رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


نتنياهو ينقذ نفسه ويُغرق إسرائيل فى حرب أهلية

27-3-2025 | 04:17


.

تقرير: دعاء رفعت

لأول مرة فى تاريخ إسرائيل، يُعلن ائتلاف حكومى عن اقتراح إقالة رئيس الشاباك «جهاز الأمن العام الداخلي»، وهو ما فعله رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذى أمر باستئناف الحرب على غزة ورفض الدخول للمرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، ليقوم بحل مشاكله الشخصية والسياسية الأكثر إلحاحًا بضربة عصفورين بحجر واحد؛ ليمرر الميزانية العامة لعام 2025، وينقذ ائتلافه من السقوط ويبقى على العرش.

 

بأمره استئناف الحرب على غزة فى 18 من الشهر الجاري، رسخ نتنياهو، عضوية حزب «الصهيونية الدينية» فى ائتلافه - بعد أن هدد زعيم الحزب اليمينى المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، مرارًا بالانسحاب إذا وافقت إسرائيل على المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن بدلًا من استئناف الحرب. والأفضل من ذلك، أن ثانى حزب يمينى متطرف فى الكنيست، حزب «عوتسما يهوديت» الذى انسحب من الائتلاف قبل شهرين لموافقة نتنياهو على المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار - الذى أُعيد بموجبه 33 رهينة، 25 منهم على قيد الحياة، إلى إسرائيل - يعود الآن إلى حكومته.

ومن المقرر أن يتولى زعيمه إيتمار بن غفير، المُدان بالعودة إلى الإجرام، زمام الأمور فى وزارة الشرطة. وبعيدًا عن مواجهة أزمة ائتلافية وسقوط حكومته تلقائيًا فى حال عدم إقرار ميزانية الدولة لعام 2025 بحلول 31 مارس الجارى، ستسيطر حكومته الآن على 68 مقعدًا من أصل 120 فى الكنيست، ولن تواجه أى مشكلة فى تجاوز الموعد النهائى للميزانية. كما أن رئيس الوزراء ضرب بعرض الحائط تهديد حزب «يهودت هتوراه» الأرثوذكسى المتشدد، وزعيمه إسحاق جولدنوبف، الذى توعد بالتمرد إذا لم يقر نتنياهو قانونًا يكرس إعفاء الأرثوذكس المتشددين من الخدمة العسكرية قبل التصويت على الميزانية، إذ لم يعد يملك العدد الكافى من أعضاء الكنيست لحشد تهديد حقيقى على الائتلاف.

وفى الوقت نفسه، دأب رئيس الوزراء على إرسال مبالغ طائلة إلى مجتمع الحريديم، إلى جانب وعود لا تُحصى بإقرار قانون الإعفاء من الخدمة العسكرية فى نهاية المطاف، لإبقائه فى السلطة. وهو ما يبرر عدم إحراز الجيش الإسرائيلى أى تقدم يُذكر فى مساعيه لتجنيد المتهربين من الخدمة العسكرية من الأرثوذكس المتشددين، لأنه لا يحظى بدعم الحكومة، وفقًا لاعتقاد كبير محررى صحيفة تايمز أوف إسرائيل دافيد هوروفيتش.

وصف هوروفيتش، إعلان نتنياهو، بإقالة رونين بار، رئيس جهاز الأمن العام (الشين بيت)، الذى كان جزءًا لا يتجزأ من قيادة الأمن القومى على مدار 17 شهرًا من الحرب متعددة الجبهات، والذى ندد به رئيس الوزراء علنًا هذا الأسبوع، معتبرًا إياه شخصًا لا يثق به، بالمخاطرة بتمزيق الداخل الإسرائيلى وتعرضه إلى حرب أهلية غير محمودة العواقب، إذ اعتبرها عودة إلى الأزمة الدستورية التى خلقها مطلع عام 2023 بمحاولته تحييد القضاء وتركيز السيطرة على جميع فروع الحكومة فى يديه.

وبينما انتشل نتنياهو، من الهاوية آنذاك، فهو يبدو الآن أكثر «لا مبالاة» بحقيقة الانقسام المجتمعى الذى يعتبره البعض الوضع الذى جعل حماس ترى بأن الوقت مناسب لهجوم السابع من أكتوبر. ووفقًا للصحفى الإسرائيلي، فإن الإعلان عن إقالة بار، وهو أول إعلان من نوعه فى تاريخ إسرائيل ليس من قبيل الصدفة بينما يكمل جهاز الشاباك، هذا الشهر تحقيقاته فى إخفاقاته قبل 7 أكتوبر 2023، والذى أشار تقريره الأولى إلى أن تدفق الأموال من قطر إلى غزة كان أحد العوامل الرئيسية التى مكنت حماس من بناء قواتها للغزو والمجازر - وهو تدفق شهرى قدره 30 مليون دولار نقدًا، وهو ما دعا إليه نتنياهو علنًا. فيما ورد أن ملحقًا غير منشور لتحقيق الشاباك، بعنوان «الطريق إلى 7 أكتوبر»، يذهب إلى أبعد من ذلك، مستشهدًا بوثائق حماس التى عُثر عليها فى أنفاق غزة واستجوابات معتقلى حماس، والتى تُثبت أن الأموال القطرية استُخدمت لتعزيز حماس، وأن نتنياهو تمسك بهذه السياسة رغم التحذيرات المتعددة التى وجهها الشاباك لرئيس الوزراء قبل غزو حماس بأن إسرائيل تواجه كارثة.

وبحسب آراء المعارضين الإسرائيليين، لم يكن نتنياهو مستعدًا لانتظار بار، لتحديد توقيت رحيله، ولا يريده أن يُكمل تحقيقاته «الحساسة» ولا يهتم كثيرًا باختياره لخلفائه المحتملين. فبعد أن تخلى نتنياهو عن وزير الدفاع يوآف جالانت فى نوفمبر، وقبل استقالة رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلى هرتسى هاليفي، ورحيله قبل عشرة أيام، انتقل إلى هدفه التالي، مؤكدا أن رئيس جهاز الأمن العام كان عليه أن يرحل بسبب «انعدام الثقة المستمر» بينهما.

تجدر الإشارة إلى أن معظم الإسرائيليين يريدون استقالة بار، بسبب إخفاقات جهازه فى 7 أكتوبر، وهو ما صرح به رئيس الشاباك علنًا، إلا أن الأغلبية لا تريد أن يُقيله نتنياهو، اعتقادًا منهم أن رئيس الوزراء يفعل ذلك لأسباب شخصية وليست جوهرية. فيما يأتى اعتراض الأغلبية بسبب تحدى نتنياهو العلنى نزاهة المدعية العامة جالى بهاراف- ميارا، مدعيًا أنها أمرت بتحقيقات ما يسمى «فضيحة قطر» ليس لأسباب جوهرية تتعلق بسلوك غير مشروع مشتبه به، بل بدافع سياسى لمنعه من إقالة بار - من خلال خلق تضارب مصالح ظاهريًا لا يمكن لرئيس الوزراء بموجبه قانونًا إقالة رئيس جهاز الشاباك الذى يحقق جهازه مع مسئوليه. وبلا شك، قدر رئيس الوزراء أن النائب العام ستعارض إقالة بار.

وفى الواقع، أبلغه كبير المستشارين القانونيين للحكومة صراحةً أن عملية الإقالة لا يمكن أن تبدأ «إلا بعد دراسة شاملة للأساس الواقعى والقانونى لقرارك، بالإضافة إلى صلاحياتك فى معالجة الأمر فى الوقت الحالي». وربما كان هذا البند الأخير إشارة إلى اتفاقية تضارب المصالح التى أبرمها نتنياهو عام 2022، والتى تسمح له بتولى منصب رئيس الوزراء، رغم محاكمته فى ثلاث قضايا جنائية، بشرط منعه من المشاركة فى تعيين موظفين رئيسيين فى أجهزة إنفاذ القانون إذا كان ذلك من شأنه أن يؤثر على نتيجة محاكمته.

كما أشارت بهاراف- ميارا إلى «الحساسية الاستثنائية للقضية، وطبيعتها غير المسبوقة والقلق من أن العملية قد تشوبها مخالفات قانونية وتضارب مصالح»، وحقيقة أن منصب رئيس جهاز الأمن العام «ليس منصبًا شخصيًا يُؤتمن عليه رئيس الوزراء». إلا أن البعض يتنبأون بعزم نتنياهو، إقالة النائب العام نفسها.