز نمو الاقتصاد الوطني

24-3-2025 | 22:22


احمد تركى خبير الشؤون العربية

بقلم أحمد تركى

يأتي هدف جذب الاستثمارات الأجنبية النوعية ضمن أهم مستهدفات "رؤية عُمان 2040" بغية خفض الاعتماد على النفط وتنويع مصادر تمويل المشروعات التنموية وتعزيز الاستدامة المالية والاقتصادية ورفع مكانة عُمان كوجهة إقليمية ودولية جاذبة للاستثمارات.

المتابع والمحلل الاقتصادي لمشهد التطورات الاقتصادية التي تشهدها سلطنة عُمان خلال الخمس سنوات الأخيرة، في إطار رؤيتها المستقبلية "عُمان 2040"، يتأكد بما لا يدع مجالاً للشك، أنها تتجه وبقوة نحو تحقيق مستهدفات رؤيتها في التنويع الاقتصادي وجذب الاستثمارات وتهيئة بيئة ومناخ الاستثمار الآمن.

إذ تنطلق عُمان في تحقيق غايتها المنشودة من خلال تبنى سياسات اقتصادية، توازن بين تشجيع الاستثمار الأجنبي من جانب وتعزيز نمو الاقتصاد الوطني من جانب آخر، عبر آلية تحفيز ودعم القطاع الخاص المحلي ورواد الأعمال، وتحديد قائمة تتضمن الأنشطة التي يقتصر مزاولتها على المواطنين، وتنفيذ برنامج وطني طموح للاستفادة من المحتوى المحلي في تمكين القطاع الخاص وتعزيز نمو الأنشطة الإنتاجية والخدمية الوطنية في مختلف القطاعات والمجالات.

ليس هذا فحسب، إنما تتواصل جهود عُمان من أجل تحسين تنافسية الاقتصاد وبيئة الأعمال مع استمرار تطوير التشريعات والنظم المتعلقة بالاستثمار، ولعل صدور مرسوم سلطاني بإنشاء محكمة الاستثمار والتجارة التي تختص بنظر الدعاوى القضائية التي يكون أحد أطرافها تاجرا والمتعلقة بأعماله التجارية والمنازعات الناشئة عن عقد الاستثمار، يمثل خطوة كبيرة أخري تضاف إلى سجل الجهود المتواصلة لتهيئة العمل على جذب الاستثمارات الأجنبية.

كما أن إنشاء محكمة متخصصة في قضايا الاستثمار، لا شك أنه يسهم في إيجاد بيئة مشجعة لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية وتحسين مؤشرات تنافسية الاقتصاد العماني حيث إن تسهيل تسوية المنازعات التجارية ذات الطبيعة خاصة يتطلب سرعة الإجراءات القضائية والفصل في هذه المنازعات لتعزيز الثقة في بيئة الأعمال.

ويمثل إنشاء محاكم متخصصة في الاستثمار والتجارة، خطوة استباقية استراتيجية نحو تطوير المنظومة القضائية في سلطنة عُمان لتكون أكثر كفاءة ومرونة، بما يسهم في تسريع عجلة التنمية الاقتصادية، من خلال معالجة العديد من التحديات التي يواجهها قطاع الأعمال، وتسريع الفصل في القضايا التجارية والاستثمارية لضمان كفاءة وعدالة الإجراءات وتخفيف العبء عن المحاكم العامة، وتحقيق العدالة الناجزة وتعزيز استقرار بيئة الأعمال وتشجيع المزيد من الاستثمارات.

يعكس إنشاء هذه المحاكم، ثقافة التكامل المؤسسي والشراكة بين مختلف مؤسسات الدولة وفق توجيهات القيادة السياسية، من أجل تحقيق أولويات الرؤية والمبادئ والمفاهيم المرتبطة بالحوكمة وقياس الأداء واللامركزية وتبسيط الإجراءات وتعزيز الاستثمارات وتحقيق أفضل للملاءة المالية والاستدامة الاقتصادية، وتوظيف مفهوم إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة كنواة للتحوُّل في المجتمع الوظيفي وبناء اقتصاد وطني قادر على التنافسية وجذب الاستثمارات الأجنبية.

تهيئة بيئة الأعمال والاستثمار

وشهدت السنوات الخمس الماضية تطويرا مستمرا في التشريعات الاستثمارية وتحسينات في بيئة الأعمال، وفي الحوافز والتسهيلات الجاذبة للاستثمار كما يتواصل تحسن المؤشرات المالية والاقتصادية وارتفاع التصنيف الائتماني الأمر الذي يعتبر من أهم عوامل زيادة الثقة في آفاق الاستثمار في سلطنة عمان، وعززت سلطنة عمان جهودها ومبادراتها لتشجيع الاستثمار وتبسيط إجراءات الاستثمار وتسهيل تأسيس وتوسع المشروعات، بما في ذلك تحسين وتبسيط نظام التسجيل والتراخيص، وتسهيل الإجراءات الجمركية والتصدير، وتحفيز الاستثمار عبر تقديم حوافز مثل وتسهيلات التمويل، وتوفير الأراضي والخدمات بأسعار تنافسية.

كما تم تطوير منصة رقمية للأعمال وتطوير صالة "استثمر في عُمان" وتنفيذ برنامج "إقامة مستثمر" وتكثيف الترويج لعُمان كمقصد للاستثمار خلال المشاركات والفعاليات الدولية البارزة، ويجري أيضا تنفيذ البرنامج الوطني "نزدهر" كأحد البرامج الوطنية التي تعمل على تسريع تحقيق مستهدفات الاستدامة والتنويع في "رؤية عمان 2040" وخطتها التنفيذية الأولى، الخطة العاشرة، ويُركز البرنامج على تحسين بيئة الأعمال وتمكين القطاع الخاص، وتطوير القطاعات الاستثمارية، وتنشيط التجارة الخارجية.

وقد تم تطوير برنامج "نزدهر" لجلب الاستثمار خلال العام الماضي ليصبح "البرنامج الوطني لتنمية القطاع الخاص والتجارة الخارجية"، ويركز البرنامج على أربعة مسارات رئيسة حتى 2026 هي مسار القطاع الخاص الذي سيعمل على تطوير مبادرات الشركات العمانية وزيادة تنافسيتها عالميًا، مع دعم تحولها نحو اقتصاد المعرفة، ومسار التجارة الخارجية من خلال تعزيز الاستفادة من الاتفاقيات التجارية وتحسين قدرات التفاوض الدولية، وكذلك مسار تطوير الاستثمار الذي سيعمل على تحسين سلاسل القيمة المحلية ومتابعة المشاريع الاستثمارية، إلى جانب المسار التمكيني من خلال تعزيز دور القطاع الخاص في اتخاذ القرارات الاقتصادية وتحسين التصنيف الدولي لسلطنة عمان.

حزمة تبسيط الإجراءات

وأعلنت الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة عن تعزيز خدماتها للمستثمرين، وذلك عبر توحيد مسار الخدمات الذي يتيح للمستثمرين ممارسة الأنشطة الاقتصادية في جميع المناطق التي تشرف عليها الهيئة والحصول على جميع الحوافز والامتيازات والتسهيلات التي تقدمها الهيئة للمستثمرين من خلال تسجيل واحد لدى الهيئة عند بدء المشروع.

ولا شك أن حزمة تبسيط الإجراءات تتزامن مع توحيد إجراءات ورسوم الخدمات المقدمة عبر الهيئة في جميع المناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة؛ الأمر الذي يُساهم في تشجيع الاستثمار في المناطق الاقتصاديّة والحُرة والمُدن الصناعيّة ويؤدي إلى زيادة أعداد المستثمرين، فضلاً عن أن هذه الحزم تستهدف تعزيز بيئة الاستثمار وتسهيل ممارسة الأنشطة الاقتصادية في مختلف المناطق وتمكين المستثمرين من تنويع استثماراتهم وتوسعها في مناطق مختلفة.

هذا المسار الموحد يأتي كجزء من منظومة الخدمات المتكاملة التي تقدمها الهيئة عبر المحطة الإلكترونية الواحدة التي تتيح للمستثمرين من داخل وخارج سلطنة عُمان تقديم طلبات الاستثمار وفتح السجلات التجارية والحصول على التراخيص اللازمة إلكترونيًا.

ونتيجة مباشرة لكل هذه الجهود العُمانية سواء في جانب التشريعات والقوانين الجاذبة للاستثمار، أو في جانب الفرص والحوافز والامتيازات التي تمنحها عُمان لأي مستثمر أجنبي، تجاوز الإجمالي التراكمي للاستثمار الأجنبي المباشر في سلطنة عمان 30 مليار ريال عماني في نهاية عام 2024، مستمرا في الارتفاع ليسجل حجما قياسيا غير مسبوق يظهر تقدم جهود جلب وتشجيع الاستثمار، والتحسن المتواصل في جاذبية الاقتصاد ومؤشرات الإقبال على الاستثمار في سلطنة عمان.

كشفت الإحصائيات الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات في عُمان، عن ارتفاع الإجمالي التراكمي للاستثمار الأجنبي المباشر من 25.5 مليار ريال عماني في نهاية عام 2023 إلى 30 مليارًا و42 مليون ريال عماني في نهاية العام الماضي بنسبة زيادة ملموسة بلغت 18 بالمائة، وارتفع حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في أنشطة استخراج النفط والغاز إلى ما يقرب من 24 مليار ريال عماني، مقارنة مع 19.3 مليار ريال عماني في عام 2023 بزيادة نسبتها 24.1 بالمائة.

وفي القطاعات غير النفطية، اجتذبت أنشطة الصناعات التحويلية ما يقرب من 2.5 مليار ريال عماني وهو أعلى حجم من الاستثمارات الأجنبية في القطاعات غير النفطية، بينما سجل حجم الاستثمارات في أنشطة الوساطة المالية حوالي 1.4 مليار ريال عماني، والأنشطة العقارية والإيجارية وأنشطة المشروعات التجارية ما يزيد عن مليار ريال عماني، وأنشطة النقل والتخزين 340 مليون ريال عماني، وأنشطة الكهرباء والمياه 324 مليون ريال عماني، وقطاع التجارة 262 مليون ريال عماني، والفنادق والمطاعم 110 ملايين ريال عماني، والإنشاءات 88 مليون ريال عماني، إضافة إلى حوالي 97 مليون ريال عماني في أنشطة أخرى متنوعة.

وتعد المملكة المتحدة والولايات المتحدة أكبر دولتين مستثمرتين في سلطنة عمان كما تضم قائمة أهم الدول المستثمرة في عمان الصين والإمارات وقطر والبحرين وسويسرا وهولندا والهند.

ووفقاً للمركز الوطني للإحصاء والمعلومات، وبشأن المسح الإحصائي السنوي للاستثمار الأجنبي بشقيه المباشر وغير المباشر في سلطنة عمان، والذي صدرت نتائجه خلال العام الجاري 2025 ، أشار إلى تنامٍ مستمر في حجم هذا الاستثمار، حيث ارتفع إجمالي الاستثمارات الأجنبية بنسبة 15.3 بالمائة ليصل إلى 36.2 مليار ريال عماني في نهاية 2023 مقارنة مع 31.4 مليار ريال عماني في نهاية 2022، وأشار المسح إلى أن نسبة تدفقات الاستثمار الأجنبي تشكل 11.8 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي لسلطنة عمان مقوما بالأسعار الجارية والذي سجل 40.7 مليار ريال عماني في نهاية عام 2023.